الدكتور محمد السعدي الوزير الناجح في حكومة الوفاق الوطني– حسب الكثير من المراقبين- يعد من أكثر الوزراء هدوءا وبعداً عن الإعلام، فهو على ما يبدو لا يحب الضجيج.. من القيادات العليا لحركة الإخوان المسلمين في اليمن، فهو أمين مساعد في حزب الإصلاح الإسلامي، الذي يمثل امتداداً لحركة الإخوان المسلمين.. شارك في حكومة الائتلاف ما بين 1994-1994م كنائب لوزير التربية والتعليم.. الوطن القطرية زارت الدكتور السعدي إلى مكتبه، ورغم أن الرجل كان في غاية انشغالاته، إلا أنه يسر لنا وقتاً لإجراء هذا الحوار الشامل، حول أداء حكومة الوفاق الوطني، وما أنجزته خلال الفترة الماضية والصعوبات التي واجهتها في المجال الاقتصادي والأمني، وتعامل المانحين.. التفاصيل في الحوار التالي.. حاوره- أحمد الصباحي * أكثر من عامين مضيا على عمر حكومة الوفاق الوطني.. ما الذي أنجزته هذه الحكومة خلال الفترة الماضية؟ - أولاً، أشكركم على الاهتمام، وأشكر جريدة الوطن القطرية على الاهتمام بالشأن اليمني.. ولا شك أن العامين الماضيين هما عامان استثنائيان في تاريخ اليمن، وخصوصا بعد أن انتهجت اليمن نهج التداول السلمي للسلطة، أو التغيير السلمي. والحقيقة أننا وجدنا كثيرا من الصعوبات خاصة في الجانب الاقتصادي.
* ما هي؟ - كانت الصعوبات في خروج مجموعة من المنظمات الدولية والجهات المانحة، وكان لا بد ان نمضي في اقناعهم بالعودة بعد استتباب الاوضاع وتحسنها، وبقي الأمر إلى أن انعقد مؤتمر المانحين في الرياض 4 سبتمبر، ثم في نيويورك 27 سبتمبر من عام 2012 واعلان الالتزامات من المانحين، حرصنا بعد ذلك أن نسعى لعملية التخصيص ووجدنا بعض الصعوبات في استكمال الدراسات.
* هذا على مستوى عمل وزارة التخطيط أم على مستوى الحكومة؟ - وزارة التخطيط والحكومة.. ووزارة التخطط تمثل جزءا من العمل الحكومي، وجدنا أن هناك ضرورة لتثبيت سعر الريال حتى يكون جزءا مما يمكن أن نطلق عليه بتحسن الأوضاع الاقتصادية.
* هل استطعتم تثبيت سعر الريال؟ - نعم، خلال حكومة الوفاق الوطني سعر الدولار يساوي 215 ريالا يمنيا بشكل ثابت، وكان قبل حكومة الوفاق في حالة تذبذب دائم، وكان يؤثر على سعر السلع والاستيراد وعملية الصرف في الداخل.
عوائق الحكومة * ما هي أبرز العوائق التي واجهت حكومة الوفاق؟ - ضعف الأمن، وعدم توفر بيئة جاذبة للمستثمرين، لأن الثورة كانت توقعاتها عالية وتطالب بالتغيير السريع، والتغيير السريع لا يمكن أن يحدث من خلال امكانات الدولة، ولكن كان الهدف أن نوفر بيئة استثمارية نجذب بها المستثمرين، فعدم الاستقرار والتنازع المستمر، والأحداث المتعددة بالذات الأمنية أثر تأثيراً بالغاً.
* "مقاطعا».. أليس من مهام الحكومة أن توفر الأمن؟ - بالتأكيد إنه من مهام الحكومة، لكن التوفير بالشكل المطلق يحتاج إلى امكانات وارادة موحدة.. كانت الصراعات قائمة وحديثة، والآن هو ضمن برنامج الحكومة ما زال مستمراً.. لكن التحديات مثل التخريب وهو لا يوجد له وقت أو توقيت معين، التخريب في مجال الكهرباء والنفط والغار آثر على الاقتصاد.. الحرب التي وقعت في أبين مع القاعدة، عدد من الاشكاليات وقعت.
