( لا ترتموا على نسائكم كالبهائم واجعلوا بينكم وبينهن رسولا.. “القُبْلَة” ) حديث شريف.. على مدار العصور كثيراً ما تحدث أهل العشق باختلاف طرائقهم على أن الحب عله وربطوا الدواء بأصل الداء فحيث كان سحر الشفاه الفاتن هو سبب السقام والسر في الغرام والهيام وحدها القبلة وجدناها العلاج الشافي والأمل الوحيد لهؤلاء المتيمين لتجنب خطر الوقوع في متاهات ما وقع فيه البهاء زهير القائل (شاموت لا شك عشقا) .. وفي وصف سحر الشفاه وبريق الثنايا وزلال الريق أجهد الشعراء خيالاتهم في استحضار الطيوف واستلهام الهواجس على امتداد تاريخ عشق الجمال حيث نالت المباسم والثغور الجميلة حظاً وافراً من الهفو والإشتهاء والتصوير العذب المقرون برغبة الوصل وظمأ الشوق لارتشاف خمر العناق من ثغر المحبوب الذي لم نجده دوماً سوى منتهى المنى وغاية القصد والمطلوب لجبر خاطر المحب المضنى وإطفاء نيران لهفة العاشق الولهان.. وفي هذا السياق لنا وقفة مع رواد شعر الغناء الصنعاني الذين تقاطرت كلماتهم الرقيقة عسلاً من شفاه الغيد وطارت هواجسهم المعطرة كالنحل لتجني رحيق الأماني من زهور مباسم الفاتنات.. صفوان القباطي - [email protected] محط الرحال من حيث تنتهي بالعاشق المفارق رغباته باغتنام مباهج فرحة اللقيا وهو ما ينطبق على الشاعر الحسين بن موسى الخراز الذي ازدهت أحلامه الظمأى مخاطبة شقيق القمر الباسم: ياشقيق القمر لو ساعدت فيك الأقدار .. باللقا والتداني أشهدك في السمر واسمعك صوت الأوتار.. باختلاف المعاني واجتلي في السحر خمر العنب بين الازهار.. في رياض التداني ليتنا اقبّلك واشتم عرفك والأوجان .. بعد رشف اللئالي ويتساءل ابن سناء الملك ناشراً شراع الشجن في حضرة المحبوب وبلسان من شارف على الهلاك بعد استفحال الداء وامتناع الحبيب عن التكرم بجرعة الدواء مستغيثاً : ليش تمنع وصالك يا حبيب.. من يحبك ولا يعشق سواك راقب الله وارجع عن قريب .. قبل يبلى جسيمه في هواك لست ألقى لدائي من طبيب .. غير رشفة هنية من لماك لو رأي حالي العاذل عذر.. حين ينظر جمالك والسنا ومن أجل شهد اللما تعذب المنايا لمدمني تقبيل مفاتن الخرد الغيد وليس ببعيد عنهم الواله الشيخ أبو بكر العيدروس عميد مذهب هواة القبلة مدفوعة الثمن الذي برع في وصف ما يختلج به فؤاده الخفاق ضمن اعترافه بالضعف أمام ساحرته رقيقة الأوصاف : ذا بطرفك زهر نرجس.. أو عسى هي ُحمرة العين ماء ونارٌ قد تجانس.. ألَّف الله بين ضدّين ولماك العذب الالعس.. قد مزج فيه شرابين شهد صافي ليس يدنس.. مع شراب لذّ إثنين بس يا محبوبتي بس.. ما على ذا الزين من زين يا بنفسج يا عرندس.. هل تهب قُبلة بألفين ألف مثقال مكيس .. في وصالك مثل فلسين ويتماهى العاشقون في تلذذهم بارتشاف معسول ما حوت ثغور الغواني .. لنرى ما انتهت اليه هواجس أبو بكر بن عبد الله المزاح في هذا الشأن.. يالذلك الريم.. كم حلا مذاقه مزجت بتسنيم.. خمرة اغتباقه إتركوني شاهيم .. في هوى عناقه وتلبية للطلب دعونا نترك المزاح يهيم في هوى عناق ريم أحلامه لنطرق باب شاعر آخر تبتل في محراب النشوة وأعادته الذكرى إلى أحضان مسكي المفارق.. مع محمد السودي سنرى أي خمر يسلب عقل الحكيم اللبيب ويجعله في غنى عما حوته بطون القناني والدنان: غنَّى على نايف البواسق .. مطوّق في دجى الظلام وذكر العاشق المفارق .. عن جيرة الرند والخزام وبات نوم العيون طالق .. النوم على من عشق حرام واشتقت إلى مسكي المفارق.. عذب اللَّما دُرِّي النظام قد حَل في خده الوسيم.. النار والثلج والنعيم. والكل في ذا وذا مقيم وفي بديده رحيق رائق .. يغنيك عن قرقف المدام وفي قصيدة أخرى ضمنها هذه الوصية يعود السودي متحدثاً بنبرة الخبير المجرب وناصحاً بلهجة الأمر.. من لم يذق طعم الهوى تعذّب .. طول الزمان مر الهوى من كل عذب أعذب .. تركه هوان فاشرب سلاف الأكرمين واطرب .. تلقى الأمان واترك كلام العاذلين أجمع .. كُلِّه عيوب يتبع في العدد القادم..