بالرغم من وقاحة قطع الشوارع ومضايقة حشود اليمنيين الذين اهتدوا لعظمة لحظتهم الوطنية الفارقة: توافد الأحرار في صنعاء الى ساحة التغيير ومنطقة الستين, فيما قدر عددهم بمليونين وأكثر, وذلك للاحتفال المعاند بذكرى وحدتهم رغم كل المهيمنات السلطوية, بحيث أنجزوا تلك اللحظات الجميلة للابتهاج الوحدوي النابع من الصميم النفسي والذهني للثوار ومناصريهم --فتحي أبو النصر لم يعش اليمنيون لحظة سعادة وطنية كالتي عاشوها أمس خلال احتفالاتهم الشعبية العارمة بذكرى الوحدة. لحظات جميلة تم إنجازها للابتهاج الوحدوي النابع من الصميم النفسي والذهني للثوار ومناصريهم, أو لكأنها الذكرى الأولى لهذا الحدث الأروع في حياة اليمنيين فعلاً, بعد أن أفسدت سلطة علي عبد الله صالح معانيه السامية بتحويله قيمة الوحدة الى مجرد ممارسات للنهب والإذلال والتنطع والدجل. أمس الأول كان يحتفل بالوحدة في مكان مغلق, حوش الأمن المركزي القريب جداً من مقره في منطقة السبعين, وعلى طريقته المعتادة بالكلام الآثم, والعرض العسكري, ظل يرى في فعل الثورة انقلاباً عسكريا وعمالة ومؤامرة, كما سمى ساحة التغيير بساحة التغرير, واصفاً الثوار بالمغرر بهم, وقال إنهم اعتصموا في ساحة تطل على مستشفى العلوم والتكنولوجيا وجامعة الإيمان, ملمحاً إلى جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية والفرقة الأولى مدرع اللتين تقعان في حيز الساحة أيضاً, مؤكداً في هذا السياق على أنه يتم استغلال الشباب من قوى تتبع الإصلاح أو قريبة منه, في اختزال سخيف ومراوغ يحاول ترسيخه لمكونات الثورة ومقاصدها, وصولا الى تساؤله: وإلا لماذا اعتصموا هناك تحديدا؟ الواضح تناسيه المتعمد أن بلاطجته والقائمين على إدارة الأزمات في نظامه هم من استولوا على ميدان التحرير مستبقين الثوار الذين كانوا يعتزمون الاعتصام هناك, كما تناسى أن الاعتصامات الثورية في 17 محافظة وليس بجانبها أي معالم تتبع تلك القوى, وبالتالي تعزز من استنتاجه العجيب الذي مللنا من لزوجة تكراره وفراغ المعنى في عز ثورة الشعب قرر أن يكون. قال أيضاً إن المبادرة الخليجية مبادرة انقلابيه بأجندة خارجية, مضيفاً أن الأشقاء والأصدقاء ينظرون للأقلية القليلة ويقولون سلم السلطة, فيما لا ينظرون لحشود الشعب الذي يجتمع من كل مكان في ساحة السبعين كل جمعة. وزاد أن المعتصمين الثوار يستلمون الفي ريال يومياً نظير وجودهم في الساحة, كما جدد حثه الشباب على تشكيل حزب وسيعترف به. طبعاً لا جديد في كلمته أمام المتبقين في نظامه المهلهل سوى تلك الاتهامات الجزافية المتوترة, واجترار نفس الموضوعات والمعاذير, محكوماً بسياقاته العدائية للمشترك وللشباب في آن, بل ومتنصلا ًمن أي التزامات. إنها قدرته الفظيعة فقط على عدم تجاوز الأخطاء, يفاقمها بهشاشة المنطق, إذ لطالما جير علي عبد الله صالح حدث الوحدة لصالحه, فهو يريد من الجميع أن يكونوا بوقاً لفقاعاته فقط, مباركين لطغيانه بعدم