انتهت إجازة عيد الأضحى، فاستمرت الدراسة في تلك المباني، ولم يوقفها استياء الكثير من الطلاب من ذلك الإجراء، وانقطاعهم عن الدراسة، أو إضراب عشرات المدرسين، فرئيس الجامعة خالد طميم أعلن مؤخراً أن نسبة الإقبال تتجاوز ال95%، وهو أمر لا يوجد ما يؤكده أو يشير إليه. واتهم الدكتور جميل عون عضو الهيئة الإدارية لنقابة أعضاء هيئة التدريس بجامعتين صنعاء و عمران ، رئيس جامعة صنعاء خالد طميم، بأنه من أوقف التدريس في الجامعة بقرار من مجلس الجامعة عقب انطلاق ثورة الشباب، مؤكداً أن نقابة أعضاء هيئة التدريس بجامعتي صنعاء و عمران، مع استئناف الدراسة في الحرم الجامعي (جامعة صنعاء)، وأن ما يحصل الآن من دعوة إلى التدريس في أماكن أخرى غير أمنة وغير مهيئة تعليمياً. وعزا عون تلك الإجراءات التي قامت بها رئاسة الجامعة إلى بعدين أولهما سياسي حيث يبين للخارج اهتمام بقايا النظام بالتعليم، وبعد أخر أمنيٍ يهدفون إلى اعتقال شباب من الناشطين في الثورة السلمية وكذلك من الأساتذة، بحسب ما ذكره لإحدى الصحف الإليكترونية، بيد أن هناك أمر ثالث في الأمر يتعلق بمكاسب مادية للقائمين على الجامعة ومنفذي إجراءات نقل الدراسة فيها إلى مبانٍ خارجية. فقد علم "يمنات" أن وزارة التعليم العالي خصصت ملياري ريال إضافية للميزانية التشغيلية للجامعة لتغطية نفقات نقل الدراسة إلى تلك المباني، وهو الأمر الذي دفع بالعديد من المسؤولين في الجامعة إلى الإسراع بالإجراءات الخاصة بذلك، وابتكار بنود لصرف مبالغ كبيرة. وبحسب تلك المعلومات فإن المبالغ تُصرف في أمور وإجراءات شكلية في إجراءات غير قانونية، ولمتطلبات غير منطقية. وأعلنت جامعة صنعاء أنها ستبدأ "خلال الأيام المقبلة" إخلاء الحرم الجامعي "بشكل كامل" من قوات الفرقة الأولى مدرع. وذكر خالد طميم أن ممثلين عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ورئاسة الجامعة، ونقابة أعضاء هيئة التدريس واتحاد طلاب اليمن بالجامعة، سيلتقون بالأطراف المعنية لمناقشة إخلاء الحرم الجامعي بشكل كامل من جنود الفرقة الأولى مدرع مع معداتهم وآلياتهم العسكرية تمهيداً لعودة الدراسة في الجامعة. قبل أعوام كانت الفعاليات الطلابية والحزبية والمدنية تستنكر عسكرة جامعة صنعاء من قبل رئيسها خالد طميم، حينها كان مفهوم عسكرة الجامعة يعني استخدام قوات من الأمن والجيش لحراستها، ومراقبة تصرفات الطلاب فيها، وتدخلهم في شؤونها الإدارية، بل والأكاديمية، ونوقشت هذه القضية كثيراً، وأصدرت العديد من المنظمات بيانات إدانة لها. بيد أن الجامعة نفسها اليوم تشهد عسكرة من نوع آخر، يستخدم أحد القادة العسكريين في نظام علي عبد الله صالح الجامعة كمعسكر لتجميع قواته وآلياته العسكرية، استعداداً لمواجهة صالح نفسه، فاللواء على محسن الأحمر قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية، والفرقة الأولى مدرع، والذي أعلن انشقاقه عن النظام الحاكم، وتأييد الثورة الشبابية التي اتخذت من الشوارع المحيطة بمقر الجامعة ساحة اعتصام لها، نقل الكثير من آلياته ومعداته وقواته إلى مباني الجامعة وملحقاتها، فيما يبدو أنه اتخاذ الجامعة ومبانيها درعاً لمنع استهداف قواته وآلياته من قبل قوات الحرس الجمهوري التي تسيطر على مواقع يمكن منها استهداف تلك القوات بسهولة. وغطت عددٌ من وسائل الإعلام التابعة