لن أدعي بأنني ملم بكل ما جاء في كتاب الله تعالى بل أنا إنسان عادي لا أختلف عن الآخرين بشي وقد أكون أقل الناس معرفة ، الاختلاف الذي أتميز به بحسب معرفتي بنفسي هو أني أحاول أن استعمل عقلي ولا أتركه في إجازة مفتوحة وأتبع هذا أو ذاك من الناس ، وقد يطلق البعض من الناس عليَّ مختلف المصطلحات التي تزخر بها لغتنا العربية مثل زنديق مارق خارج عن الملة وخارج عن الإجماع وعن ثوابت الأمة ، ولكن كل ذلك لم ولن يغير من الأمر شيئاً فأنا ما زلت مصمما على استعمال نعمة الله سبحانه وتعالى التي أنعمها عليَّ وعلى جميع أبناء أدم ( العقل ) ودائماً أتمثل قوله سبحانه وتعالى أمامي{ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. تناولت الأخبار محاكمة الأخ علي قاسم السعيدي بتهمة الردة ، وقد حصلت على صورة من ملف الاتهام وقمت بالإطلاع عليه لم أجد ما يعزز هذا الاتهام بأن الرجل قد ترك دينه وعاد إلى عبادة الأصنام - أعوذ بالله - أو تركه واتبع رسالة سماوية أخرى (نصرانية أو غيرها) لم أجد لا هذا ولا ذاك ولكني وجدته يؤكد أنه مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر (المعيار القرآني الوحيد للارتداد) ووجدت أن ذنبه الوحيد أنه استعمل عقله وطرح بعض الأفكار والتساؤلات التي اعتبرها البعض تغريداً خارج السرب عند قوم قل عددهم أم كثر لا أكثر من الآباء يين الذين رضوا بأن يأخذوا ما وجدوا عليه آبائهم من المسلمات التي يحرم مناقشتها ، (يعني يمكن أن نقول أن جريمته تسمى جريمة رأي) وهنا نطرح سؤال هل استعمال العقل جريمة ؟؟ أين حرية الرأي وحرية العقيدة والاعتقاد التي ندعيها ليل نهار؟ وأين الناس من هذه المسألة ولماذا السكوت من قبل الكل بدون استثناء فهل عملية محاكمة شخص بمثل هذه التهمة لا تهم أحداً وأين منظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية ؟ وأين المؤمنون بالله الذي يتلون كتاب الله ليل نهار !!!! لماذا هذا السبات العميق لن أضع هنا علامات سؤال بل علامات تعجب واستنكار. على ماذا يستند من قام بالإدعاء وعلى ماذا سيستند من سيقوم بالمحاكمة ؟ ثم ما هو تعريف الردة ومن وضعه ؟ وهل هو الكفر بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الأخر كما حدده الله سبحانه وتعالى أم هو شي أخر تم تحديده من قبل البشر؟ ومن له الحق في أن يتدخل بين العبد وربه ؟ ثم هل هذه التساؤلات لم يتم الإجابة عليها من قبل رب العالمين وتركت للناس أن يخوضوا ويلعبوا فيها كيفما يشاءون ؟ أي بمعنى أخر هل الله تركها دون إجابة وقمنا نحن بوضع حد لها من عندنا بالتحدي للإرادة الإلهية وتطاولا على الله ورسالته إلينا. لماذا لا نعود إلى كتاب الله ليحكم بيننا فيما نختلف ؟ ونُحكمه ونقبل بحكمه ؟ أم أن قول الله لم يعد حجة لنا وعلينا حتى لا نأخذ به. إنني لن أناقش ولن أدافع عن الأخ علي قاسم السعيدي فهو أجدر بأن يدافع عن نفسه ولكنني هنا أريد أن أوضح أننا يجب أن نعود إلى كتاب الله لننظر ما هي العقوبة التي كتبها الله على المرتد ؟ وهل هي القتل أو الإعدام كما يتصور البعض أم شيء أخر ؟. إنني ادعو إلى العودة في هذا الأمر إلى كتاب الله لا أقل ولا أكثر.ولنجسد في الواقع وفي الحياة مشيئته الله سبحانه وتعالى التي حباها عباده ؟ وإن المولى سبحانه وتعالى هو المقرر بذلك في الآية رقم 137 في سورة النساء :- { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا }إن تدبر هذه الآية حسب فهمي المتواضع هو أن الإنسان (ولا أظن أن رجلاً له عقلاً يعارض ذلك إلا إذا كان لا يعير كتاب الله حقه من التدبر والإتباع) كل إنسان حر ، وله مطلق الحرية في أن يؤمن إذا شاء ثم يكفر إذا شاء ، ثم يتراجع إذا شاء فيؤمن من جديد ثم يدوس كل ذلك إذا شاء فيكفر من جديد، بل ويصرّ ويزداد كفرا، وكل ذلك بكل حرية وبمطلق الحرية ، ولا يحق لأي مخلوق آخر مهما كان مساءلته أو الوقوف أمامه أو لومه أو الحكم عليه بل وتنفيذ الحكم فيه ، وحتى إن كان هذا المخلوق خاتم النبيين محمداً رسول الله ( عليه الصلاة والسلام ) فعلينا أن نؤمن ونعتقد ونطمئن إلى أنه ( عليه السلام ) هو أول من يأتمر ويلتزم بالآية رقم 137 في سورة النساء وبغيرها، بل وعلينا أن نعتقد ونطمئن بأن رسول الله الذي صلى الله عليه هو وملائكته ليس له من الأمر شيء وهو لن يخالف أوامر الله وهديه وتعاليمه عندما قال له : {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} آل عمران 128. {وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} لقمان23. {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} البقرة 256. { لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْوَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ...} البقرة 272 . { وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ ءَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}. آل عمران رقم 20. { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} آل عمران 90. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} المائدة 105. { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ}. الأنعام 66. {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} الأنعام 104 . { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} الأنعام 107. { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} يونس 99. { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} يونس رقم 108. { وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} الرعد 40. { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}النحل 82. { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} الكهف 29. { وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} النمل 92 . { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} الغاشية 21-22. { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} الشورى 48. {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} ق. 45 . { إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} الزمر 41 . { إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ}محمد 25. ولأن أي فهم آخر أو اجتهاد مغاير أو محاولة ليّ عنق أية آية للخروج بفهم مغاير ، إن ذلك سيكون حتما السبب الرئيسي في الوقوف أمام مشيئة الله سبحانه وتعالى التي تفسح المجال للعبد ليتقلب كما يحلو له بين إيمان وكفر وإيمان وكفر وإصرارا في الكفر وانغماسا فيه . وإذا تمعن المرء في هذه الآيات البينات وهذه التعليمات والأوامر الموجهة إلى سيدنا محمد رسول الله ( عليه الصلاة والسلام) فليس من العسير عليه التصور أنه أي -رسول الله -لو كان موجودا معنا سوف لن يتصرف إلا في إطار الآيات القرآنية المذكورة وغيرها . والواجب علينا هو أن نعتقد ونطمئن وبلا أدنى شك أن رسول الله يأتمر بأوامر الله وهديه ، والسؤال هو : هل تكون لنا نحن، القوة الإيمانية الكافية في تجسيد الآية رقم : 21- في سورة الأحزاب –ميدانيا - الآية التي يقول لنا الله فيها : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}. هل نحن مستعدون حقا لاتخاذالرسول أسوة حسنة لنا في فهمه وآرائه ومواقفه وتصرفاته أمام هذه الآيات وغيرها ؟ أرجوا من الله أن نكون كذلك. والله الموفق.