درسُ النساء.. انظروا وتعلموا    مرصد حقوقي: 14 مسنًا قضوا خلال أسبوع في غزة جراء التجويع والحصار    أميركا والصين تختتمان جولة أولى من المحادثات في جنيف    إنصاف ينفذ جلسة إرشادية في الدعم النفسي للنساء في الأحياء الشعبية    دولة عربية "تستنفر" أجهزتها لمواجهة التهديد السيبراني المتصاعد في بلادها    صنعاء .. البنك المركزي يعلن بدء عملية صرف المرتبات ويحدد جهات الصرف    عدن.. مظاهرة نسائية احتجاجاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية وانقطاع الكهرباء    الرئيس المشاط يعزي في وفاة الشيخ ناجي أحمد سنان    - طيران اليمنية في صنعاء تتحمل كلفة العالقين خارج اليمن الذين كانوا سيصلون صنعاء    شاهد ..الانتهاء من معظم اعمال الصيانة في مطار صنعاء .. وقرب تشغيله    -    وزير العدل يوجه بسرعة البت في قضايا التخابر مع العدوان    الرئيس الزُبيدي يهنئ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعيد النصر    - توقيع اتفاقية دعم اعلاني بين اللجنة الاعلامية باتحاد كرة القدم وشركة هيملايا الهند        ارتفاع حصيلة الإبادة الجماعية في غزة الى 52,810 شهداء و 119,473 مصابا    مسلحون يختطفون مديري مصنع اسمنت بأبين    باكستان تعلن إعادة فتح مجالها الجوي بشكل كامل أمام كافة الرحلات الجوية    إصلاح ريمة ينعى الفقيد الوليدي ويثمن أدواره في نشر القيم الدينية والوطنية    الراعي يتفقد أنشطة الدورات في عدد من المراكز الصيفية بمديرية التحرير    بؤرة صراع جديدة!!    تأمين السكن يهدد ربع مليون نازح بمأرب    إصابة 9 جنود وضباط صهاينة بانفجار عبوة ناسفة في الشجاعية بغزة    الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر المنتخب الوطني الداخلي في المكلا    عاجل ومحزن لساكني عدن: سفينة وقود مقررة لكهرباء عدن تذهب جهة أخرى    وسط توتر بين ترامب ونتنياهو .. واشنطن تلغي زيارة وزير الدفاع إلى إسرائيل    الأرصاد ينبه من الأجواء الحارة في الصحاري والسواحل    كفى عبثا كفى إذلالا.. أهذه شراكة أم استعمارٌ مقنّع؟    المقاتلون السعوديون يسطرون ليلة بطولية في حلبة "أونيكس" جدة    حمير أبين تهجر مواطنها... في نزوح جماعي إلى عدن!    السعودية تعيد هيكلة اللاعبين الأجانب في البطولات المحلية    ألونسو يخلف أنشيلوتي.. وسولاري يظهر أمام الهلال    لا تمتحنوا صبرهن.. ثورة النساء قادمة    النجاح لا يُقاس بالمنصب، بل بما يُنجز على أرض الواقع    شبوة تحذّر العليمي.. "نفط شبوة خط احمر"    اضعاف للشعب اليمني وتدمير لامكانياته البشرية والمادية    الرسائل التي قدمها اعلام الجماعة في تغطيته لزيارة الفريق السامعي إلى مطار صنعاء الدولي    إثر خلافات أسرية.. رجل يقتل شقيقه بمدينة تعز    صلاح يفوز بجائزة لاعب العام في الدوري الإنجليزي لكرة القدم للمرة الثالثة    دراسة : عدد ساعات النوم الصحية يختلف باختلاف البلد والثقافة    وزير الأوقاف: تفويج حجاج اليمن سيبدأ الثلاثاء القادم    تصل إلى 100 دولار .. لجنة حكومية تفرض رسوم امتحانات على طلاب الثانوية اليمنيين في مصر    في شوارع الحزن… بين أنين الباعة وصمت الجياع    حتى أنت يا بروتوس..!!    ارتفاع أسعار الذهب قبيل محادثات تجارية مرتقبة بين واشنطن وبكين    الأسباب الرئيسية لتكون حصى المرارة    لماذا يحكمنا هؤلاء؟    عيد ميلاد صبري يوسف التاسع والستين .. احتفال بإبداع فنان تشكيلي وأديب يجسد تجارب الاغتراب والهوية    أرقام تاريخية بلا ألقاب.. هل يكتب الكلاسيكو نهاية مختلفة لموسم مبابي؟    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الجنوب .. قضية في مهبّ المؤامرات
نشر في يمنات يوم 28 - 01 - 2018


صلاح السقلدي
ما يزال قطاعاً واسعاً من عامة الناس والنخب الثورية في الجنوب متمسكاً بهدفه السياسي الوطني، المتمثل بالتطلع نحو استعادة الدولة الجنوبية التي اندمجتْ عام 90م بدولة «الجمهورية العربية اليمنية»، مكونِةً بذلك الجمهورية اليمنية، بالرغم من كل ما يحيق بهم من تحديات ومصاعب وتآمر.
