وأخيراً عرفنا المرض النفسي البداية كانت مع ( يوسف ) 43سنة حيث قال: في بداية حياتي عندما كانت ظروفي جيدة لم أكن أعاني من أي مشاكل بل كنت لا أعترف بوجود شيء أسمه المرض النفسي وكنت أظن أن العلاج في العيادات النفسية مجرد ضحك على الذقون وكل من يقول لي أنه مريض نفسيا أحاول إفهامه أنه مسحور لكن بعد أن ساء الحال، وشعرت بالعوز والحاجة وبدأت أعجز عن تحقيق كثير من المتطلبات الحياتية لي ولأسرتي أصبت بالقلق والاكتئاب في البداية حاولت أن أتماسك وأن أجد حلا لكن دون فائدة وعندما لم أحتمل ذهبت للعيادة النفسية بعد أن حاولت زوجتي معي لكونها لم تعد قادرة على تحمل حالتي وحقيقة لم أعرف معنى العذاب إلا عندما مررت بهذه التجربة وللعلم فالمرض النفسي متعب ومؤلم وهو أصعب بكثير من المرض الجسدي ومن ينكر أن الحالة النفسية واستقرارها مرتبط بالوضع الاقتصادي عليه أن يقارن بين حالته حين يأخذ مرتبه وحالته عند منتصف الشهر حيث يبدأ التوتر والقلق والاكتئاب. ما فيش يمني صاحي أما (صالح محمد ) فقال : بدون مقدمات معروف أن الفقر يجلب المرض النفسي والشيخوخة المبكرة والموت البطيء وأعتقد أنه لا يوجد أحد في اليمن ألا وهو مريض نفسيا لأن الفقر تقريبا دخل كل بيت وأصاب كل شخص , وإذا كانت هناك إحصائيات عن المرضى النفسين في اليمن فهذه الإحصائيات لا تتعلق إلا بمن زار العيادات والمستشفيات النفسية فقط والعدد الحقيقي هو عدد الفقراء فأنا شخصيا أعتبر نفسي مريضاً نفسيا لكنني لم أذهب إلى عيادة أو مستشفي للعلاج لكوني متأكد أن بلع الحبوب لن يقدم لي شيئاً طالما السبب موجود وهذا هو الجواب لمن يسأل لماذا لا يشفى المرضي؟ أعرف أشخاصاً كثر تعالجون منذ عشرة سنوات وبعضهم أكثر لكن وضعهم النفسي كما هو أن لم نقل إزداد سوءً ومعروف عن المرض النفسي أنه لا يزول إلا بزوال العوامل المسببة له . الإنشغال بتوفير لقمة العيش الشاعرة (منى الحجري) قالت: إذا نظرنا للأسر الفقيرة في مجتمعنا فسنلاحظ بأنها تعاني من التفكك الأسري وضعف الروابط الاجتماعية .. الأب منشغل بتوفير لقمة العيش ولا يعطي الأبناء ما يستحقون من الحب والحنان مما يجعلهم يشعرون بأنهم غير محبوبين وغير مرغوب بهم , ومن هنا يبدأ خيط المرض النفسي فهو عبارة عن تراكمات إذ أنه ليس صدمة واحدة أو شعور مؤقت أو معاناة ساعة.. والأب الذي يعاني من مرض نفسي يخلق لأبنائه الكثير من العقد وهناك كثير من الأمراض النفسية والعصبية تنتقل بالوراثة وبسبب الفقر وغلاء سعر الدواء كثيرا ما يترك ألمرضى بدون علاج الأمر الذي يجعل وضعهم يتفاقم والأب إذا كانت هذه حالته حتما سيمارس العنف ضد أبنائه وزوجته وبالتالي أسرة بهذه التركيبة هي بالتأكيد بيئة غير صحية وباختصار هناك علاقة وثيقة بين الحرمان العاطفي والمادي والانحراف بصوره المختلفة فالفقر مشكلة تجر وراءها طابوراً من المشكلات الخطيرة ليس أقلها مثل المرض النفسي والانتحار . تعودنا على المرض وقالت ( أم مازن ) 29سنة : زوجي لا يعترف أنه مريض نفسي بينما هو بالفعل ومنذ سنوات يعاني من حالة اكتئاب بسبب الوضع الاقتصادي فمزاجه دائما سيئ وحياتنا باردة وجافة فقد أنتشر الشعر الأبيض في رأسه وشاربه وأصبح يرى أكبر من عمره بعقد والمثير أن كثيرات ممن أعرف أيضاً يؤكدن لي أن أزواجهن مرضى نفسين فالمرض النفسي أصبح منتشراً وبشكل ملفت للنظر بسبب الوضع الاقتصادي المنهار الذي حرم الناس من الاستمتاع بالحياة فالكل جالس يفكر والكل أصبح همه بطنه وبطن من يعول حتى الزيارات بين الأهل والمعارف انتهت خصوصا في هذه الأيام التي أصبحت الدبة الديزل بخمسة آلاف ريال، بصراحة نحن نعيش في بيئة كل شيء فيها يجعلك عرضة للمرض النفسي ولهذا لم يعد الأمر غريباً أو نادر