أثارت قضية الفتاة براءة من مدينة قلقيلية في الضفة الغربية حفيظة المجتمع والرأي العام الفلسطيني جراء قيام والدها باحتجازها تسعة أعوام في حمام المنزل بعد انفصال الأب والأم. وكانت القضية اكتشفت حين توجهت عمة الفتاة للشرطة بعد قلقها المتزايد على مصير ابنة اخيها حيث تحركت الشرطة على الفور وبرفقتها ممثلين عن وزارة الشؤون الاجتماعية وتم تحرير الفتاة بعد تفتيش المنزل. وقال نائب مدير مركز المدينة في شرطة قلقيلية الرائد معاذ جبر في اتصال هاتفي مع "إيلاف": "إن الشرطة تحركت على الفور بعد حصولها على هذا البلاغ وفتشت المنزل وعثرت على الفتاة داخل الحمام". وأضاف: "أن الشرطة أخرجت الفتاة من حجزها وتوجهت بها إلى مديرية الشرطة ووفرت لها ملابس وغذاء بحضور ممثلة عن مديرية الشؤون الاجتماعية، مؤكدا أنه تم القبض على والدها بعد مقاومته رجال الشرطة وعرقلة عملهم". وأكد الرائد جبر، الذي شارك في تخليص الفتاة من حجزها، أن الشرطة لاحظت وجود إحكام شديد لباب الحمام ورفض الوالد فتحه في البداية متذرعا بأن الأمر طبيعيا. وقال: "إنه حين أطلقت الفتاة نداء استغاثة من داخل الحمام قمنا بفتحه وإخراجها من سجنها الذي لم تتوفر داخله سوى بطانية ووسادة"، مضيفا: "أن شعور الفتاة كان غريبا ومختلطا ولم تكن مصدقة لما يدور حولها". وحول الأسباب التي دفعت بالأب لاحتجاز فتاة تسعة سنوات متواصلة منذ كان عمرها أحد عشر عاما، أوضح نائب مدير مركز شرطة مدينة قلقيلية أن الأب والأم مطلقان منذ تسعة أعوام وكانت هناك مشاكل عائلية انعكست سلبا على طبيعة العلاقة على الأطفال وخاصة على الطفلة. وبخصوص وضع الفتاة الصحي حين إخراجها، أكد أن الفتاة عند تحريرها تم نقلها إلى شرطة مركز المدينة ومن ثم إلى مركز الخدمات الطبية وكان وضعها الصحي جيد. وعن العقاب القانوني بالنبسة للأب، أشار الرائد جبر، إلى أن الفتاة تقدمت بشكوى رسمية ضد والدها وتم تحويل القضية من طرفهم لجهات الاختصاص للمتابعة، في حين من المحتمل أن يواجه الأب الذي جرى تسليمه للجانب الإسرائيلي لكونه يحمل هوية إسرائيلية عقوبة لممارسته احتجاز الحرية والتعذيب لابنته. براءة تنجو من العذاب إلى ذلك، أكدت والدة الفتاة في اتصال هاتفي مع "إيلاف" أن ابنتها براءة بعثت إلى الحياة من جديد بعد أن نجت من التعذيب. وأوضحت أنها لم تكن على علم بما كان يجري معها طوال المدة الماضية في الحمام، رغم أنها كانت تلتقي بها، وقالت الوالدة بحرقة وألم: "التقيتها مرارا وتكرارا ولكنها لم تكن تتحدث ولم تتطرق للموضوع إطلاقا ولكنني أذكر أن نظراتها كانت غريبة والآن أدركت سبب غرابتها". وأضافت: "لقد أدركت مدى ذلك التهديد والخوف الذي كان يعترضها ويمنعها من الحديث لقد كانت تخشى عقاب أب لا يخاف الله لأنه يعرضها للضرب والتعذيب بالمياه الباردة". وبحسب الأم فإن ابنتها كانت تخشى والدها الذي كان يهددها باستمرار ويحذرها من التفوه بأية كلمة لأي كان وأنه يراقب المنزل بالكاميرات. ولفتت الأم إلى أن زياراتها