قرار واشنطن ضد الإخوان يضع حزب الإصلاح على حافة الانهيار السياسي والعسكري    إحباط تهريب مخدرات.. ومطالب بتوسيع سيطرة النخبة لحماية حضرموت    مرسيليا يقلبها على نيوكاسل.. ونابولي يكسب كاراباخ    بعد 1336 يوما.. بوجبا يعود إلى دوري الأبطال    قبل البايرن.. أرسنال ينتظر عودة القائد    صنعاء تستعد لانطلاق مهرجان المقالح الشعري    الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقاً جديدة في أبحاث الدماغ    الرياضة في الأربعينات: سلاحك ضد الزهايمر    شخصيات مرشحة لخلافة غوتيريش على رأس الأمم المتحدة    مواجهتان مصيريتان لليمن أمام جزر القمر وكمبوديا    البحرية الأمريكية تلغي برنامج فرقاطات فئة كونستيليشن بشكل رسمي    الزنداني يطيح بقنصلية كاليفورنيا لمنع تعيين جنوبي    عسكرة البحر الأحمر خطر يهدد الدول المطلة عليه    ترحيل 1522 مهاجر أفريقي من صعدة    البرلماني المقطري يعرّي جرائم أخوان اليمن في المقاطرة    أبطال أوروبا: ليلة سعيدة لأندية ألمانيا وبرشلونة يسقط مجددا    قراءة تحليلية لنص "خطوبة" ل"أحمد سيف حاشد"    إشهار "مكون مجتمعي" في حضرموت لجمع المكونات المختلفة تحت مظلة واحدة    سوريا اليوم.. بين ترمب ونتنياهو والوسطاء ومحاولة الإذلال    المحامي صبرة من معتقله: الزيارة مرفوعة عنّا وعلى الزملاء تحريك القضية    التصنيف الأمريكي لتنظيم الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي محدود الأثر    أزمة أخلاق!    البنك المركزي يوضح حول المستحقات المالية لمحافظه    تدشين فعاليات إحياء ذكرى ميلاد فاطمة الزهراء بالامانة    تكريم الفائزين بجائزة جامعة صعدة للإبداع والبحث العلمي    لحج.. قوات الجبولي تُشدّد الحصار على قرى في مديرية المقاطرة وتقطع الطريق الرابط بين تعز وعدن    مساء الغد.. المنتخب الوطني الأول يواجه جزر القمر والمدرب: نسعى للتأهل إلى كأس العرب    الحباري ومغلي ينافشان سبل تعزيز خدمات الرعاية والتأهيل للمعاقين في محافظة ريمة    مناقشة برنامج دعم توطين الصناعات المحلية    تدشين عدد من المبادرات المجتمعية في مديرية الخبت بالمحويت    أحزاب شبوة تؤكد دعمها لوحدة الصف وتطالب بصرف المرتبات وتحسين الأجور    بطولة النخبة للمياه المفتوحة بالحديدة على كأس الشهيد الغماري    تدشين برنامج مراجعة وتحديث وإدارة السياسات المالية والتجارية والاستثمارية    الذهب يرتفع لأعلى مستوى له مع تجدد التوقعات بخفض الفائدة الأميركية    محكمة غرب تعز تقضي بإعدام شاب قتل والده في إب    صنعاء توزع خوذ مجانية للدراجات النارية في التقاطعات    صنعاء.. جمعية الصرافين تعمّم بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    فوز الكويت بمقعد العضوية في اليونيسكو لأربع سنوات    تقرير أممي: نزوح أكثر من 18 ألف شخص في اليمن منذ بداية العام    حين يتحوّل فستان إعلامية إلى معركة هوية في وطنٍ تُنهكه المآسي !!    لُوبانية    الصحفي والمدرب الحقوقي عماد السقاف    العرب يعزلون سوريا بأسوار خرسانية داخل حدودها    خبراء التغذية: النظام الغذائي مفتاح التركيز الذهني    أزمة وقود غير مسبوقة في المهرة    عدن.. هيئة المساحة الجيولوجية توضح حول تأثير الرماد البركاني على اليمن    محافظ المهرة يُشيد بدور الإصلاح والمكونات السياسية في دعم جهود السلطة المحلية    الصحة تعلن ارتفاع وفيات وإصابات التهاب السحايا في اليمن    قراءة تحليلية لنص "أريد أن أطمئن" ل"أحمد سيف حاشد"    منتخب الناشئين يفوز على غوام بعشرة أهداف ويتصدر مجموعته    الضالع تستعد لأول مشاركة في مهرجان التراث الدولي    الكثيري يُعزّي في وفاة الشاعر والأديب ثابت السعدي ويشيد بإرثه الأدبي والثقافي    مصادر حكومية: انفراج مرتقب في صرف المرتبات وتحولات اقتصادية تعزز فرص الاستقرار    تسجيل 26 حالة وفاة وألف و232 إصابة بالحمى الشوكية منذ مطلع العام الجاري    رئيس الوزراء يؤكد استمرار الإصلاحات وتعزيز حضور الدولة وتقليل السفر الخارجي    آخر حروب الإخوان    رئيس سياسية الإصلاح يلتقي مسؤولا في الحزب الشيوعي الصيني لبحث العلاقات وأوجه التعاون    هيئة أسر الشهداء تُنفذ مشاريع تمكين اقتصادي بنصف مليار ريال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ارشيف الذاكرة .. فقر وبؤس وعيد غير سعيد
نشر في يمنات يوم 18 - 02 - 2020


أحمد سيف حاشد
فقر وبؤس
كان سكان أريافنا فقراء، شبه معدمون، يعيشون شظف العيش و بؤس الحال، يكابدون و يكدحون من فجر الله حتى مغيب الشمس من أجل لقمة عيش كريمة، لقمة العيش في جبالنا صعبة المنال تدمي القلوب والأظافر.