الحدوث بل على العكس هو شيء طبيعي ومألوف عندنا. الرجال أكثر من النساء (خالد عمر) قال : أصدقائي معظمهم مرضى أخي مثلاً مريض زوج أختي وزملاء لي في العمل وكذا جاري أينما ذهبت يوجد مريض نفسي حتى إمام الجامع مريض نفسي واتحدى أي شخص يقول أنه لا يعرف على الأقل خمسة مرضى نفسين وهم متزوجون ويعملون ولديهم أبناء وتوكل إليهم الكثير من المهام في العمل وفيهم مبدعون وعباقرة والمشكلة ليست فيهم وإنما في البيئة المهينة والجالبة للمرض وأعتقد أن الرجال أكثر من النساء عرضة للمرض لأن الضغوط على الرجال أكثر فتربية الولد من وجهة النظر اليمنية تنص على أن يعامل بقسوة, وبشكل عام مع وجود صعوبة في بناء المستقبل وتأخر الحصول على فرصة عمل من الطبيعي جدا أن يصاب الشاب بالمرض النفسي لذلك معظم المرضي هم من الشباب. الأغنياء أكثر عرضة أما ( عفاف ) طالبة جامعية فقالت: الفقر وحده لا يمكن أن يكون سببا في الإصابة بالمرض النفسي لأن هناك أثرياء مصابون بكثير من الأمراض النفسية المعقدة وحتى العقلية فالإنسان سواء كان فقير أم غني عرضة للمرض , بل على العكس تماما فمن وجهة نظري الشخصية أعتقد أن الأغنياء هم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية لإن من يمتلك كل شيء لا يشعر في الغالب بقيمة الأشياء التي يمتلكها . مصنع لإنتاج العقد أما (فؤاد عبد الله) فقال: تستهويني القراءة عبر الانترنت ودائما ما أقرأ عن أسباب المشاكل التي تدفع الشباب إلى (المخدرات ,المثلية, العنف, الانحراف الأخلاقي , الانتحار) ودائما أجد الفقر من أهم الأسباب وكما قيل (العقل السليم في الجسم السليم) فالفقير الذي لا يستطيع أن يتناول الطعام الجيد لابد أن يتعرض للمرض وبلادنا بيئة خصبة لتوالد وتكاثر الأميين حيث أثبتت الإحصائيات أن نسبة الأمية ترتفع عند الفقراء فالأب يحرص على أن يعمل أبناءه وبشكل غير مباشر يشجعهم على ترك المدرسة من خلال زرع الإحباط في نفوسهم فيبدأ بتلقينهم أن العلم لم يعد جالبا للوظيفة وأن أخرته الجلوس على رصيف البطالة (وصنعة في اليد خير من شهادة على الحائط) وهكذا حتى يأتي قرار ترك المدرسة من الطفل نفسه، ثم تأتي بعد ذلك المباركة سريعة من الأب ومن هنا تولد عمالة الأطفال التي قد تقود الطفل إلى الانحراف والجريمة بعد أن يتعرض الطفل للكثير من المواقف السلبية التي تؤدي بدورها إلى حدوث مشاكل وأزمات نفسية غير معلنة ولهذا فإن ما ينطبق على المعدة ينطبق على الفقر فإذا كانت المعدة بيت الداء فإن الفقر مصنع لإنتاج المشاكل والعقد والأزمات النفسية. الاستعداد النفسي وقال ( ماجد ) 24سنة : الفقر على أي حال لا يمكن اعتباره عيبا ولا سببا مباشرا للمرض النفسي أو الانحراف فكل شيء يعود لشخصية الإنسان وما يحمل من أفكار ومعتقدات وأعتقد أن الطريقة التي يفكر بها الشخص هي السبب في تعرضه للمرض النفسي أو حتى العقلي ومن ناحية أخري هناك فئة معينة من الناس يكون لديها الاستعداد النفسي المسبق للمرض بغض النظر عن الفقر أو الغنى . رأي علم الاجتماع أكدت لنا الطبيبة والباحثة الاجتماعية /مني الكوكباني أخصائية بمستشفي دار السلام.. الشاب الفقير العاطل أكثر عرضه للاضطرابات النفسية فهو في مرحلة حماس وطاقات هائلة ولا يجد فرصة عمل يستثمر فيها طاقاته المتدفقة فيسعى تحت تأثير الملل واليأس والحزن إلى شغل وقته بالنوم ساعات طويلة مما قد يؤدي إلى إصابته بالاكتئاب والتوتر والقلق والاضطرابات النفسية واليأس والإحباط وأمثال هؤلاء الشباب تكون لديهم الرغبة في الانتقام من المجتمع ، حيث يعتقدون بأنه قصر في حقهم ومن هذا المنطلق تتوالد لديهم أفكار عدوانية ضده . وبالنسبة للمرضي الذين نستقبلهم عندنا في الدار فإن نسبة كبيرة منهم من أسر فقيرة.