لابنتها كانت محددة ومحدودة كما كان الأب يمنعها من زيارات الأقارب، منوهة إلى أن والدها يعاني مشاكل وعقد نفسية كانت أحد أسباب الخلاف والطلاق بينهما. وقالت: "إن الأب يحتجز ويعاقب أبناءه "ولد وبنت" من زوجته الجديدة الذين يحملون الهوية والجنسية الإسرائيلية حيث يعزلهم جميعا ولا يعرفون بعضهم، ويمنع ابنه البالغ من العمر 18 عاما من التوجه للمدرسة". وأكدت أن ابنتها أفضل حالا من إخوتها من والدها حيث يعانيان من إعاقة ومشاكل نفسية عديدة. ولفتت إلى كونها تعيش الآن حالة أفضل مما كانت عليه كونها تتحسن يوميا، مؤكدة أنها كانت تحرم من الطعام وتعيش على كسرات من الخبز وبعض التفاح وطعام بسيط وكانت تتصل مع العالم الخارجي من خلال راديو فقط تابعت من خلاله برامج مختلفة ما ساهم في تحسن وبقاء ذكائها. وأكدت الوالدة أن وضع المطلقات في المجتمع الفلسطيني صعب، لافتة في الوقت ذاته إلى أنها ستعمل على إعادة تأهيل ابنتها وتعليمها حيث كانت قد أنهت المرحلة الابتدائية وستواصل تعليمها. الراديو نقلني خارج أسوار الحمام من جهتها، تحدثت براءة ببراءة الأطفال وبكلمات مقتضبة لصحيفة معاريف الإسرائيلية التي انفردت بلقائها حيث قالت :"إنها أمضت أحد عشر عاما بين أسوار حمام المنزل دون أن تدرك ما الذي يجري خارج هذه الأسوار". وأضافت: "أنا الآن كطفل خرج للتو من بطن أمه، لم أكن أعلم ما يجري خارج محيط الحمام سوى من خلال الراديو". وحسب ما أضافته صحيفة معاريف الإسرائيلية فإنه "وعندما كانت براءة في سن الرابعة انفصل والديها، أخيها ذهب مع أمه، وهي بقيت مع والدها في قرية النبي إلياس، وذهبت للمدرسة، ولكن بعد فترة قرر والدها التوقف عن إرسالها للمدرسة لاعتقاده بأن المدرسة فيها أناس سيئون". وأكدت أن براءة رفضت قرار والدها، وهربت من البيت لقرية عزبة الطبيب بمحافظة قلقيلية، وتقدم والدها ببلاغ للشرطة التي وجدتها، وبحضور الشرطة طلب منها والدها التوقيع على تعهد بعدم المطالبة بالعودة للمدرسة مرّة ثانية. وبينت الصحيفة، أنه وبعد عودتها للبيت قام والدها بحبسها، وبعد رحليهم لمدينة قلقيلية استمر والدها في حبسها، إلى أن طفح الكيل بعمتها التي كانت تطالب شقيقها بالحاح لرؤية الفتاة دون فائدة. وبعد قلق متزايد على مصير الفتاة، قررت العمة التوجه للشرطة والعاملين الاجتماعيين في بلدية قلقيلية لتخبرهم بالقصة، يوم الخميس وفي التاسعة صباحاً دخلت الشرطة الفلسطينية للمنزل، وطلبت من الوالد فتح الحمام، وحررت الفتاة واعتقلت الوالد. وبحسب المعلومات التي توفرت وحصلت عليها "إيلاف" فإن والد الفتاة يحمل الهوية الإسرائيلية، وبعد اعتقاله قام الارتباط الفلسطيني بتسليمه للجانب الإسرائيلي، وتم تمديد توقيفه من قبل محكمة الصلح الإسرائيلية في مدينة "كفار سابا"، وهناك شكوك لدى الشرطة الإسرائيلية بأن زوجته الثانية كانت على علم بحبس ابنة زوجها طيلة هذه الفترة. وبينت الصحيفة، أن براءة قالت: "إنها لو خيرت في عقاب والدها لاختارت له العيش في حمام