جبالنا وعرة و شامخة؛ طينها قليل و عزيز؛ الأشجار تغالب الحمى و الظماء؛ و جذور السدر و العوسج و "العسق" تشق طريق صبور في الصخر و الجبل.
الزراعة موسمية؛ أغلب المواسم "تخيب و لا تصيب"، كثير من السحب كاذبة، تبدو و كأنها مثقلة بالغيث، ثم تكتشف بعد ساعات قليلة أنها خادعة لا تحمل غيث و لا مطر؛ مقالب الأقدار كثيرة؛ قليلة هي المواسم التي أوفت و جادت بالمطر من موعد البذر حتى موعد الحصاد.
كان الماء شحيح معظم أيام السنة؛ النسوة يخضن معارك ضروسة و لساعات طوال من أجل جلب الماء من أمكنة بعيدة، المرأة تقضي أحيانا ثلث نهار أو ربع ليل لتظفر بدبة ماء واحدة لا يزيد سعتها عن عشرين لتر، النساء لا يظفرن بالماء أيام النزاف "الجدب" إلا و قد بلغت قلوبهن الحناجر..
كان الجوع يعصر البطون، و حزام الفاقة يضعون تحته حجر، و سوء التغذية رفيق حميم، و الموت طليق يخطف من يشتهي، و أغلب من يخطفهم الموت و يشتهيهم أطفال و صبية و شباب بعمر الزهور..
في مناطقنا كانت تجتمع علينا المخافات الثلاث؛ فقر و مرض و جهل.
كانت أيام عيد الفطر و عيد الأضحى هي أيام فرح العام، و قلما يجد الفرح متسع في غير أيام العيد. أغلب الناس يشترون الثياب الجديدة مرة واحدة في العام، يلبسونها أيام عيد الفطر ثم يحتفظون بها لعيد الأضحى، يرمون عصفورين بحجر واحدة، قليلون هم أولئك الذين بمقدورهم شراء الملابس مرتين في العام.
في أريافنا، كان الصراع من أجل الحياة مرير؛ الحرمان يشبهنا و هو موطننا و فيه نقيم، لا يغيب و لا يُغتب و لا يفارق لكأنه رفيق حميم، أما النادر فلا حكم له.
كان أغلب الناس يأكلون لحم الماشية في عيد الأضحى، و قلة هم من يستطيع أن يأكل لحم الضأن مرتين في العام؛ إن رُمت لأكل صدر دجاجة في غير أيام العيد فما عليك إلا مُلازمة المرض، و حنون يحبك و يهتم بك؛ و أما أنا فكنت لا يروقُني أن تُذبح من أجلي دجاجة حتى و إن بلغت "الصفراء" رأسي و بلغ السل مخ العظام..
عيد غير سعيد
الأطفال و الصبية يفرحون بالعيد إلا أنا، أنا المنكوب بعاثر الحظ، لا يسلم فرحي بالعيد من قدر يفسده و يسِّود صفحته. عيدي هذا العام موجوع بأمي الهاربة عند أهلها من نكد تعاظم و شجار أستمر و زاد عما يحتمل..
عيدي بعيد عن أمي لا طعم له و لا لون، أشعر أن الوحشة و الغربة و الحزن قد سكنوني مجتمعين في أيام يفترض أن تكون بهجة و سروراً و فرحا..
في العيد يتسربل الصبية بالسعادة و لباس العيد؛ ترى الفرح في وجوههم كالعصافير و محياهم نور على نور.
وجوم ليالي العام أو جلّها، ظلمتها، وحشتها، تجهُّمها، رتابتها، وحدها التي تكسره بهجة العيد، تمزقه فرقعات "الطماش" و وميضها .. السرور يغمر المُهج و القلوب .. أما أنا فشأني مُختلف .. لم يفسد هذا العيد غياب أمي فقط، و لكن أفسدته أيضا وشاية ابن جارنا..
في يوم العيد
سبب صغير بحجم حبة خردل كان لدى والدي يكفي أن يشعل حيالي حربا عالمية .. و ما يستفزه أكثر من ذلك أن لا يراني مستجديا لرحمته..
عدم استجداء رحمته كانت تعني بالنسبة له أنني أستفزه و أنتقص من هيبته و هو المهاب..