ولكن وطأة هذه المصاعب وضراوة الاستهداف الذي يحيط بالجنوب من الجهات الأربع قد أعادت ترتيب الأوليات عند قطاع كبير من عامة الناس والنخب الثورية على حدٍ سواء. وأصبح التصدي للأزمات الحياتية والمعيشية، والتحدي الأمني، والمحافظة على وحدة الصف الجنوبي والنسيج الاجتماعي هي أولوية سُلّم الاهتمام في هذه الأثناء، مع تراجع شكلي للهاجس السياسي، في هذه الأثناء التي يتم فيها إعادة انتاج كل صور سلطة ما بعد 7يوليو 1994م الدميمة تجاه الجنوب لاستهداف سياسي بحت، وإن أخذ له صور تبدو ظاهرياً بعيدة عن البُعد السياسي.
اهيك عن إعادة تشكيل قوالب سياسية واقتصادية واجتماعية قديمة – جديدة بشكل أكثر تغولاً وتوحشاً مما كان عليه قبل عام 2015م، اضطر الطرف الجنوبي لمواجهتها، وكأنه قد تخلى عن هدفه الرئيس (السياسي). مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن ثمة شخصيات جنوبية ثورية كان لها باع كبير في النضال قد تخلت بالفعل عن قناعاتها السياسية لمصلحة جهات سخية أجزلتْ لها العطاء، ليجرفها بالتالي تيار المصالح الشخصية بعيداً عن شاطئ القضية الجنوبية.
فكل سلبيات وفوضوية واستبدادية السلطات السابقة منذ عام 94م حتى 2015م يُعاد اليوم إحياؤها وقولبتها على طول رقعة الجغرافيا الجنوبية بوتيرة لا هوادة فيها، خصوصاً بالأشهر التي تلت إعلان تشكيل «المجلس الانتقالي الجنوبي» في عدن منتصف العام الماضي، منها على سبيل المثال:
1- إغراق الجنوب – وعدن على وجه الخصوص – في خضم متلاطم من الازمات المتعددة أهمها: تغييب الخدمات الأساسية كالوقود والمرتبات والخدمات الصحية والتعليمية، والتسيّب الإداري الفاضح، والبسط الممنهج على مرافق ومؤسسات الدولة وأراضيها وأرضي المواطنين من قبل عناصر تدار بريموت سياسي عن الخارج والداخل، وترك الحبل على الغارب بتعمد لارتفاع اسعار كل السلع بشكل لا مثيل له، توازياً مع اتساع دائرة تجارة العملات التي أدت الى انهيار العملية المحلية وبلوغ فوضى عملية البيع والشراء بالسوق مستوى قياسي، وهي الفوضى المقصود منها إذلال عوام الناس والنخب الجنوبية على مختلف توجهاتها بقوتهم ومساومتهم على قُوتُهم و معيشتهم لإيصالهم بالتالي إلى صرف انظارهم عن قناعاتهم السياسية، أو هكذا تريد تلك الجهات للجنوب أن يصير.