* أين دور الحكومة في ايقاف الانقطاعات المتكررة للكهرباء، وضرب أنابيب النفط والغاز.. أين وزارة الداخلية والدفاع، لم نسمع أي شخص تم ضبطه؟ - بالعكس تم ضبط اكثر من حالة، لكن دائرة التخريب دائرة واسعة، وأي انسان عندما يقرر أن يخرب يستطيع أن يعمل، خصوصا اذا كان انتحارياً كما حدث في السبعين ومجمع الدفاع.. حتى في التخريب الأمر مستمر والمساحات كبيرة وامكانات المؤسسة العسكرية محدودة، نستطيع أن نقول إنه لم يبن جيش قوي، ولم تبن وحدة عقيدة عسكرية للجيش، وبالتالي هذا الخلل قائم.
* ما هو السبب في حضور التخريب خلال العامين الماضيين؟ - كما شرح فخامة الرئيس أن هناك مجموعة متضررة من تجار السلاح والمخدرات، ومن فقدوا بعض المصالح الشخصية، ارادوا أن يستمر الحال كما كان قبل التغيير، ويلجؤون لهذه العمليات التخريبية.
الحكومة والمانحون * في ملف المانحين.. البعض يقول إن الحكومة فشلت في تقديم رؤاها وتصوراتها لمؤتمر المانحين، ما جعلهم يترددون في دعم اليمن؟ - هذا السؤال نواجهه في أكثر من موقف، والحقيقة أن المانحين هم على ثلاثة مستويات وأصناف.
* ما هي هذه الأصناف؟ - صنف أول متفاعل وجاد، انجزنا الكثير معه، وهو الآن بين منفذ في الميدان أو في خط المسار السريع للإجراءات. الصنف الثاني: مهتم بالجانب الإنساني، ينفذ مشاريعه عن طريق منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية. بالنسبة للأول على رأسه دول الخليج وعلى رأس دول الخليج، المملكة العربية السعودية، والصنف الثاني الدول الغربية والداعمين التقليديين، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي.
* ماذا عن الصنف الثالث؟ - هو صنف نستطيع أن نقول إنه يعد ثم يجد تبريرات للتأجيل إما ادعاء بأن الأوضاع الأمنية غير مستقرة، أو أن هناك بعض الاشكاليات الداخلية في بلدانهم بحيث إنهم لا ينتقلون إلى عمليات التنفيذ إلا بعد اجراءات معينة وتطول، وأسباب ازمات مالية أو بعض التشريعات والقوانين.
* تحدثت في السابق أن بعض المانحين يرغبون في تنفيذ أعمالهم عبر شركات خاصة بهم.. ما المشكلة عندكم؟ - لا يوجد لدينا اشكالية، لكنهم بعدها يقولون إن الاوضاع غير مستتبة، وبالتالي الشركات لا تدخل في بلاد غير مستقرة أمنياً.
* وما الذي يخشونه في حال نفذتم المشاريع بشركات تحت رعاية الحكومة؟ - هم يخشون عمليات الفساد.. وإن كان هناك مراقبة واضحة، نمنع الفساد عن طريق الشفافية والمراقبة الواضحة.. لكن بعضهم يريد أن يفيد شركاته، خاصة اذا كان يقدم معونة دون مقابل.
* لكن بعض الدول تدعي وتقول ان وزارة التخطيط والحكومة لم تقدم دراسات ورؤى واضحة؟ - هذا كلام ليس على إطلاقه صحيحاً، تكاد تكون مشاريع مقدمة بشكل دراسي وعلمي، لأكثر من 80 بالمائة، قد يحدث هناك بعض القصور.
*هل نجحت الحكومة في تقديم رؤى واستراتيجيات واضحة بحيث إنها تقنع المانحين؟ - نحن لم ينعقد مؤتمر الرياض في سبتمبر 2012 إلا وقد جهزنا برنامج سميناه (البرنامج المرحلي لاستقرار التنمية) وكان شاملا للفترة الى نهاية 2014م، وفيه مشاريع، وفيه دراسات واضحة المعالم.
