حذر مشاركون في المؤتمر الوطني لإدارة وتنمية الموارد المائية في اليمن الذي اختتم أعماله اليوم بصنعاء من كارثة مائية محققة في ظل الدور الحكومي الغائب لمواجهة المشكلة. وشكك وزير الزراعة والري الأسبق ناصر العولقي في جدية الحكومة بحل معضلة المياه، واستشهد بعدد كبير من النافذين الذين يخرقون القانون ويحفرون آبارا عشوائية دون ترخيص من الهيئة العامة للموارد المائية. واعتبر أن عدم وجود اتفاق بشأن موضوع القات الذي يستهلك 80% من المياه العذبة دليل على غياب الجدية بهذا الخصوص. وهاجم العولقي الحكومة قائلا للجزيرة نت إنها لم تدرك أهمية خطورة المياه إلا منذ سنوات قليلة، حينما أصدرت قانون إنشاء الهيئة العامة للموارد المائية في العام 2002 للإشراف على تنظيم وإدارة الموارد المائية. ويرى أنه رغم إقرار المرحلة الأولى من إستراتيجية المياه الممتدة في الفترة من 2005 إلى 2009 وبدء المرحلة الثانية في العام 2010، فإن غياب القرار السياسي الواضح يجعل المشكلة شديدة التعقيد. مؤشرات مرعبة وفي دراسته حذر الباحث في جيولوجيا المياه بجامعة برلين الحرة بألمانيا أحمد العامري من نضوب وشيك للمياه في معظم الأحواض الجوفية، وأكد أن عددا من الآبار في حوض صنعاء جفت تماما. واستدلت الدراسة بكمية الضخ في حوض صنعاء الذي يصل إلى 270 مليون متر مكعب مقابل 50 مليون متر مكعب لتغذية الحوض من مياه الأمطار. وقال العامري للجزيرة نت إن هذا النزيف قد أدى إلى نقص منسوب المياه سنويا إلى 6 و12 مترا من منطقة إلى أخرى. وحسب الدراسة فإن الحفر في سبعينيات القرن الماضي كان يتم على عمق 30 مترا وحاليا وصل إلى 1200 متر نتيجة الكثافة السكانية للعاصمة صنعاء إلى جانب ازدياد الأراضي المزروعة بالقات التي تلتهم نسبة كبيرة من المياه. وعاب العامري الحلول المقدمة من الحكومة، ووصفها بالمؤقتة، إذ تقترح تغذية صنعاء بالمياه من سد مأرب أو تحلية مياه البحر الأحمر. وفي رأيه فإن مشكلة ضخ الماء من الحديدة إلى صنعاء وعلى ارتفاع 2300 متر عن سطح البحر سيرفع سعر اللتر الواحد إلى 7 دولارات فضلا عن كلفة التحلية الباهظة. فقر مائي من جهته دعا المدير التنفيذي لمركز سبأ للدراسات الإستراتيجية أحمد سيف في مداخلته إلى التحرك السريع قبل استفحال الأمر ودخول اليمن في دوامة الفقر المائي بسبب النمو المتسارع للمدن الكبيرة الذي يتراوح بين 7% و10%. ووفقا للدراسة فإن متوسط نصيب الفرد في اليمن من المياه يقترب من 2% مقارنة بالمعدل العالمي 14% والمعدل الإقليمي الذي يصل إلى حوالي 120 مترا مكعبا سنويا، في حين يقدر متوسط نصيب الفرد عالميا ب7500 متر مكعب سنويا وعربيا ب850 مترا مكعبا سنويا. وكان المشاركون في المؤتمر قد أوصوا بضرورة اتخاذ إجراءات صارمة لوقف حفر الآبار العشوائية، وفي حالة تعذر ذلك فإنه يجب الاستعانة بالمجالس المحلية وقوات الأمن ورئيس الجمهورية. كما دعا المؤتمر إلى إنشاء مؤسسة وطنية لحفر الآبار لتكون المسؤولة الوحيدة عن إصدار تراخيص الحفر واستيراد الحفارات باعتبار المياه ثروة سيادية. لكن وزير الزراعة الأسبق ناصر العولقي استبعد تطبيق هذه التوصيات، وأوضح أنه في حال تباطؤ مؤسسات المجتمع السياسي والمدني فإن قضية المياه ستظل ذات تأثير سلبي على سكان المناطق الجبلية من صعدة شمالا إلى تعز جنوبا حيث يتركز غالبية السكان. الرأي الرسمي في مقابل ذلك أكد رئيس مجلس الوزراء علي مجور في كلمته أمام المؤتمر -الذي شهد حضورا لافتا للخبراء العرب والأجانب- أن الحكومة تولي قطاع المياه أهمية خاصة من خلال التطوير التشريعي والمؤسسي الذي شهده هذا القطاع. واستشهد بإصدار قانون المياه وإعداد الإستراتيجية الوطنية للمياه دليلا على جدية الحكومة في إدراك مشكلة المياه. وقال مجور إن التوسع في مشاريع حصاد المياه وتشجيع المزارعين على استخدام أساليب الري الحديثة أسهم في الحد من استنزاف المياه وتقييد جموح الهجرة الداخلية. وأضاف أنه رغم تلك الإجراءات فإن نمو السكان في اليمن والاستهلاك غير الرشيد للمياه يضع اليمن على أعتاب موقف حرج لا يقبل التهاون، وأكد أن الحكومة ستقدم كل أوجه الدعم لوضع توصيات المؤتمر في حيز التطبيق. المصدر:الجزيرة