* يهدّد عجز الحكومة اليمنية عن تحسين الأوضاع المعيشية والخدمية في المناطق الواقعة ضمن دائرة مسؤولياتها، وحالة الغضب الشعبي المتنامي من موجة الغلاء وندرة السلع الأساسية مع انقطاع مرتّبات أعداد من موظفي القطاعات المدنية والعسكرية، التماسك الهشّ لتلك الحكومة المشكّلة مناصفة بين الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي بمقتضى اتّفاق الرياض. وطالب المجلسُ الوزراءَ المنتمين إليه والمشاركين في حكومة معين عبدالملك ب"اتخاذ موقف واضح وحاسم تجاه ما يحدث.. وتجاه الجهات التي تفتعل الأزمات والانهيارات وحرب الخدمات وتمضي في تصعيدها لإخضاع أبناء الجنوب والإمعان في معاقبتهم".
وهدّد في بيان صادر عن متحدثه الرسمي علي الكثيري بالوقوف إلى جانب "شعب الجنوب وخياراته"، في إشارة إلى التظاهرات والاحتجاجات التي اجتاحت مؤخرا عددا من المناطق إثر انهيار قيمة الريال اليمني وما نتج عن ذلك من موجة غلاء غير مسبوقة.
وقالت مصادر إنّ شخصيات قيادية في المجلس تقلّب جملة من الخيارات المفتوحة يذهب أقصاها حدّ التفكير في الانسحاب من حكومة المناصفة لتجنّب مشاركتها المسؤولية عن تردّي الأوضاع.
ويشهد عدد من مناطق جنوباليمن منذ أيام تنامي حالة من الغضب الشعبي، بينما تتراجع ثقة السكّان المحلّيين بالحكومة التي تمّ تشكيلها في ديسمبر الماضي بسبب قلّة تأثيرها على أرض الواقع، حيث يتواصل تردّي الخدمات وانعدامها في الكثير من الأحيان وارتفاع أسعار المواد الأساسية.
وشهدت مدينة المكلّا، مركز محافظة حضرموتبجنوب شرق اليمن، الأربعاء، وقفة احتجاجية أمام مبنى ديوان المحافظة لمطالبة السلطات بالتراجع عن الزيادة في أسعار المشتقات النفطية.
وعبّر الفرع المحلي للمجلس الانتقالي عن تأييده للمحتجّين، محذّرا في بيان "من خطورة تفاقم السخط الشعبي الذي ينذر بثورة مجتمعية للجياع تقودها الفئات الأكثر معاناة كالطلاب والعمال والعسكريين المنقطعة مرتباتهم"، ومعتبرا أنّ معالجة الأزمات "هي الوظيفة الأساسية التي تشكلت من أجلها حكومة المناصفة. فإذا لم تستطع معالجتها فلا مبرر لبقائها".
كما شهدت محافظة عدن قبل أيام مواجهات بين متظاهرين وقوّات الأمن، فيما قام محتجّون في مدينة الحوطة بمحافظة لحج بقطع طريق رئيسي بالحواجز والإطارات المشتعلة احتجاجا على انقطاع الكهرباء لعدّة أيام متتالية.
وبعد مضي أكثر من شهرين على عودة الحكومة اليمنية إلى عدن، لم يسجّل أي تحسّن يذكر في الأوضاع المعيشية بالمناطق الواقعة ضمن مسؤولية تلك الحكومة.
وتدهورت قيمة العُملة اليمنية خلال الأشهر الأخيرة بشكل كبير حتى وصل سعر الدولار إلى قرابة ال900 ريال، الأمر الذي تسبّب في موجة غلاء غير مسبوقة في أسعار المواد الأساسية بما في ذلك الأغذية، ما جعل رئيس الحكومة معين عبدالملك يحذّر من حدوث مجاعة في البلاد.
وتمثّل حالة التململ الشعبي في المناطق الخاضعة للشرعية اليمنية جرس إنذار للحكومة بشأن ضرورة الإسراع بمعالجة الأوضاع الإنسانية والمعيشية السيّئة في عدن وعدد من المناطق غير الخاضعة لسيطرة المتمرّدين الحوثيين.
وحذّر الإعلامي الجنوبي ماجد الداعري من "موقف كارثي سيحلّ بالشعب اليمني بعد وصول سعر صرف الدولار إلى ألف ريال يمني لأول مرّة في تاريخ البلد".
وقال في منشور على صفحته في فيسبوك، إنّ "ما بعد الألف ريال للدولار لن يكون كما قبله في وتيرة الانهيار الكارثي".
وإلى حدّ الآن تبدو حكومة عبدالملك عاجزة عن وقف تدهور سعر العملة المحلّية وتدارك ما أصاب الخدمات العامّة من تراجع شديد بلغ حدّ الانهيار التام في بعض المناطق.
ويقول خبراء ماليون إنّ تهاوي قيمة الريال اليمني لم يحدث فقط بسبب ظروف الحرب وجائحة كورونا، ولكنّه جاء أيضا نتيجة تقصير حكومي وسوء إدارة للشأن المالي والاقتصادي.
وقال تقرير أممي نشر في يناير الماضي، إنّ الشرعية اليمنية والحوثيين منخرطان معا في عمليات فساد أثرت على الجوانب الاقتصادية والمالية، وبالتالي على مستوى معيشة السكان. وعلى سبيل المثال تحدّث التقرير عن عملية تلاعب بوديعة سعودية في البنك المركزي اليمني بقيمة ملياري دولار بشكل حوّلها عن الهدف الأصلي من إيداعها وهو ضمان استقرار قيمة العملة اليمنية وتمويل خط ائتماني لشراء أغذية ومواد أساسية.
ومن جهته عزا سالم ثابت العولقي، عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، انهيار قيمة الريال إلى رفض المسؤولين ضمن الشرعية اليمنية المنتمين لحزب الإصلاح تحويل الموارد المالية إلى البنك المركزي في عدن. وقال في تغريدات عبر تويتر "مازالت سلطات الإخوان في مأرب وشبوة تمتنع عن توريد إيرادات المحافظتين إلى البنك المركزي في عدن، في تمرّد صريح على اتفاق الرياض والحكومة المنبثقة عنه، ويتم توظيف تلك الموارد للإنفاق على أجندات حزبية خالصة"، مضيفا أنّ "عدم الاكتراث "بالغليان الشعبي في الجنوب جرّاء تردي الأوضاع المعيشية والخدمية يكشف عن سوء إدارة وعن جهل بالتداعيات الشعبية والاجتماعية والنفسية لهذه الأزمات"، ومحذّرا من أنّ "الأوضاع تتعقد أكثر في المناطق المناهضة لميليشيات الحوثي وعدم تداركها قد يؤدي إلى نتائج لا تسرّ".