من يدعم اليمن؟ * من هي أبرز الدول التي تعتمدون عليها في دعم اليمن، والتي دائماً تفي بوعودها؟ - دول الخليج عموماً، والمملكة العربية السعودية ودولة قطر الشقيقة بشكل خاص.. ودولة قطر عندها التزامات عملية، ونقلة نوعية لحل قضية سياسية على درجة من الاشكالات القائمة في اليمن وهي القضية الجنوبية.. قطر التزمت بمبلغ 350 مليون دولار لدعم صندوق القضية الجنوبية، وأيضا التزمت بإنشاء مدينة طبية في تعز، وهناك محادثات واستعداد للدخول في مشاريع تنموية.. أيضا فيما يخص المملكة العربية السعودية، وضعنا الحجر الاساس لمدينة الملك عبدالله الطبية في صنعاء، ودعم في مجال الكهرباء.. الأخوة في الصندوق الكويتي كذلك.. النسبة العالية في المشروعات التنمية بدعم خليجي.. وهناك الآن مخرجات للحوار الوطني، ونحن على وشك بناء دولة، وتحتاج إلى دعم مكثف كبير، أيضا نتوقع اسهامات.
* هل بدأتم في تنسيق وإعداد مشاريع وتصورات لمخرجات الحوار؟ - نعم، قبل دخولك كان عندنا وفد للبنك الدولي وكنا نتحدث عن ما بعد الحوار الوطني، سواء في ما يتعلق بالمشروعات والدارسات، أو ما يتعلق ببناء الدولة وما يتطلبه من قدرات خارجية لدعم النجاح الذي ننشده دائما.
* تحدثت عن دعم قطر، نريد أن نعرف ما هو حجم علاقتكم مع قطر، خصوصا بعد أن كانت العلاقة متوترة أيام حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح؟ - الأخوة في قطر يجب أن أشكرهم كثيراً على اهتمامهم وحرصهم منذ عدة سنوات على الاهتمام باليمن، والاهتمام بثورة الشباب بشكل خاص، والدعم السياسي والدعم الإعلامي التي حظيت به ثورة الشباب لو لا سياسة قيادة قطر الواضحة بانتمائها للشعوب لما حصلت هذه النتائج.. ثانياً: موضوع الدعم التنموي كما اشرت سابقاً أن هناك التزامات تمت، وهناك استعدادات لمشاريع أخرى، وهناك حديث عن دعم للسياحة ومجال التنمية، ولدينا تصورات للشراكة بشكل أكبر.
* على مستوى العلاقات البينية؟ - العلاقات أفضل ما يمكن، نحن قمنا بعدة زيارات إلى قطر، وجاء إلى اليمن وزير الخارجية أكثر من مرة، وعندنا لقاءات في المؤتمرات الدولية.. فالقيادة القطرية قيادة ناضجة وواضحة وحريصة على اليمن وعلى تنمية اليمن، ونحن نعتقد أن المستقبل واعد بشكل أكبر لأننا في منطقة الجزيرة العربية محتاجيون إلى تكامل ورؤى استراتيجية مشتركة نستطيع من خلالها أن نجسد المصالح الشعبية بين الشعوب الجزيرة العربية، وكما أن اليمن في جنوب الجزيرة فإن قطر في شرق الجزيرة لها اهتمامات متكاملة مع اليمن.. نحن نعتقد أن سياسية قطر الحكيمة ستؤدي إلى تنمية بشكل منشود من جانب اليمنيين.
مستقبل الحكومة * ما هو مستقبل حكومة الوفاق الوطني في ظل الاحداث الامنية، والفشل الواضح على أدائها حسب ما يقال إنها فشلت؟ - أولاً: الذين يطلقون الفشل على الحكومة، هم يمثلون جزءا من هذه الحكومة، ولديهم 50 بالمائة من قوام الحكومة، وإعلامهم يتحدث عن هذا الفشل.
* تقصد حزب المؤتمر الشعبي العام؟ - نعم، وسائل إعلامه تتحدث بهذا الكلام، أما أعضاء الحكومة كأفراد أصبحنا في الهم شرق، وكلنا نتحمل مسؤولية الاخفاقات جميعاً، ونبشر بالنتائج الايجابية جميعاً، فالحسنات للجميع والسيئات على الجميع.
