يخطئ كثيرون بحسن نية أو مع سبق الإصرار حين يحاولون اختزال الهم الوطني في زوايا ضيقة الأفق إما بناءً على مواقف شخصية تنطلق من انفعالات عاطفية وإما لأهداف مغرضة لا تخفى على المتابع الحصيف في إطار الحملات الشعواء التي تشنها بعض الأطراف عبر وسائل إعلامها ضد شخص رئيس الجمهورية محاولة إنكار جهوده الناجحة في إخراج البلاد من عنق الزجاجة. ومن ذلك حين تسعى اليوم هذه الأطراف لاستغلال النقاشات الدائرة داخل أروقة مؤتمر الحوار الوطني وما تطرحه القوى السياسية من تصورات بشأن تمديد المرحلة الانتقالية إلى مرحلة "تأسيسية" أو عدم تمديدها في سياق بحث الجميع عن ضمانات تكفل تنفيذ مخرجات الحوار، ومحاولة تسويق ذلك وكأن"التمديد" أو"التأسيسية" مطلب شخصي وملح للرئيس هادي. وحتى يفهم هؤلاء ومن ينجر إلى مربعهم المكشوف لا بأس أن نذكرهم أن الرئيس هادي وجد نفسه مجبراً على تولي المسؤولية وإدارة المرحلة الانتقالية في ظل ظروف بالغة التعقيد والحساسية استشعاراً منه للمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقه وإيماناً منه بضرورة الواجب لبذل أقصى ما في وسعه لإنقاذ وطنه وشعبه وإخراج البلاد من أتون أزمتها الطاحنة، وليس حباً في المنصب ولا تهافتاً على مغانم السلطة. يتعين عليهم أن يعرفوا بأنه منذ منحه الشعب كلمته لتولي الرئيس هادي زمام الأمور لم يأل جهداً في تفكيك أجنحة الصراع وإزالة الانقسام في صفوف القوات المسلحة، وإعادة الطمأنينة إلى الشارع، ومجابهة قوى التطرف دون هوادة، واتخاذ القرارات الحاسمة، وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء،والدفع نحو انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، وتكثيف المساعي لدى الأشقاء والأصدقاء لإنقاذ اليمن من ضائقته الاقتصادية ومساعدته لتوفير الخدمات الضرورية، كل ذلك في ظل ضغوط داخلية وخارجية وتخريب و"إرهاب" ممنهجين. ولمن لديه أدنى بصيرة فإن السلطة في بلد له نفس ظروف اليمن أشبه بالسير في حقل من الألغام وهو ما كان عبر عنه فخامة الرئيس هادي جيداً في أكثر من موقف ومناسبة، مؤكداً للمشككين والمعرقلين، والمزايدين والمرجفين على حد سواء أن مهمته تقتصر على إخراج بلاده من محنتها إلى بر الأمان وفقاً لخارطة الطريق التي رسمتها"المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة". وانطلاقاً من هذا فإن الهم الأول الذي يشغل بال وتفكير رئيس الجمهورية في هذا التوقيت هو أن يستكمل مؤتمر الحوار الوطني أعماله بنجاح في أقرب وقت ممكن بتوافق جميع اليمنيين تمهيداً للبدء في كتابة الدستور الجديد الذي سيؤسس لصفحة مغايرة في تاريخ البلاد تحفظ لليمن أمنه واستقراره ووحدته الوطنية استناداً على أسس الحكم الرشيد ومبادئ الحرية والعدالة والمساواة، أما ما يطرحه المتحاورون على طاولة الحوار فذلك شأن القوى السياسية التي لها الحق في أن تبدي وجهات نظرها تجاه القادم وأن تناقش مع بقية المكونات ما شاءت من تصورات. والأحرى بهذه القوى التي يحلو لها اليوم افتعال معارك الوهم أن تتحلى بروح المسؤولية الوطنية وأن تستشعر أن اللحظة الراهنة يجب أن توجه فيها الجهود صوب تجاوز الخلافات وتقديم التنازلات للوصول إلى الوثيقة النهائية لمؤتمر الحوار الوطني، ومن ثم الشروع في تنفيذ بقية الخطوات المنصوص عليها في اتفاق"المبادرة الخليجية وآليتها"لا أن تضع مزيداً من العراقيل والعقبات أمام تطلعات اليمنيين في مستقبل أفضل. هذا الأمر شدد عليه بيان مجلس الأمن الدولي الأخير في سياق تحذيره لمعرقلي الانتقال السياسي بشقيهم سواء أكانوا من أفراد"النظام السابق" أو من"الانتهازيين السياسيين"، بالإضافة إلى تأكيده الحاسم على أن العبرة أولاً بإنجاز المهام والخطوات المنصوص عليها في"المبادرة الخليجية وآليتها" وليس بالجداول الزمنية التقريبية. وبالتالي فإن مسألة استمرار الرئيس هادي على رأس الدولة لفترة ما بعد إنجاز كافة المهام الانتقالية أو عدم استمراره هي من الأمور السابقة لأوانها، ولا ينبغي أن يفرط"المعرقلون" أو "الانتهازيون" في التباكي بشأنها، فضلاً عن أنها ليست قضية جوهرية بالنسبة للرئيس نفسه كما يظن بعض الواهمين إلّا بمقدار ما تقرره إرادة الشعب اليمني التي اختارته بالملايين في 21 فبراير 2012م في مشهد سيبقى إلى الأبد خالداً في الذاكرة الوطنية.