فتحت السفارات الأميركية كلها إلا السفارة اليمنية في صنعاء، ما يؤكد أن فرع القاعدة في اليمن ما زال يقضّ مضجع إدارة أوباما بالرغم من كثافة الغارات الجوية بطائرات من دون طيار الأميركية على إسلاميي القاعدة في الأنحاء اليمنية. أُعيد فتح البعثات الدبلوماسية الأميركية في أنحاء الشرق الأوسط منذ الأحد، في إجراء خفَّف من الإحساس بوجود خطر داهم، دفع إدارة أوباما إلى غلق السفارات، بعد اعتراض اتصالات بين قادة تنظيم القاعدة، أشارت إلى إعداد مخطط لاستهداف المصالح الأميركية في الخارج. لكن السفارة الأميركية في صنعاء هي الوحيدة التي ظلت مغلقة، ما أكد حجم التحديات التي تواجه أوباما في محاولته إنهاء الحملة التي بدأتها الولاياتالمتحدة منذ عشر سنوات ضد تنظيم القاعدة وفروعه، وإعادة النظر في استراتيجية مكافحة الإرهاب الأميركية. وردًا على أحدث تهديد للمصالح الأميركية في الخارج، وجّهت الولاياتالمتحدة وابلًا من الضربات الجوية، التي نفذتها طائرات بدون طيار في اليمن، لكن لا يُعرف مدى ما حققته هذه الغارات في إضعاف تنظيم القاعدة، الذي ما زال يشكل خطرًا مميتًا من فروعه التي تعمل بمبادرات خاصة بعد تزايد اللامركزية في هيكل القاعدة التنظيمي. ونفذت الولاياتالمتحدة تسع غارات بهذه الطائرات منذ 28 تموز (يوليو) الماضي، موسعة لائحة أهدافها إلى أبعد من كبار قادة القاعدة، الذين دأبت على القول إنهم الهدف الرئيس لهجماتها. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن خبراء في مكافحة الإرهاب ومسؤولين استخباراتيين أميركيين قولهم إن الجهل بفاعلية الغارات الأخيرة، التي نفذتها طائرات بدون طيار، هو تذكير بحدود القوة الأميركية وقدرة الولاياتالمتحدة على التعامل مع مجموعة التهديدات الأمنية الجديدة، التي أوجدها الربيع العربي، بما أحدثه من هزات في المنطقة العربية. نجوم صاعدة لكن اليمن ليس المصدر الوحيد لقلق الولاياتالمتحدة، بل أعرب مسؤولون أميركيون أخيرًا عن مخاوف متزايدة من تعاظم نفوذ فرع تنظيم القاعدة في سوريا، وعمليات اقتحام السجون، وتحرير مئات الإرهابيين في باكستان وليبيا والعراق، والعجز عن القبض على المتهمين بالضلوع في الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي خلال العام الماضي، وظهور ملاذ جديد في جنوب ليبيا للإرهابيين في عموم شمال أفريقيا وغربها. و قال النائب السابق لمدير وكالة المخابرات المركزية جون ماكلوفلن: "لدى الإرهابيين الآن أوسع منطقة من الملاذات الآمنة والتدريب العسكري منذ 10 سنوات". واعترف أوباما بهذه التحديات في مؤتمره الصحافي الأخير، مشيرًا إلى أن تنظيم القاعدة أصبح جماعات إقليمية، تشكل تهديدات خطيرة، بعد الضربات الموجعة، التي وجّهت إلى قيادته المركزية. وقال مسؤول أميركي رفيع المسنوى إن هذه التهديدات، وخاصة الأحدث عهدًا منها، ضد المصالح الأميركية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسعت دائرة الأفراد الذين يمكن استهدافهم في اليمن. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه: "قبل ذلك، لم نكن بالضرورة قادرين على استهداف سائق يعمل في التنظيم، بل كان يتعيّن أن يكون الهدف بمستوى مسؤول عمليات. أما الآن، فإن هذه السائق يصبح هدفًا مشروعًا، لأنه يقدم دعمًا مباشرًا للمؤامرة". وكشف المسؤول الأميركي أن الغارات الأخيرة في اليمن استهدفت نجومًا صاعدة في فرع القاعدة في اليمن. وقال "إنهم قد لا يكونون أسماء كبيرة في التنظيم، ولكنهم كانوا قادة المستقبل في القاعدة". وكانت غارات الطائرات الأميركية بدون طيار أثارت في السنوات الأخيرة ردود أفعال شعبية غاضبة ضد الولاياتالمتحدة في اليمن وباكستان، وفي عموم العالم الإسلامي، مؤدية إلى قرار أوباما الحدّ من هذه الغارات. الاختبار الصعب ويلاحظ محللون أمنيون أن أجهزة الاستخبارات العربية، التي كانت الولاياتالمتحدة تعتمد عليها سابقًا في دول مثل مصر وتونس واليمن، أوقفت تعاونها في غمرة الغليان السياسي، حارمه الاستخبارات الأميركية من مصدر معلومات ثمين وحلفاء موثوقين. وقال ماغنوس رانستورب، مدير الأبحاث في مركز دراسة التهديدات اللا متناظرة في كلية الدفاع الوطني السويدية في ستوكهولم: "إن الاستخبارات الأميركية فقدت نفوذها على شركائها الاستخباراتيين العرب بصورة جذرية نتيجة الصحوة العربية، والأشد مدعاة للقلق فقدان قدرتها الاستخباراتية الاستقصائية". وأضاف: "من دون استراتيجية أميركية طويلة الأمد، تبني قدرات في بلدان أساسية، فإن مكافحة الإرهاب ستُختزل عمليًا إلى معالجة الأعراض السطحية وإطفاء حرائق إرهابية لا تنتهي". لكن تطورات الأيام الماضية كانت اختبارًا صعبًا لقدرة الولاياتالمتحدة على مواجهة تهديدات، تنطلق الآن من رقعة شاسعة، تغطي مناطق واسعة في آسيا وأفريقيا، والشرق الأوسط بينهما. إضافة إلى مركز عمليات إقليمي جديد للقاعدة بدأ نشاطه في سوريا أخيرًا. فمع تدفق المقاتلين الأجانب على سوريا بأعداد متزايدة، يُقدر عددهم الآن بأكثر من 6000 مقاتل، أخذت الجماعات الجهادية تقتطع جيوبًا من الأرض، تصبح ملاذات آمنة للمتطرفين الإسلاميين. ونقلت نيويورك تايمز عن مسؤولين استخباراتيين أميركيين وغربيين أن هذا الواقع يتطور إلى واحد من أكبر التهديدات الإرهابية في العالم اليوم. واعترف أوباما بهذه الأخطار الناشئة، حين قال يوم الجمعة: "نحن لن نقضي على الإرهاب بالكامل، وما نستطيع أن نفعله هو إضعافه، وتقوية شراكاتنا، بحيث لا يشكل تهديدًا رهيبًا من النوع الذي شاهدناه في 11 أيلول (سبتمبر) 2001.