2- إعادة التلويح بورقة الفتن واشعال جذوة الصراعات الجنوبية الجنوبية من جديد، من خلال استدعاء الخلافات القديمة كورقة ضغط بوجه كل من يفكر بالتصدي للمشاريع السياسية لسلطة الرئيس هادي وحزب «الإصلاح» وحكومتهما الغارقة في الفساد والفوضى. فهذه الورقة «إثارة الفتن» على خطورتها وبرغم طول الفترة التي استخدمتها سلطة ما بعد 94م وحتى 2015م وثبوت فشلها، إلا أن سلطة اليوم تعيد استخدامها بقوة في هذه الأيام لإيصال رسالة تهديد بوجه مخالفيها مفادها: «دعونا نمضي حيث نشاء بمشاريعنا السياسية، وبسياستنا الاقتصادية والإدارية – وإن لم تعجبكم – وإلا أيقظنا بوجهكم كل صنوف فتن الماضي، وهدمنا أركان الهيكل الجنوبي على رؤوسكم». وكأن الجنوب قد صار طائرة مختطفة بيد عناصر هذه السلطة؛ يساومون ركابها على حياتهم مقابل تنفيذ عدة شروط وإلا تم نسفها برهائنها.
3- إعادة استخدام ورقة الجماعات المتطرفة من جديد، بوجه التطلعات السياسية الجنوبية بصورة تجاوزت حدود المعتاد. ففي الوقت الذي كانت فيه سلطة ما بعد يوليو 94م تلعب بهذه الورقة بأوقات واستحقاقات سياسية معينة وبنطاق سياسي وجغرافي معروف، فإن سلطة اليوم قد أطلقت العنان لهذه الجماعات المتطرفة القديمة والجديدة طولاً وعرضاً بمناسبة وبدون مناسبة، لتنفيذ غرض كبيراً أو تافهاً، سمّنتْ هذه السلطة جسم الجماعات المطرفة بالعدد والعتاد الكبيرين توشك أن تبتلعها هي مع من ابتلعت، مضافاً لذلك إطلاق الحرية الكاملة لهذه الجماعات بالتغلغل بأجهزة ومفاصل الدولة العسكرية والأمنية والمدنية وحتى الاستخباراتية جهاراً نهاراً، في ذات الوقت الذي أصبح بمتناول يدها – أي الجماعات – كل أسباب البقاء والتوسع من خزانة الدولة، وجيوب البسطاء المغلوبين على أمرهم، من مالٍ وسلاح وإعلام ومنابر لا حصر لها.
كل هذا ليتسنى لتلك السلطة استخدام هذه الجماعات سلاحاً يستهدف بالمقام الأول والأخير القضية الجنوبية، بل واستخدام الورقة الدينية وخطاب الإسلام السياسي التكفيري بشكل أكثر فاعلية وخطورة مما كان عليه بالماضي وأوكلت «السلطة» هذه المهمة لجهات عدة داخلها، كوزارة الاوقاف والارشاد، فعلى سبيل المثال وليس للحصر، أصدرت هذه الوزارة مساء الخميس الماضي تعميماً لخطباء المساجد أعاد الى الأذهان مرحلة ما قبل حرب 94م وذروة حرب 20015م حين سخّرت تلك السلطات ورقة الجماعات الإسلامية بخضم الحرب، قال هذا التعميم (السياسي الديني)، في إحدى فقراته، وهو الذي أتى في ذروة احتدام الأزمة السياسية بين «المجلس الانتقالي الجنوبي» وحكومة بن دغر وسلطة هادي: «يجب على خطباء المساجد بخطبة الجمعة غداً أن يركزوا على توضيح خطورة الخروج على ولي الأمر الشرعي المنتخب فخامة الرئيس المناضل عبدربه منصور هادي حفظه الله وأمده بالصحة والعافية».
4- إعادة تشكيل الوحدات العسكرية والأمنية والاستخباريتة على غرار التشكيلات القديمة بزمن سلطة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، التي أخذت تلك التشكيلات تسميات وولاءات شخصية عائلية. فمثلاً في الوقت الذي كان صالحٌ يضع نجله الأكبر أحمد، على رأس وحدات الحرس الجمهوري والحرس الخاص، فها هو الرئيس هادي، يضع نجله منصور، على رأس قوات الحماية الرئاسية، وهي قوات الحرس الجمهورية بنسختها المعدلة.