للتجمع اليمني للإصلاح (أكبر فصائل اللقاء المشترك المعارض) وقفات احتجاجية عديدة لطلاب وطالبات جامعة صنعاء قبيل إجازة عيد الأضحى تعبيراً عن رفضهم قيام إدارة جامعة صنعاء بتخصيص مباني متفرقة في العاصمة صنعاء وخارجها كأماكن لسير العملية التعليمية. هذه الوسائل الإعلامية ذاتها تعاملت مع منع اللجان الأمنية التابعة للحزب نفسه لطلاب وطالبات جامعة صنعاء من الوصول إلى الجامعة بطريقة مختلفة، إذ أظهرت الأمر وكأن طلاب جامعة صنعاء الذين ذكرت السبت أنهم نفذوا الوقفة الاحتجاجية المذكورة، رفضوا استئناف الدراسة الجامعية يوم السبت ال17 من سبتمبر الماضي حتى يسقط النظام، لكن الصورة التي تظهر فيها الطالبة الجامعية سالفة الذكر تكشف أن الخبر الذي تناقلته هذه الوسائل غير دقيق أيضاً، ويكشف عن تناقض واضح، فالوقفة التي نفذها مجموعة من الطلاب لم تكن ترفض تخصيص مبانٍ أخرى لسير العملية التعليمية في الجامعة، بل ترفض سير العملية التعليمية نفسها، لكن أعداد المشاركين فيها لم تكن كافية للقول بأن طلاب وطالبات جامعة صنعاء هم من نفذوا تلك الوقفة، فعلى الجهة المقابلة ثمة طلاب بدأوا الالتزام بالدراسة في تلك المباني، برغم إضراب هيئة التدريس في الجامعة، حيث ثمة أعضاء في تلك الهيئة استأنفوا التدريس، حتى أن بعض الكليات أعلنت عن بدء امتحانات نصف الفصل الدراسي بعد أيام من بدئه، وبرغم ذلك فعدد الطلاب الملتزمين بالدراسة في المباني الجديدة ليس كبيراً. وكان الدكتور محمد عبد الملك المتوكل المدرس بجامعة صنعاء أعلن في مقال نشرته صحيفة "الأولى" قبيل إجازة عيد الأضحى، وقبيل إصابته في حادث مروري عزمه على تدريس طلابه حيثما كانوا، مستغرباً من استخدام التعليم كورقة ضغط سياسي. ورأى المتوكل، وهو أمين عام حزب "اتحاد القوى الشعبية" الذي ينتمي لتحالف اللقاء المشترك المعارض، والمشارك بفعالية في الثورة المطالبة برحيل النظام، رأى أن نقل الدراسة من مباني جامعة صنعاء إلى مبانٍ أخرى بعيدة يصب في خانة النظام الذي سيستفيد من خروج الطلاب من ساحة الاعتصام. واستخدم النظام رغبات غالبية الطلاب في مواصلة الدراسة لصالحه فأنزل عدداً من قيادات الحزب الحاكم لإدارة المظاهرات المطالبة باستئناف الدراسة، إلا أن غالبية الطلاب المطالبين باستئناف الدراسة كانوا من شباب الساحات، وبينهم من ينتمي لتجمع الإصلاح، ويحاول النظام تحقيق انتصارات ولو كانت جزئية ضد خصومه، وذلك من خلال استئناف الدراسة برغم سيطرة الفرقة الأولى مدرع ومجاميع حزب الإصلاح على جامعة صنعاء، في مقابل سعي الإصلاح والفرقة الأولى مدرع تحقيق انتصار من جهتهما كوسيلة ضغط أخرى على النظام. وهدد وزير التعليم العالي والبحث العلمي في الحكومة المقالة صالح باصرة في سبتمبر الماضي بإغلاق جامعة العلوم والتكنولوجيا والجامعة اليمنية وجامعة الإيمان التي يملكها قيادات إصلاحية من خصوم النظام قصف الجامعة مرات كثيرة تلك التي استهدفت فيها قوات الحرس الجمهوري مقر الفرقة الأولى مدرع، لكن مقر جامعة صنعاء لم ينجُ بدوره من الاستهداف، فقد سقطت عشرات القذائف داخل حوش الجامعة، وانفجرت قذائف المدفعية المضادة للطيران فوق سماء الجامعة في أكثر من مناسبة، إلا أن مباني الجامعة نفسها لم تتضرر. وبات سكان شارع الرباط المجاور للجامعة ينتظرون اللحظة التي يقرر فيها الحرس الجمهوري استهداف