* لماذا تتعرضون أنتم أعضاء الحكومة من اللقاء المشترك لهجوم واضح، على عكس الوزراء من الطرف الأخر؟ - هذا يكفي أنك كصحفي ومراقب إعلامي، تدرك هذه القسمة العرجاء التي تحدث في الإعلام الذي نتمنى أن يصبح إعلاما مسؤولاً.. معظم الرسائل التي يقولها الإعلام غير مسؤولة ومضاعفاتها سيئة، حتى أن الغربيين الذين يأتون إلينا يقولون ما نسمعه في الإعلام مختلف عن الواقع، والواقع اكثر اطمئناناً.
* بالنسبة لمؤتمر الحوار الوطني.. ما هو تعليقك على الوثيقة الأخيرة التي تم التوقيع عليها كحلول وضمانات، كونك في حزب الإصلاح الذي وقع عليها مبكراً؟ - نحن هدفنا من الحوار الوصول إلى مخارج ونتائج إيجابية، ولا يمكن الدخول في حوار يشارك فيه 565 شخصا ونخرج بقالب واحد، لا بد من التباين وحضور الآراء المختلفة.. لكن في الأخير الناس يتفقون على الأغلبية وعلى الرأي الذي يؤيده اكثر من النصف، وهذه الوثيقة إنما جاءت كمخرج ومعالجة، لأن موضوع شكل الدولة والقضية الجنوبية تكاد تكون أخذت نصف الوقت من الحوار الوطني، ودون شك أنها المحور الهام في الحوار الوطني.
* هناك بعض الاطراف رفضت التوقيع على الوثيقة بحجة انها تسعى الى تقسيم اليمن؟ - هذا المفهوم يحتاج إلى تصحيح.. نحن الآن 22 محافظة، وعندنا مشكلة في التنمية والخدمات والجوانب السياسية، وأظن أن تجميع هذه المحافظات وإعادة تقسيمها على شكل اقاليم سيكون مفيدا للتنمية، وسيكون هناك توزيع عادل للثروة، بالتالي مفهوم تقسيم اليمن يحتاج إلى تصحيح، لأننا نريد أن نقول إننا نجمع المحافظات لتصبح تكتلا جغرافيا وبشريا وفي نفس الوقت داخل إطار سيادي واحد.
* هل يسمح الوضع الاقتصادي بتوزيع اليمن إلى أقاليم؟ - كما قلنا من قبل إن العمل الاندماجي فشل فشلاً ذريعاً في الجانب الخدمي بدرجة كبيرة، وبالتالي لم يصل المركز بخدماته الى المحافظات، وبالشكل المطروح حالياً تجميع المحافظات بإقليم نتوقع – خصوصاً أن هناك تجارب موجودة وناجحة- يمكن السيطرة وتوظيف ابناء المحافظات في نفس المحافظات بالذات في الأمن والخدمات، ممكن استغلال الثروات واعطاء المحافظات التي لديها ثروات نسبة معينة..
* هل هناك ضمانات لعدم ذهاب بعض الاقاليم إلى الاستقلال؟ - طبعا الوثيقة ضمانة، ويمكن عمل ذلك في الدستور أنه لا يمكن الاستقلالية الكلية.. ولا بد من الرابط بين الاقليم والمركز، وفي نفس الوقت ادارة الاقليم لا بد ما تكون ادارة واضحة، واختيار الناس بانتخابهم، سواء كانوا في مجالس تنفيذية أو مجالس سياسية.
* أخيراً.. هل أنت متفائل بنجاح الحوار في ظل العرقلة الحاصلة؟ - أنا متفائل، وأتوقع أن نجاح مؤتمر الحوار سيكون تحولا ايجابيا، وأن أحلام الشباب ستتحقق في المستقبل، وأن اليمن تمضي إلى خير، ورغم الصعوبات والاعاقات، لكن إرادة الله أولاً، ثم ارادة الشعب ستؤدي إلى نجاح باهر في المستقبل القريب. *الوطن القطرية