هذا فضلاً عن إنشاء تشكيلات عسكرية وأمنية غير خاضعة للجهات الرسمية، بل وكثير منها تأخذ الولاء الفردي لفلان وعلان، وتحمل أسماءهم. فإن كان نظام صالح قد استخدم القوات الرسمية ليعزز من قبضته على مفاصل الدولة ونصّب افراد عائلته بكثير من المواقع العسكرية والمدنية لهذا الغرض فأن سلطة اليوم تستخدم الوحدات العسكرية والأمنية الرسمية لذات الغرض، يضاف فوق هذه القوات قوات رديفة مستحدثة على شكل مليشات وكتائب يغلب عليها أي المليشات النَفَس العقائدي والمذهبي ناهيك عن الجهوي، ولواء فلان وكتائب المجاهد علاّن وغيرها من المكونات الأمنية البعيدة عن رقابة المؤسسات الرسمية لحسابات سياسية بحتة، حيث تحرص الجهات – والتي هي جهات إقليمية ويمنية – التي تقف خلف إنشاء تلك المليشيات المسماة جزافاً بالأمنية أن تظل أداة سياسية، والتحكم بها من خلال المال والمكاسب المادية وما تمنحها إيها من نفوذٍ على الأرض لتوجهها بالأخير بحسب مؤشر بوصلة مصالحها.
5- اتساع رقة الفساد المالي والاقتصادي والإداري بشكل لا سابق له، فاق كل حدود الفساد بالربع قرن الماضي. ففي حين كانت أسرة صالح وأقاربه المنتشرون بمناصبهم المدنية والعسكرية والأمنية والدبلوماسية والإدارية هم المتحكمون بشكل طاغٍ بأمور الدولة؛ فقد أضحت الدولة اليوم أشبه بإقطاعيات أسرية وعائلية من خلال التفرد الاسري بمناصب دبلوماسية وإدارية وعسكرية وأمنية بالجملة، وبالذات بالمواقع الحكومية (الدسمة) كالنفط والمالية وقطاع المعونات المادية الخارجية. ففي السلك الدبلوماسي تظهر صورة المحسوبية والفساد الإداري بأوضح صورها.
6- تضخم الفئة النفعية الإعلامية والسياسية والأكاديمية والرموز دينية التي تدور كلها بفلك السلطات وتقتات من فوق وتحت موائدها لتزين لها فسادها وتدافع عنها على طول الخط، وتجعل من نفسها حائط صد لحماية قوى الفساد بوجه كل من يتعرض لأصحاب هذا لفساد، تنتشر هذه الفئة النفعية على شكل جيش إلكتروني وصحافي ورقي و إعلامي مرئي وغيرها من النوافذ. كل هذا بالأجر الشهري أو اليومي.
هذا الوضع الكئيب، والمتداخل بأطرافه السياسية ومصالحه الاقتصادية والمالية، مضافاً له السطوة والنفوذ الإقليمي بالساحة الجنوبية، وارتهان كثير من القوى بالجنوب لأطراف أقليمية ويمنية أدخل الجنوب بكل نخبه السياسية والثورية، وغيرها من القوى في أزمة سياسية حادة تحتدم يوما إثر يوم لتجرف معها الجميع نحو المجهول.
فالخطاب الإعلامي والسياسي المحتدميَن بين «الانتقالي الجنوبي» وكثير من الشخصيات الثورية الجنوبية، ومن بعض أطراف المقاومة الجنوبية من جهة، وبين الطرف الرسمي لحكومة هادي وحزب «الإصلاح» والفئة النفعية الجنوبية المحيطة بهادي من جهة أخرى، يشكّل صورة واضحة الإطار، والمعنى للوضع السياسي القاتم بالساحة الجنوبية، وإن بدا على شكل خلاف سطحي بين حكومة فاسدة وضحاياها، إلا أنه بالحقيقة خلافاً سياسياً بامتياز يتخفى بعض أطرافه خلف ستار شفاف أسمه مطالب خدمية حقوقية، ويظهر معه الأمر على شكل تخلي جنوبي عن الأهداف الاستراتيجية له، وهو ليس أكثر من إعادة ترتيب الأولويات إلى حين، أو هكذا يجب أن يكون الأمر وليس هروباً عن جوهر الأزمة إلى أمور ثانوية، وإن كانت بحجم فساد حكومة كهذه الحكومة القابع في «منتجع معاشيق» الوثير. فجوهر القضية بالجنوب هي سياسية وطنية، وما دونها ليس أكثر من قشور وإفرازات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.