الرئيس عبدربه منصور هادي خَلَّص أوسمة الدولة بكل أنواعها ودرجاتها يا جماعة الخير! وأخشى أن اليمن بدأت في اقتراض الأوسمة من جيبوتي، وأن تبدأ الحكومة في طلب مساعدات "أوسمة" من الدول المانحة. مش عارف أيش قصة الرئيس هادي مع الأوسمة! منذ توليه الرئاسة، وهو جالس يوزع أوسمة! بدأت أتصور أنه كلما زاره سفير أو مبعوث دولي، يسارع الى سحب وسام من الدرج أو من "جونية" جواره أو من معرفش فين وي.. قول له: "وطي راسك!"، معتقدا أن هذا السفير أو المبعوث "خَاوِر" وسام! وخَاوِر الوسام باللهجة الصنعانية هو الراغب بشدة فيه طبعا. بل إنني بدأت أتصور أنه يسير حاملا في جيوبه عددا من الأوسمة كما يحمل بعض الرجال الراشدين الزبيب و"المليم" و"الشكليت" في العيد من أجل توزيعه على الأطفال! أمس الأول الاثنين، رأيناه يقلد بان كي مون وسام، وعبداللطيف الزياني وسام، وجمال بن عمر وسام. بان كي مون رفض الضغوط الدولية الممارسة عليه لتأجيل زيارته لليمن والتوجه بدلا من ذلك إلى إسرائيل وغزة وأصر على المجيء إلى هنا من أجل الدفع بعملية الانتقال السلمي للسلطة المتعثرة في البلد للأمام، مش من أجل الوسام. ثلاثة أوسمة وزعهن قبل يومين، وهذا ليس سوى غيض من فيض........يقلد السفير الصيني وسام. لم أبحث في عدد الأوسمة التي وزعها منذ توليه الرئاسة، لكني أتصور أنه طالما وقد قلد السفير الصيني وساما، فلابد أنه قلد كل سفراء الدول العظمى أوسمة أيضاً، الدول العشر والدول ال14. ولابد أن سفراء دول الخليج حصلوا على حصتهم من الأوسمة. من يومين، وأنا أفكر بقصة الرئيس هادي مع الأوسمة ولا أتوصل إلى شيء. تساءلت عن عدد الأوسمة التي وزعها حتى الآن علنا، وارتعبت من فكرة أن هناك المزيد منها يوزعها سرا على من يحب من حلفائه. مثلا، تساءلت: كم قد أعطى علي محسن الأحمر يا ترى أوسمة؟ تذكرت تصريح الأخير حول كونه "الرجل الأول" في نظام علي عبدالله صالح قبل الثورة، وهو التصريح الذي حمل في رأيي لفت نظر للرئيس هادي بأن يعامله باعتباره "الرجل الأول" في نظامه أيضا، وقلت في نفسي: كم يا ترى ستكون حصة "الرجل الأول" من الأوسمة؟
مش قصة. وكما يقال في الدارجة اليمنية، خِيْرَة الله أحسن من كل خِيْرة. وقد ابتسمت في قرارة نفسي وأنا أتوصل إلى نتيجة مفادها: علي محسن شخص عملي ولن ينشغل بالأوسمة، فجدول انشغالاته مزدحم بالأراضي والديزل والأسلحة وهلم جرا. وتذكرت ما يقوله البعض عنه من كونه يترك لحلفائه هامشا من السلطات للتصرف. وأعتقد أنه كأي شخص عملي سيترك للرئيس هادي هامشا للحركة والتصرف كرجل أول، ولابد أن التصرف بالأوسمة جزء من هذا الهامش (مع أمور أخرى كثيرة طبعا). وهنا، نصل إلى ما يبدو لي أنها النقطة الهامة في قصة هادي مع الأوسمة.
بعد التفكير ملياً في هذه القصة، برز احتمال أقرب الى الواقع من الاحتمال السابق الذي يقول إن الرئيس هادي يقلد السفراء الأوسمة لأنه يعتقد أنهم "خَاوِرِين" أوسمة. الرئيس السابق علي عبدالله صالح كان يتعامل بطريقة غير محترمة مع نائبه هادي ولا يترك له هامشا من السلطات يمارسها بما فيها صلاحياته كنائب رئيس. وأظن أنه كان يتعمد توجيه نائبه بحضور فعاليات واحتفاليات صغيرة من قبيل افتتاح معاهد ومدارس وحصر سقفه في تكريم الآخرين على "الشهائد" (الشهادات التعليمية). وعليه، ربما أن الرئيس هادي هو نفسه "خَاوِر" يوزع أوسمة وليس أنه يعتقد أن السفراء "خَاورِين" يتلقون منه أوسمة. بعبارة أخرى، قد تكون هذه "خَرْمَة أوسمة مزمنة" لدى الرئيس هادي، (والخَرْمَة هي الرغبة الشديدة في التدخين لدى مدمن السيجارة بعد انقطاع طويل مثلا، والمدخن يكسر خَرمته بسيجارة واحدة). ومن حق هادي أن يكسر "خَرْمَته" طبعا، ولكن بوسام واحد أو اثنين أو حتى ثلاثة وليس بالعشرات منها. حتى لو كان يسعى إلى كسر "الخَرْمَة" وإغاضة سلفه علي عبدالله صالح على اعتبار أنه يدرك أن توزيع الأوسمة هي أكثر ما يغيض الأخير وأنه يستمتع بإغاظته، فهذا ليس مبررا لكل هذا الانشغال بتوزيع الأوسمة. في كلتا الحالتين، لا بأس! لكننا ننتظر من الرئيس هادي ممارسة صلاحياته كرئيس جمهورية خارج مضمار توزيع الأوسمة. اليمنيون من كل الفئات يعلقون آمالا كبيرة عليه، وما يزال الكثير منهم ينتظرون خطواته الشجاعة في هذا السياق. وقد كنت انا شخصيا من أكثر المتحمسين له بعد أول خطاب له، ورغم أنني شعرت بالخذلان والخيبة من أدائه بعد ذلك، إلا أنني- وأقولها جادا- ما أزال أعلق عليه أملا كبيرا أتمنى ألا يخيبه. فخامة الرئيس: نحن نعلق عليك آمالا كبيرة، فلا تبدد وقتك ووقت هذا البلد المخنوق في تعليق الأوسمة على صدور السفراء ومبعوثي المجتمع الدولي. إذا كان هناك من وسام يتعين عليك أن تعلقه على صدر أحد فهو وسام واحد تعلقه على صدر اليمن، وسام واحد فقط: أنت. حين ستتصرف كرئيس جمهورية يهمه أمر هذا البلد، ويشعر ويتصرف باعتباره رئيسا وقائدا لليمنيين، كل اليمنيين، والبسطاء منهم تحديدا، وليس باعتباره واجهة ومظلة لمراكز القوى العفنة والفاسدة، حين ستتصرف على هذا النحو، فإنك ستكون أهم وأجمل وسام على صدر هذا البلد وكم أتحرق شوقاً لرؤيتك تلمع على صدري وصدر كل يمني بسيط. من حائط الكاتب على الفيسبوك