تحت الأرض، وأن لا يرى الضوء كالمدة التي حبسها فيها، وبدون أكل". وتبعا لمعاريف فإن الحبس ليس وحده العقاب الذي تعرضت له براءة وقالت في هذا السياق: "كنت أتعرض للاعتداء والإذلال من قبل والدي باستمرار لدرجة أن معظم جسدي أزرق من شدة الضرب، وحتى شعري كان يقوم بحلقه باستمرار بواسطة شفرة حلاقة". الأب وزوجته الجديدة في سجن إسرائيلي وكانت صحيفة "يديعوت آحرنوت" الإسرائيلية أوضحت أن محكمة الصلح الإسرائيلية في "بيتح تكفا" مددت اعتقال زوجة الأب الذي حبس ابنته تسع سنوات داخل حمام المنزل في مدينة قلقيلية. وبحسب الصحيفة فقد قال ممثل الشرطة الإسرائيلية في المحكمة: "الوالدان يدعيان أنه لم يكن لديهما مكانا كافيا في البيت، مما منعهم من التوحد معاً في فراش الزوجي". وأضافت الصحيفة أن ممثل الشرطة تابع شهادته في القضية وقال: "رواية الفتاة تقشعر لها الأبدان، فهي لم تخرج من حجزها إلا للكنس والتنظيف، ووالدها لم يكن يقدم لها إلا القيل من الأكل، وهذا الأكل لم يكن أكثر من رغيف خبز وزيت". وحسب تحقيقات الشرطة الإسرائيلية مع زوجة الأب الحاملة للهوية الإسرائيلية، ومن سكان قرية قلنسوة في فلسطينالمحتلة 1948 ، فإنها كانت على علم بما يجري للفتاة ولم تبلغ عن ذلك، حسب إدعائها خوفا من زوجها. وأشارت صحيفة يديعوت آحرنوت العبرية، إلى أن القاضية الإسرائيلية "ريكي شمولفتش" قالت في سياق تمديد توقيف زوجة الأب: "صدمت من الأدلة التي قرأتها بالملف، ومن مطالعة المعطيات في الملف واضحة مشاركة زوجة الأب في القضية، ورغم عدم وجود أدلة على استخدامها لعنف جسدي ضد الفتاة، إلا أن الأدلة تدل على مشاركتها في حبس الفتاة والتسبب لها بتعذيب نفسي". وحسب ما نقلته الصحيفة على لسان عضو في المجلس البلدي في قلقيلية هو أن "كل عائلة الأب الجديدة كانت تعلم أن الأخت الكبرى محجوزة في الحمام، ولكن أحد منهم لم يقم بإبلاغ الجهات المختصة". وحول ظروف الاحتجاز في الحمام قالت الفتاة: "والدي كان يخرجني من الحجز من الساعة الواحدة ليلاً حتى الرابعة مساءً لغرض تنظيف البيت كالخادمة". وكان المتحدث باسم الشرطة الاسرائيلية ميكي روزنفيلد قد أكد نقل المتهم الى الجانب الاسرائيلي السبت الماضي، موضحا لوكالة فرانس برس أنه "اسرائيلي عربي وعمره 39 عاما وهو قيد الحجز الاحتياطي في إسرائيل". حالة فريدة تهز أركان المجتمع بدوره، أكد عزت ملوح، مدير وزارة الشؤون الاجتماعية في محافظة قلقيلية في اتصال هاتفي مع "إيلاف" أن الفتاة التي حررت مؤخرا من سجنها الذي خلقه والدها كتبت لها الحياة من جديد. وقال ملوح: "إن الشؤون الاجتماعية رافقت الشرطة في تحرير الفتاة وكانت حاضرة وشاهدت طبيعة المعاناة داخل السجن الذي صنعه الأب لابنته في حمام المنزل، لافتا إلى أن هول المنظر كان صادما للجميع". وأضاف: "أن والدة الفتاة المقيمة مع زوجها الجديد طلبت إيوائها ريثما تستيقظ من صدمتها الأمر الذي لاقى استحسان وقبول من الشؤون الاجتماعية". وأكد ملوح، جاهزية وزارة الشؤون