عدم مناجاة عطفه يعني أنني أتحداه و أثير غيضه و حفيظته .. أمر كهذا لديه بالغ في الجسامة و موغل في التحدي لسلطته و داعي مثير لإعادة اعتباره و مهابته..
إذا ما داعاني لأمر و توانيت فقط في إجابته؛ تجد و كأن الجن تلبسوه، و ركب فوق رأسه ألف عفريت..
حاول قتلي طعنا ب"الجنبية"، و حال المتواجدون من نسوة و رجال و فتية دون قتلي و أخطأتني الطعنة لتصيب ابن عمي "عبده فريد" في يده، بينما كان يحاول منعها من أن تخترق جسدي المُنهك و المثقل بالتعب..
تحول العيد في وجهي إلى احلك من ليل و أكثف من ظلام سرداب سحيق..
هربت من سطوته مائة متر، فيما هو يحاول قتلي بالرصاص تداريت بجذع شجرة "السُقم"، كنت أختلس النظر من محاذاتها فيما كان الاختلاس يستفز أبي و يثير حماقته و حميته كما يثير المصارع الاسباني هيجان ثور خرج للتو من محبسه إلى حلبة مصارعة الثيران و قد أصابه المصارع في طعنة سيف..
العراك على أشده؛ نسوة و رجال يحاولون انتزاع البندقية من أكف أبي فيما هو يصر على محاولة قتلي؛ كنت أسأل نفسي بهلع عما إذا كان بمقدور الرصاص أن ينفذ من جذع الشجرة فيطالني، أعود لأطمئن نفسي إن الجذع قادر على أن يتولى مهمة صد الرصاص..! غير أن الأكثر أماناً أن استفيد من لحظة العراك و ألوذ بهرب سريع..
هربت و الذعر يضاعف سرعتي، كتب الله نجاتي، كما كتب أيضا مزيدا من الخيبات و العذاب..
تمرد يليق بك
ربما أهدأ قليلا في فسحة لا تطول .. ربما أنتزع استراحة محارب .. ربما أنحني للعاصفة حتى تمر .. و لكن لا استطيع أن أموت بصمت دون ضجيج .. عندما يريدون صمتي أمام المظالم، لا أستطيع أن أموت مكبودا أو مختنق..
لا أقبل أن يعترشني من يريد امتطائي كالحمار .. قلق التحدّي يجوس داخلي كالأسد في محبسه .. و إن غرقت بالصمت حينا، فالمدى داخلي مكتظ بالضجيج .. جلبة و صخب المعارك حامية تحتدم داخلي، و إن تغطت بوحشة الصمت، فوقت الصمت قصيرا لا يطول .. و لا يستريح ضميري حتى ينتصر..
و إن أصابتني حراب أوغاد، أو لداد الخصوم، فأنا الأسد الجريح .. لا أريد غابة لا أكون فيها الملك، و لا اريد أسد يموت في محبس الصمت المسيّج بالحديد .. و إن كان قضاء القدر قد قال فيك فصل الخطاب، فلا بأس للأسد الجريح اطلاق وجعه المحبوس من أعلى العرين، و إن كان جور قد قضاء بأن تذرع المكان في كل وقت كالأسد الحبيس، فاطلق زئيرك في المدى .. ايقظ شعبك النائم بزئير أسد لا يضام .. اطلق صوتك الجلل المهاب .. أكد وجودك الذي لا ينطفئ، و اشعل احتجاجك الذي لا يستكين، و ابلغ العالم أنك لازلت حيا لم تمت..
لدي ضميرا من قلق، و قلقي لا يروق الطغاة .. ضميري ينتصر على الأنا مهما أوغلت .. ضميري ينحاز للحق العظيم .. معاركي حامية في أعماقي و المدى، بين الأنا و الضمير الحي الذي لا يستكين .. في المعارك التي خاض الضمير رحاها، لطالما أنتصر الضمير .. ضميري أولا قبل الجميع، حتى و إن كنتُ فيه أنا .. ضميري يستصعب الصمت الجبان، في وجه ظلم العتاة و طغيان الطغاة .. عالم يموج بالألم الوخيم، و يوغل في التوحش كل يوم..
أشرب الماء بنكهة القرنفل .. و الحياة المملّحة بطعم التمرد .. و الإنجاز الشهي بالتميز، و التفرد باللذاذة .. تمرد على سلطة الأب التي تلغي من الحياة وجود، أو تستبيح كينونتك كما تشتهي .. حرر معالي الوعي من جب الحضانة .. تمرد على وصفات الغباء الجاهزة في المدرسة و الجامعة .. تمرد على الوهم الكبير، حتى لا تعيش مستلبا أو مقهورا ذليل..
إن وجدت الحق، أمسك به واستميت كالغريق .. اقبض عليه باليدين .. عض عليه بأسنانك و النواجذ .. لا تقبل إذعان و إرغام و طغيان .. لا تقبل من يلغي من الوجود وجودك .. لا تخاتل .. لا تساوم .. و لا تنازل عن حقوقك .. و لا تستمرئ الظلم يوما، حتى و إن حُشي بالعسل..
يتبع..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.