قال سمير الزغروري الذي لم نره في غزة، رأيناه في السبعين: “استمرت المسيرة خمسة أيام وكان وصولنا إلى السبعين.. في تمام الساعة الثالثة عصراً وعند وصولنا تم إغلاق جميع المنافذ في شارع السبعين ومنع عنا الماء والغذاء حتى الساعة السادسة مساءً.. علماً بأننا كنا من غير صبوح- وبعد محاولات أدخل إلينا الأخ/ نائف القانص الطعام والماء وبصعوبة.. كان عددنا في اليوم الأول مائة وخمسين.. وفي اليوم الثاني تناقص العدد إلى المائة تقريباً لأن الذي كان يخرج من حصار السبعين لا يستطيع العودة إليه وفي اليوم التالي وصل العدد إلى اثنين وسبعين وكنت أعدهم وأكتب أسماءهم.. كان الحصار شديداً.. فقد قطعوا عنا الماء والطعام وقد حدث موقف لن أنساه فأحد جيران السبعين من الأطفال عندما رآنا رثى لحالنا وبادر تلقائياً بإسعافنا وإيصال الماء إلينا بدراجته وعندما كشفه الجنود ذهبوا إليه هو وبعض الأطفال وضربوه وأخذوا منه الماء.. بعض الجنود كنا نعطيهم النقود لتوفير الماء فيأخذون الفلوس ويحرمونا الماء، والأعجب من ذلك أنهم كانوا يدخلون بين الشباب لإثارة الثوار وخلق المشاكل بيننا. حل المغرب والعشاء وصلينا متيممين، وفي الساعة الثامنة والنصف من يوم الاعتداء على الشباب دخلت ناقلة جنود من مكافحة الشغب والصاعقة والحرس الجمهوري- كان عددهم تقريباً 400 جندي ووقفوا أمام المعتصمين- وفجأة من غير سابق إنذار وجهوا إلينا خراطيم المياه، وبعض الشباب كانوا نائمين.. كنت أقول لهم اصمدوا واصبروا وخراطيم المياه تجرفهم.. لم يفرقوا بين النساء والرجال والشيوخ والأطفال.. لم يكتفوا بذلك بل طاردونا وضربونا بالهراوات ثم فرقونا كنت في إحدى المجموعات المحتجزة كان عددنا تقريباً خمسة عشر شخصاً.. حاصروناً وأخذوا علينا كل ما نملك من التلفونات وكل شيء.. أحد الشباب كان يخاطب الجندي ويقول له نحن خرجنا من أجلكم فرد الجندي بأبشع وصف قائلاً: “اسكت يا بن العاهرة” ويركله برجله في البطن.. مشهد آخر عندما سأل الضابط الطفلة المعتصمة معنا فقال لها من أبوك، فرد عليه عبدالحليم الأصبحي: أنا أبوها، فنعته الضابط بألفاظ بذيئة أتعفف عن ذكرها ومنها” اجعلها في الشوارع تتسول ولا تتركها تعتصم أمام القصر، خليها في بيتها” فرد عليه.. بنتي مش أغلى من اليمن.. والمضحك أن أحد الجنود كان يضربنا بشدة ويقول: “يا مخربون” فقلت له: “وما أدراك أننا مخربون” وإذا به يخرج من تحت القائش خنجراً وصحيفة للحوثيين ويقول لنا “كيف تقولون سلمية وأنتم معكم هذه الأسلحة” ويقول لماذا تزعجون الجيران وتزعجون السكان في الليل.. فقلت له: “ هذه منطقة خالية من السكان ونحن معتصمون سلمياً.. وبينما الدكتور عبدالمعين الأصبحي يرفع معنوياتنا أمام الجنود جاء أحد الضباط مع فرقة أخرى وقال أن صاحبكم قد أصيب بحادث ونحن الآن نريد الشهود الذين شاهدوا هذه الجريمة وأن الذي دهسه صاحبكم، فقلت له ألا تستحي من هذا الكلام.. والشيء المضحك أيضاً عندما أتى إلينا مدير أمن صنعاء. وقلت له.. ألا تعلم كم لنا معتصمين وأنت مدير أمن صنعاء، ومن أرسلك إلينا هل هو وزير الداخلية، فرد قائلاً أنا لا أعلم إن كان وزير الداخلية على علم باعتصامكم؟! فقلت له: “والله الذي لا إله إلا هو لا أنت ولا رئيس الجمهورية سيخرجنا من السبعين إلا جثثاً”.. ولم تمر بضع ساعات إلا وسحقنا وقلت له وأنا مرفوع الرأس: إرحلوا يا حكومة النفاق، وقلت له أنتم عصبة سبعة، سبعة نفس الشكل نفس الطبعة.. وكم أنا معجب من الأخت سهية الدغيش عندما قالت يا مدير الأمن والله لو كنتم ضربتم علينا النار أهون علينا من أن تمنعونا الغذاء والماء.. سألتها بعد أن ضربت كيف كان الضرب على جسمك- طبعاً سهية طفلة عمرها تقريباً 13 سنة- فردت وهي تبتسم: “الحمد لله أنني ضربت من أجل تعز وهذا شرف لي بأن أرد شيئاً لشباب تعز الأحرار”.. وكم كنت فخوراً بمشاركة الدكتور- عبدالمعين الأصبحي- دكتور في الطاقة الذرية- كم كان متواضعاً وهو يشاركنا في تنظيف مكان الاعتصام وكم شعرت بالحزن عندما رفض مستشفى العلوم والتكنولوجيا استقبال جرحانا فتم نقلهم إلى مستشفى الجمهوري، وهم مهند وفارس الثوري ورفقي القدسي وكنت معهم.