لم يتحمل " شوقي" محافظ تعز مرارة الغصة التي سكنته وهو يجلس على بوفية العامري صباحاً وعلى بعد أمتار من جريمة نفذت قبل ساعات من مقدمه، لذا ترك فنجان قهوته ممتلئاً، ودون تمس حوافه شفتيه، وغادر بصمت بعد أن رأى الشخوص التي كان على موعد شاي جمالي معاها، قد اغادر بصمت بعد أن رأى الشخوص التي كان على موعد شاي جدار مسكنها قبرا " موتوا قهرا "، وبيت شعري على وجه جدار مقابل يقول: "إذا كان ترك الدين يعني تقدماً... فيا نفس موتي قبل أن تتقدمي" وخيالات مشوهة مصلوبة على جدار كانت الحياة تدب به قبل ساعات، ومهمة جديدة قام بها ثوار تعز بعد تقاطرهم لموقع الجريمة، والبدء بتنفيذ اعتصام مفتوح وجمع توقيعات إدانة للجريمة والجناة. صباح كارثي اغتسل به كل أبناء المدينة، خاصة فنانيها ومثقفيها، ووجدوا أنفسهم أمام جملة من الأسئلة المفجوعة بنفي لا حد له، هل كانت نصوص "هاشم"البصرية منكراً يجب إزالته، أم فعلاُ فاضحاُ على جدار عام، أم كان سلوكاً إجرامياً وجب الحدُ عليه، وأباحت ألشرائع معاقبته ..؟! على هذه الأسئلة استفاقت مدينة تعز وهي تشاهد نتاج أشهر مبدعيها يتعرض للاغتيال تشويهاً، ضمن عمل إجرامي قامت به عصابة قتل مهووسة ومحترفة تحت جنح ظلام وضلال مراجعها، وسكون المدينة وسكينتها. أصابع اتهام مفتوحة على جهات لم يثبت بعد تورطها، لكن معظم تلك الاتهامات كانت توجه إما لحزب ديني أو لفرق مذهبية دينية أيضاً تحرم تجسيد الكائنات الحية رسماً وتصويراً، بينما انحصرت قلة من الشكوك في تورط عصابات بقايا النظام في تلك الجريمة، بغية إحداث فتنة بين قوى الثورة التقدمية من جهة، والتقليدية من جهة أخرى. نداءات عديدة أعقبت سقوط هامة الرجل، تطالب الدولة والحكومة بإنشاء كلية للفنون الجميلة داخل إطار المدينة التي أحبها وأحبته بجنون عاشقين، حتى إن روحه قبل جسده رفضا الاستقرار بعيداً عن دفئها حياً وميتاً، لكن كل تلك النداءات المطالبة بتخليد فن الرجل الخالد، وجدت أبواباً موصدة، وآذاناً محشوة وقراً، وحواساً تلهث وراء كل عفن، بينما يبصقها الفن والإبداع قبل أن تقاربه. وكما كان شباب الحزب الاشتراكي اليمني هم السباقين في دعوة الاعتصام المفتوح، كانوا أيضاً، إلى جانب رابطة الشارع الإبداعية "العراطيط"، هم من فتح الباب مجدداً للمطالبة بإنشاء"كلية هاشم علي للفنون الجميلة" ، وبدأوا بالتحضير الجاد لخلق الفكرة وإسعاد تعز بهاشم علي مجدداً. هل كان على هاشم على فنان تعز ومبدعها ورائد الفن التشكيلي في اليمن، أن يدفع ضريبة تراكم تركة الرجعية والتخلف مرتين في حياته تهميشاً وتشويهاً بعد موته، كانت الأولى على يد عصابات نعلمها، بينما الثانية على يد عصابات لم تعرف أرواحهم الجمال، ولم تصغ حواسهم للفن، ولم تتذوق أبصارهم وبصائرهم لون ألحياة،وإدهاش تعدد الألوان وبث الحياة بها. فتحت أجندة التوقيعات، بينما نسيت الجهات الأمنية فتح تحقيق جنائي بالواقعة والجريمة، لا شيء يدل على المجرم، لا شيء يدل على المجرم، وأيضاً كل شيء سلاحهم المستخدم في تنفيذ جرائمهم، والستار الليلي الذي يتسترون به. هل يجب على تعز بوابة المدينة في اليمن، وحاضرة التعايش والتسامح السلمي مع الآخر والمختلف، وعاصمة الثقافة والفكر والإبداع، أن تدفع الآن فواتير مدنيتها وسلميتها وثقافتها للعصابات الظلامية والقوى الرجعية وأصحاب المشاريع الصغيرة والعصبويات المنطقية وضحايا المرجعيات الدينية المحنطة وفتاوى الدم، ثمناً لفعلها المدني الفاضح على رصيف راجعي عام يمتد من العمامة إلى زناد البندقية! بيانات عدة أدانت بشدة مثل هذا الفعل، وطالبت الجهات المختصة بكشف القائمين به، وفضح م دفعهم لفعله، أو تعبئتهم به، وسرعة تقديمهم للعدالة والمحاكمة لينالوا جزاء جرمهم،وحتى لا يصبح الدين سلاح جريمة يحلل القتل ويحرم السلم الاجتماعي. واعتبرت أن الاعتداء على شخوص نصوص هاشم على البصرية، هو اعتداء إجرامي آثم وجبان، ومخالف لكي الشرائع السماوية والضوابط القانونية وقيم المجتمع، وفعل إجرامي دخيل ومدان، ونتاج حصاد سنوات من ثقافة الكراهية المعادية للعقل والعلم والإبداع، والفن،وكل ماله علاقة بالجمال والخلق وتئد كل فعل إبداعي تحت رسم البدعة ضلالة والضلالة في النار، سجنت بموجبها العقل في قوالب النقل. وقالت إنها، وبمعية كل القوى المدنية والحديثة، تراهن على أن ألوان الحياة أبقى من لون الموت، وأن الأصابع التي تجيد صنع الجمال والإبداع أقوى من الأصابع التي تجيد فن القتل وتتقن ممارسة الجريمة في الظلام، وأنها ماضية في سلوكها ونضالها المدني مهما حاولت قوى الرجعية ثنيها عن ذلك. "هاشم على" غسل أوجاع تعز بألوانه، وبعث الحياة في الحياة،وكان بمثابة الإنسان الملهم لكل فناني الجزيرة، والروح الإنسانية الفواحة حباً وسلاما. تواضعه وقلبه الكبير جعل منه ثابتاً عاطفياً لكل تعزي، له لوحات ونصوص بصرية شهرتها وصلت حد العالمية، وله بعض الجداريات الشهيرة. تعز هاشم علي وهاشم علي تعز. المصدر صحيفة"الأولى" 05/09/2012