النقد. فخلافاً لوهمه الدؤوب في تضخيم إنجازاته البسيطة جداً على صعيد الوحدة في بداياتها, قيامه المتواصل بالتحجيم المتعمد للجنوبيين, وشن كل عقده وأمراضه عليهم خدمة لمصالحه الشخصية الضيقة وإنتاج الولاءات التي لا تتجاوزه, متكسباً على حساب كرامة وأحلام اليمنيين عموماً, ومعتمداً على وجوب تقديسه كفرد وحدوي أسطوري, وصولاً إلى الادعاء بتبنيه المشاريع الوحدوية العظيمة التي لا يأتي بها أحد غيره باعتباره القائد الرمز الضرورة، مع أنه ظل يتعامل مع الجنوب بثقافة الغنيمة التي يتقنها, وهو الذي وأد مشروع المواطنة عبر الإقصاء والمصادرة والترهيب بالتسلط والبطش, ما يظهر مقدار الازدواج والصفاقة في ممارساته التي تسببت في تشويه البنى الاجتماعية والانحراف بعيدا عن الوحدة بمفهومها الوطني الواسع والسليم. خلال الساعات الأولى من صباح الأحد تفاجأ سكان العاصمة بقطع البلاطجة وعساكر من الأمن والحرس لأغلب طرقاتها منعا لتدفق الجماهير المؤيدين للثورة من الوصول إلى ساحة التغيير للاحتفال بعيد الوحدة.. في الوقت الذي تم فيه منع القادمين من خارج العاصمة من الدخول إليها كذلك, ما أدى إلى جرح عشرات مواطنين في اشتباكات متفرقة ومقتل مواطن في منطقة المطار. تلك الحالة- من تراث السلطة المنهارة وتوجهاتها- استمرت حتى ساعات متأخرة من مساء أمس بحيث انتشر البلاطجة على نحو مستنفر في عموم الأحياء ترافقهم أرتال من الجنود في ما يشبه نية مواربة مفضوحة لارتكاب حماقات أخرى بحق الثوار وساحتهم مع إثارة القلق والتوقع في نفوس المواطنين. وبالرغم من وقاحة قطع الشوارع ومضايقة حشود اليمنيين الذين اهتدوا لعظمة لحظتهم الوطنية الفارقة توافد الأحرار في صنعاء إلى الساحة ومنطقة الستين منذ الصباح الباكر فيما قدر عددهم بمليونين وأكثر. كان المكان مزدحماً بالتحدي وضاجاً بالفرح كما لم يكن من قبل. كان فضاء أرحب, ورسالة عارمة للشراكة بين اليمنيين يصفه واحد من أوائل الثوار الزميل محمد المقبلي. لقد تم تقديم كلمات مؤثرة إضافة إلى كرنفالات ورقصات وزوامل وقصائد وأغان وأناشيد باللغتين العربية والانجليزية لاقت استحسان الحضور, كما أضفى المطر الخفيف جواً خاصاً من الألق بوجود الأطفال والنساء بالذات جوار قادة المعارضة وتكوينات المجتمع المدني وزعماء القبائل وممثليها. وإضافة للدهشة البصرية التي صنعتها أفواج الوفود المتزاحمة على غير العادة, ظهر احتفال الثوار بمستوى لائق بالحدث رغم بساطة إمكانياتهم من خلال الاستعراض المنظم والعرض العسكري الرمزي للجنود والضباط الذين انظموا للثورة. كان الكل يبتهج بضرورة تعميد الثورة بالوحدة, وشرعنه قضية الجنوب كما ينبغي, ما يعني الموت الرمزي لسلطة علي عبد الله صالح ونظامه الظالم المخادع المضلل المتآمر على المستقبل. هكذا تعاطى اليمنيون في العاصمة مع ذكرى وحدتهم بالاحتفال المعاند رغم كل المهيمنات السلطوية , فيما لم يدرك علي عبد الله صالح أبدا أنهم قد قرروا مواجهة أكاذيبه