الجامعة بالفعل، ويستعدون للنزوح من المكان إذا ما انفجرت حرب حقيقية بين الطرفين، فكما يقول أحد السكان الذين تجاور منازلهم سور الجامعة: " لا أعتقد أن علي عبد الله صالح سيخشى على الجامعة من الدمار ساعة الحسم، فمن يقتل شعبه مستعد لتدمير كل مصالح هذا الشعب". لا يبدو أن الحرس الجمهوري سيتردد في استهداف جامعة صنعاء في أية لحظة، يؤكد محمد الشهالي ل"يمنات" أنه شاهد بعينيه أكثر من مرة قذائف تسقط في أماكن خالية من حوش الجامعة، وأن انفجاراتها كانت عنيفة لدرجة اهتزت معها جدران منزله، ولم يعد يشعر بالأمان على نفسه وأسرته التي تسكن الطابق الثالث من بناية مكونة من خمسة طوابق، لكن ما يجعله يشعر ببعض الطمأنينة أن الشقة التي يقطنها تقع في الجهة المقابلة للجامعة تماماً، وهو ما يجعل إصابتها بقذائف مباشرة من معسكرات الحرس الجمهوري في عصر أمراً مستبعداً، لكن ذلك لا يكفي للشعور بالأمان. بالمقابل يشكو جار الشهالي ويسكن في الطابق الأخير من ذات العمارة من الخوف الذي يصيب أطفاله جراء الانفجارات التي حدثت داخل حوش الجامعة، وفي سمائها، ويقول إن طفلته الرضيعة تبدأ بالبكاء ساعة سماعها الانفجارات، وتلجأ إلى ضرب أذنها لمنع صوت الانفجار من الوصول إليها. ويقول محمد الشرعبي، وهو يسكن الطابق الرابع من نفس العمارة إنه شاهد عدداً من الآليات المدرعة تتنقل في حوش الجامعة بينها دبابات ومدرعات وسيارات محملة بمدافع رشاشة، وإنه يحاول تجنيب أطفاله رؤية تلك الأسلحة حتى لا تثير فيهم أي مشاعر، إلا أن أطفاله يحدثونه عن تلك الآليات، ويسألونه عن تسمياتها وكيفية عملها والهدف منها، وأنهم يستمتعون بمشاهدتها. ويضيف: "عند حدوث انفجارات داخل حوش الجامعة تكون الأصوات قوية لدرجة أنهم -يقصد أطفاله- يشعرون بالخوف ويلجئون إلى الاختباء، لكن انفجار قذائف مضادات الطيران في سماء الجامعة يثير سعادتهم، حيث يعتقدون أنها العاب نارية". وبرغم أن شارع الرباط والحارات المجاورة له لم تشهد أعمال عنف أو اشتباكات مسلحة بين الأطراف المتصارعة، باستثناء بعض عمليات القنص التي استهدفت المتظاهرين ورواد ساحة التغيير؛ إلا أن الأهالي هناك يبدون خوفهم من استهداف الحرس الجمهوري لقوات الفرقة الأولى مدرع المتواجدة في الحرم الجامعي، حيث لا أحد يضمن دقة الضربات المدفعية والصاروخية، وعدم سقوطها فوق منازل الأحياء السكنية برغم المساحة التي تحظى بها جامعة صنعاء. فعدنان الشرعبي أَّكد أنه استيقظ من نومه أكثر من مرة من نومه على دوي انفجارات قريبة، وعند خروجه إلى سطح المنزل يكتشف أنها في حوش جامعة صنعاء. ويسمع الشرعبي أصوات القذائف وهي تصفِّر خلال مرورها في الهواء فوق المنزل الذي يسكنه، ويقول: "كلما استيقظت على دوي الانفجارات أسمع صفير بعض القذائف التي تمرق فوقي مباشرة، حتى أني أخاف أن تظل أحدها الطريق وتسقط فوقنا". ونفذ أعضاء هيئة التدريس بجامعتي صنعاءوعمران وقفات احتجاجية عديدة للمطالبة بإعادة العملية التعليمية إلى داخل أسوار الجامعة وتوفير الأجواء المناسبة لهم وللطلاب، منددين بإيقاف مرتباتهم وجميع المستحقات المخصصة لهم على خلفية الإعلان عن الإضراب المستمر تضامناً مع الطلاب الذي سقطوا خلال الاحتجاجات التي شهدتها اليمن خلال ال 9 الأشهر، والاحتجاج على عدم تجاوب الجهات المعنية بتلبية طلباتهم خلال الأعوام السابقة .