اتجه محمد إلى مقر عمله وبدأ هناك يباشر مهامه بكل جد واجتهاد.. مضت الساعات وانتهى الدوام إلا أن محمد لم يعد إلى المنزل.. لقد كُلف بعمل إضافي لحل المشاكل المتعلقة بالصرف الصحي التي تواجهها مدينته.. لم يرفض محمد العمل كونه صائماً، بل واصل العمل في ذلك اليوم حتى أوشكت الشمس على المغيب فأيقن أن وقت الفطار قد قرب.. حمل محمد العمال فوق باصه الأزرق الحكومي وأوصلهم إلى أماكنهم ثم قام بشراء بعض الأشياء المتعلقة بالفطار لأمه وأبيه وإخوانه الستة وبينما هو ماراً جوار مدرسة زيد الموشكي (شارع مستشفى الروضة) رأى دراجة نارية وعليها مسلح يحمل آلياً.. لم يكن يعلم محمد أن ذلك المسلح يقصده ويريد نهب باصه الحكومي فواصل السواقة، وقبل أن يعرج إلى منزله الكائن في شعبة كريمة -كمب الروس- أطلق عليه المسلح عياراً نارياً أخترق مؤخرة الباص ثم ظهر محمد وخرج من بطنه.. كان الحادث على بعد مسافة قريبة جداً من مستشفى الروضة وفي نفس المكان الذي كان يقف فيه الثوار في مواجهة عصابة النظام الفاسد ولكن شتان بين مسلحي الثورة والمسلحين المتفودين الذين لا تكاد تخلو منهم المدينة.. فقد محمد وعيه في الحال وسقط جثة هامدة على (مقود السيارة) قبل أذان المغرب بدقائق بعد أن غطت دماؤه المقعد الذي كان فيه وكل ما يحمله وواصل الدباب سيره دون وعي ولم يقف إلا بعد أن أصطدم بإحدى السيارات.. اتجه الناس نحو سائق الدباب لمعاقبته وعندما رأوا الدماء تسيل من جسم محمد أيقنوا أن ذلك العيار الناري الذي سمعوه قبل دقائق كان موجهاً إلى جسم محمد.. انتقلت روح محمد إلى بارئها وهو صائماً وحملت جثته إلى الثلاجة وهرب المسلح وسائق الدراجة وكأن الأمر لم يكن.. يقول إياد –أخ القتيل- أخي مسكين مسالم ليس له أعداء.. كل أبناء الحارة يحبونه.. كل العمال حتى المهمشين يحبونه.. إذا اشترى قاتاً يوزعه بينه وبين العمال.. يقول حرام يخزن وهم لا.. له خمس سنوات موظف.. يسوق السيارات الخفيفة والثقيلة في العمل ومتمكن من عمله ذلك ما جعل رؤساءه يحبونه.. بنى له غرفة ونام فيها يوماً واحداً قبل الحادثة وكأنه كان يودعها.. كان يحلم بالزواج والمستقبل.. الله يقتل من قتله.. أخي إنسان طيب خلوق يعتز بوظيفته وعمله ومدينته.. كان يقول لابد أن ننظف المدينة.. بلادنا تعز.. نحن أصلنا من تعز ولكن شاءت الأقدار أن يرحل محمداًَ دون عودة إلى تعز، رغم ذلك ستظل روحه تلعن اولئك المخربين قطاعين الطرق إلى أن يموتوا شر موتة إن شاء الله لأن محمد عمره ما آذى أحداً في حياته.. أما أب القتيل من شدة الصدمة لم يستطع أن يتكلم التزم الصمت من شدة الحزن بينما لا تزال الأم في غيبوبة بين المستشفى والمنزل كلما فاقت تذكر أبنها فيغمى عليها من جديد.. رحل محمد عن الحارة إلا أنه لم يرحل من قلوب أبناء الحارة.. لقد بكاه الجميع الأهل والأصدقاء والزملاء وكل أبناء الحارة..