بنضج حسهم الوطني-حسب قول المهندس الدكتور أدهم باكرمان. ومن ناحيته قال الناشط الحقوقي بكيل عفيف إنه مشوار الثورة الذي سينتصر رغم كل الصبر والتعب, معتبراً أن مداومة علي عبد الله صالح على ذات الألعاب التي لم تعد تجدي سوف تنال منه قريباً, بل وقريباً سيصل إلى أن يكون بلا أدنى حشود يحييها- حد وصفه بحرية, ومن ناحيته قال أبو المجد عقيل, وهو أحدى شباب الثورة, إن كل الفرص التي استفاد منها علي عبد الله صالح طيلة 33 عاماً, بدأت تنقلب ضده تماماً, مشيرا إلى أنه زمن نهاية الجمهوريات الوراثية شاء أم أبى. يمثل احتفال اليمنيين بذكرى وحدتهم على ذلك النحو الخلاب, تعبيرا حقيقيا عن القدرة الحليمة التغييرية التي صنعتها روح الثورة في حياتهم كمقهورين ظهروا أسياد وطنيتهم فعلا, أي ضد الصنف المزيف من الوحدة, والتراجع القيمي, كما ضد لعبة الفساد والاستبداد وسلطة العائلة الحاكمة ومرتزقتها. والمقصد أنها إرادة العيش الحر –الصدمة التي صعقت علي عبد الله صالح- أثبتها هؤلاء بالتعبير الملموس للفكرة الوطنية المشبعة بالكرامة, فكرة الهوية الوطنية الواحدة عبر احتفال تأملي مؤثر ومتأثر بقيمة الوحدة كاحتفالهم الشعبي الثوري التلقائي غير المزيف هذا, وكمجال فعلي نشط ومعبر عن مضمون ثورتهم الأصيلة الجامعة, الحدث الأكثر جرأة ونبلا وشغفاً في تاريخ الإنسان اليمني المعاصر. بمقابل ذلك بدا الثوار في غاية الزخم الوطني وحدوياً مع توالي الأنباء بذكرى هذا اليوم المجيد, إذ بسبب ما تعتبره السلطة من أن الحوثيين ملكيون لا علاقة لهم بمبادئ الجمهورية أو الوحدة إلا أنهم استطاعوا فضح ادعاءات هذه السلطة السيئة التي صارت تشكل خطرا على جميع اليمنيين. وقدرت المعلومات القادمة من صعده عدد الذين شاركوا في الاحتفالات الإحيائية بذكرى 22 مايو, قرابة نصف مليون رفعوا الأعلام الوحدوية,وحيوا الثورة ونضالات الحراك السلمي الجنوبي وشهداءه ونشطاءه المعتقلين باعتبارهم أصحاب قضية عادلة ومظالم مشهودة. الراجح أن علي عبد الله صالح ظل يصارع اليمنيين طيلة حكمه من أجل إجهاضهم عن تحقيق الحالة الوطنية المثالية أو التأثير سلباً في علاقة كل المكونات الوطنية في ما بينها. لهذا كله يلح علينا فعل الثورة الآن إلى تثوير ولائنا بالمواطنة المتساوية. وبالتأكيد لن يقبل اليمنيون بعد اليوم تسويغ الاضطهاد السلطوي شمالاً أو جنوباً أو بحسب مبدأ حقوقهم الطبيعية في الدولة وما تقتضيه الثورة أصلا من إعادة بناء أنفسنا على نحو وحدوي أنجع سيظل لاصقا بالوعي الجمعي الناهض والخلاق. أما بتعبير الثائرة خوله الشامي, فقد ظل علي عبد الله صالح يصمم على إثارة النعرات والتمييز, وتعميق الشرخ بين أفراد المجتمع, إضافة إلى زيارة المواقف الوحدوية تأزيما, وبصورة مستهجنة مضادة لكل ما هو وطني، مقدما مفاهيمه المغلوطة التي قادت اليمن طوال عقود إلى ذروة الأزمات، وبواعثه الذاتية على المصلحة الوطنية والأخلاقية العليا. نقلا عن صحيفة النداء