لايواء الفتاة وتأهيلها في حال طلبت والدتها ذلك، لافتا إلى أن أصل المشكلة يعود إلى سنوات خلت حيث المشاكل التي كانت قد وقعت بين الوالدين. وأشار إلى أن والدها قام برعايتها على الشاكلة التي وجدت بها وعند العثور عليها كانت الفتاة في وضع نفسي غاية في الصعوبة نظرا لكيفية احتجازها. وقال ملوح: "إنها الحالة الأولى التي يتم اكتشافها على هذا الصعيد الأمر الذي أثار حفيظة وسخط جميع المواطنين الذين طالبوا بإنزال أشد العقوبات بهذا الأب". تعامل خارج عن الانسانية من جهتها اعتبرت الأخصائية النفسية خولة العفوري، في لقاء خاص مع "إيلاف" أن عملية احتجاز الفتيات داخل بيوتهن يعد أمرا بالغ الخطورة والأهمية حيث أن هذا التعامل يخرج عن إطار العلاقات الانسانية الطبيعية. وقالت العفوري: "في الوقت الذي يفترض أن يقوم دور الوالدين على توفير الرعاية والاهتمام للأبناء وعلى تقديم كل ما من شأنه أن يجعل حياتهم أيسر وأسهل وأقل خطرا، نتفاجأ بمثل هذه القصة البشعة التي تحول دون تحقيق هذه الافتراضات". وأكدت أن أسباب احتجاز الفتيات بمثل هذه الصورة تعود غالبا إلى الخلافات العائلية والأسرية أو عندما تكون هناك حالات طلاق وتفكك أسري وزواج كل من الأم والأب مع عدم مراعاة لإحتياجات هؤلاء الأبناء النفسية والاجتماعية والمادية وما من شأنه أن يلحق بهم الأذى. وقالت: "إن من بين الأسباب الأخرى وجود نوع من الإعاقة أو حالات التخلف العقلي في ظل الوصمة الاجتماعية حول الأمراض النفسية والعقلية حيث يلجأ الأهل إلى احتجاز البنات في محاولة لحماية وجه الأسرة من نظرات وتلميحات المجتمع". وبحسب الأخصائية النفسية، فإن عوامل أخرى تدفع الأهل لاحتجاز البنات كتعرضهن لحالات اغتصاب وتحرش جنسي من داخل الأسرة. وقالت العفوري: "نلاحظ أن هذه الحالات تكون في الغالب بين صفوف الفتيات ويعود ذلك إلى عدم وجود الوعي الكافي في التعامل مع المشكلات التي قد يواجهها الانسان في حياته كذك فإن بعض أنماط التنشئة المتبعة وثقافة العيب التي تنتزع من الفرد ذاتيته وتفقده ثقته بنفسه وتحديدا التربية غير القادرة على تمكين الفتاة في ظل هذا المجتمع الذي تكثر فيه المحرمات". بدورها، أكدت الأخصائية النفسية والاجتماعية فتنة خليفة من جمعية المرأة العاملة، في تصريح خاص ل"إيلاف" أن الجمعية ومنتدى مناهضة التعذيب بصدد عمل دراسة وتقييم للحالة بغرض متابعتها". وقالت خليفة: "إن هذه ليست الحالة الوحيدة من الاضطهاد والتعذيب فهناك بعض الحالات المشابهة لفتيات معاقات، لافتة إلى أن هذه الحالة شهدت عقابا قاسيا وغير مسبوق". وبخصوص الانتهاكات التي تعرضت لها هذه الفتاة، أوضحت أنها عديدة حيث تعرضت لانتهاك الحق في الحياة والحق في التعليم والعيش الحر والكريم وتضمنت انتهاكا لكل معاني الطفولة علاوة على الحرمان العاطفي. وشددت على ضرورة أن يتم إعادة تأهيل الفتاة نفسيا واجتماعيا وتربويا، موضحة وجود معاناة كبيرة لدى النساء المطلقات من قبل العائلة والمجتمع. المصدر : إيلاف