في لحظة سياسية بالغة التعقيد، داخليًا وخارجيًا، يخرج الفريق سلطان السامعي عن صمته، ليكاشف اليمنيين بحقائق صادمة حول من يحكم فعليًا، ومن يختطف القرار السياسي والاقتصادي في العاصمة صنعاء. في حوارٍ استثنائي مع "قناة الساحات"، لا يتردد عضو المجلس السياسي الأعلى في إعلان الموقف بصراحة لافتة، واضعًا يده على مكامن الخلل، ونافخًا في جمر ملفات مسكوت عنها: من تغوّل الفساد، إلى تهميش الحكومة، مرورًا بتهريب رؤوس الأموال، ووصولًا إلى المخاطر الأمنية والاقتصادية التي تهدد ما تبقى من الدولة. لم يكتفِ السامعي بتوصيف الأزمات، بل سمّى الفاسدين، وانتقد السياسات العشوائية، محذرًا من انهيار شامل إن لم تتدارك القيادة الموقف. وفي الجانب الإقليمي، أكد دعمه لخيار المقاومة، وكشف عن موقفه من مؤتمر "حل الدولتين"، والدور الإقليمي لكل من إيران، تركيا، ومصر. كما دعا إلى مصالحة وطنية حقيقية. هي ليست مقابلة بروتوكولية، بل شهادة سياسية ومكاشفة وطنية، تستدعي الوقوف أمامها مليًا، خصوصًا وأنها تصدر عن مسؤول رفيع ما يزال في موقعه، لكنه يبدو أقرب إلى ضمير الدولة منه إلى صمتها الرسمي. فيما يلي نص الحوار الكامل، الذي اداره الزميل صلاح حيدره، ويعيد" يمنات" نشره حل الدولتين بداية، كيف تقيّمون مؤتمر "حل الدولتين" الذي رعته السعودية وفرنسا؟ وهل يمثل بارقة أمل حقيقية؟ الفريق السامعي: حل الدولتين ليس جديدًا، وهناك قرارات كثيرة للأمم المتحدة بهذا الشأن، وقمة بيروت أيضًا تبنّت هذا الحل. نحن مع قيام دولة فلسطينية على أرض فلسطين لا خارجها. إذا صدقت النوايا لدى المنظّمين، فهذه خطوة صحيحة، خصوصًا بعد كل ما رأيناه من إبادة وتنكيل في غزة. هناك من يصف المؤتمر بأنه "مسكن دولي" لتفريغ الغضب العالمي والعربي، ما رأيكم؟ الفريق السامعي: لا يمكن الجزم بما يُدار في الخفاء، لكن إن كانت هناك جهود جدية من قِبل الدول المؤثرة، وعلى رأسها أمريكا والسعودية وفرنسا، وتم الضغط الحقيقي على الكيان الصهيوني، فحينها يمكن الحديث عن نتائج ملموسة. الاعتراف بفلسطين كيف تنظرون إلى مواقف الدول الغربية، مثل كندا وفرنسا وبريطانيا، والتي أعلنت نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟ الفريق السامعي: هذا التطور مهم. للأسف، الدعم الشعبي في أوروبا وأمريكا للقضية الفلسطينية تجاوز بكثير الدعم الموجود في بعض الدول العربية. اليمن وتونس وبعض الدول المغاربية حافظت على حضورها، لكن الاستمرارية الحقيقية رأيناها في الغرب. خليل الحية دعا ليوم غضب عربي، ووجّه انتقادات للنظامين المصري والأردني.. هل ترى هذا مؤشراً على قطيعة؟ الفريق السامعي: الاتفاقات الرسمية موجودة بين مصر والأردن والكيان الصهيوني، لكن الشعب المصري تحديدًا، والجمعيات هناك، قدموا دعمًا كبيرًا لغزة. المعابر تُفتح من جانب مصر، لكن الاحتلال هو من يغلقها. من ينكر دور مصر فهو مخطئ، ومصر كانت ولا تزال في صف القضية الفلسطينية. موقف مخادع وماذا عن موقف تركيا؟ الفريق السامعي: موقفها مخادع. تركيا تلعب على وتر مزدوج؛ تقول إنها مع فلسطين، لكنها في الواقع تدعم إسرائيل بالمواد الغذائية والوقود، وتُجري معها اتفاقات اقتصادية مستمرة. النظام التركي الحالي يخدم المشروع الصهيوني، وهو امتداد لحركة الإخوان المسلمين التي لم تخدم يومًا قضايا الأمة بل مزّقتها. محور المقاومة يلاحظ أن المحيط الجغرافي القريب من الكيان الصهيوني أكثر تعاونًا معه من الدول البعيدة. ما تفسيركم لهذا المشهد؟ الفريق السامعي: استمرار محور المقاومة أصبح ضرورة، بل واجب ديني وإنساني. لا نعوّل على الأنظمة، بل على أحرار الأمة، سواء في مصر أو اليمن أو غيرها. من العار أن تُموَّل إسرائيل من جيرانها، بينما شعوب بعيدة في الجغرافيا أقرب في الموقف والمبدأ. غزة هل بات وقف الحرب في غزة قريبًا؟ الفريق السامعي: أعتقد ذلك. وقف الحرب ضرورة إنسانية، لكنه يجب أن يرتبط بإقامة الدولة الفلسطينية حتى لا تتكرر المجازر. القضية الفلسطينية عادت للواجهة الدولية، وهذا مكسب كبير رغم حجم الخسائر. دور ايران ماذا عن إيران؟ هل تراجع دورها الإقليمي؟ الفريق السامعي: إيران ليست وحدها المستهدفة، كل المنطقة في دائرة الخطر. إذا سقطت إيران، فالدور سيأتي على السعودية والخليج. إيران قوية، وهذا في مصلحة الأمة، حتى لو اختلف البعض معها. محاولات إسقاطها تصب في خدمة المشروع الصهيوني. خط أحمر حزب الله.. هل نحن أمام مواجهة جديدة بعد تصريحات الشيخ نعيم قاسم؟ الفريق السامعي تصريحاته كانت واضحة وحاسمة: السلاح "خط أحمر"، وتسليمه يعني تسليم رقاب كل اللبنانيين. السلاح بيد المقاومة هو درع لبنان، ولا يمكن التفريط به قبل انسحاب الكيان الصهيوني. موقف صنعاء صنعاء.. كيف تتفاعل مع كل هذه التغيرات الإقليمية؟ الفريق السامعي: نحن جزء من المنطقة، وموقفنا من دعم فلسطين ثابت. القيادة الثورية بقيادة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وشعبنا، على قلب رجل واحد في دعم القضية الفلسطينية ومواجهة المشروع الصهيوني. المصالحة الوطنية دعوتم مراراً إلى مصالحة وطنية يمنية شاملة، لكن كثيرين وصفوا هذه الدعوة بأنها "مثالية وغير واقعية". ما ردكم؟ الفريق السامعي: بعد عشر سنوات من الحرب، لا منتصر. لا نحن دخلنا عدن، ولا هم دخلوا صنعاء. يجب أن نعود إلى طاولة الحوار، ونتشارك في بناء دولة واحدة، من المهرة إلى صعدة. إذا لم نتصالح، فالوضع سيزداد سوءاً، والناس بلغوا حداً لا يُطاق. المصالحة ليست رفاهية، بل ضرورة وجودية. هل هناك استعداد حقيقي لديكم للمصالحة؟ الفريق السامعي: نعم، ودون شروط مسبقة. ندعو لإطلاق مبادرة سياسية داخلية، أو برعاية دول إقليمية محايدة. نحن جاهزون لذلك، ومستعدون للجلوس مع الجميع، لأن المعركة الحقيقية ليست داخلية، بل في مواجهة المشروع الصهيوني والاستعماري. ورسالتي لكل الأطراف اليمنية: كفى حربًا، كفى تمزقًا. لننقذ ما تبقى من الوطن، ولنقف صفًا واحدًا في وجه العدو الحقيقي..أما لفلسطين، فأنتم لستم وحدكم، والأمة ستنهض لا محالة. من يحكم صنعاء..؟! سيادة الفريق، دعنا نبدأ بهذا السؤال المباشر: من يحكم فعليًا هنا في صنعاء، في هذه المناطق؟ الفريق السامعي: بصراحة، لا نعرف من يحكم. المجلس السياسي الأعلى – وأنا أقول هذا الكلام جازمًا – مجلس شكلي، لا يملك من الأمر شيئًا. لا نحكم. نحن عاجزون حتى عن القبض على فاسد واحد ينهب ويسرق المليارات، بينما الناس تعاني الجوع. الشعب أقوى على من تعوّلون إذًا في محاسبة الفاسدين؟ الفريق السامعي: على الشعب. هو أقوى من كل قوة. سيأتي اليوم الذي يُحاسب فيه الفاسدون، الذين دخلوا حفاة عراة واليوم يمتلكون أكبر الشركات، وينهبون الوكالات والتجارة باسم الشرعية الزائفة. مهربون اصبحوا تجار في جلسة لمجلس النواب تحدّثم عن دور وزارة الاقتصاد. هل تعتقد أن هناك قرارات مشبوهة أضرت بالاقتصاد الوطني؟ الفريق السامعي: نعم. تم تعيين وزير تجارة سابق تسبب بكارثة، وبتوجيهات مشبوهة، عمل على تطفيش كبار التجار وتسليم الوكالات لتجار جدد – معظمهم مهربون وأقارب – جلبوا بضائع مقلدة، بينما تم منع دخول البضائع الأصلية. كلام فارغ يُقال إن الهدف من هذه السياسات هو دعم الصناعات العسكرية؟ الفريق السامعي: هذا كلام فارغ. الصناعات العسكرية تُمول من الدخل العام – الضرائب والجمارك وغيرها. لا تحتاج الدولة لابتزاز التجار لتمويل الدفاع. بل على العكس، عندما تُهاجر رؤوس الأموال، يضعف الاقتصاد، وهذا ما يحصل اليوم. أكثر من 150 مليار دولار خرجت من البلد إلى دول مثل السعودية، عمان، مصر، والحبشة. خدمة العدوان ما هو تعليقكم على تبرير البعض أن القرارات الاقتصادية ضرورية لظروف الحرب؟ الفريق السامعي: هم يريدون استبدال التجار الوطنيين بمهربين جدد. هذا التوجه يخدم العدوان، ولا يخدم لا الوطن ولا أنصار الله ولا السيد القائد. ونعلم أن السيد عبد الملك الحوثي لا يرضى بهذه التصرفات. اختراق طيب، إذا كانت الأمور بهذه الخطورة، لماذا لا يُحاسب هؤلاء عبر الأجهزة الأمنية؟ لماذا لا يتم تقديمهم للعدالة؟ الفريق السامعي: أعتبر هذه المقابلة بلاغًا عامًا للنائب العام وكل الجهات المعنية. من هجّر رأس المال الوطني يجب أن يُحاسب. أما الأجهزة الأمنية، فبعضها تعمل، وبعضها مخترقة، وبعضها تستخدم للاشتباه والمماحكات، وليس لمكافحة الفساد الحقيقي. هل تعتقد أن هناك اختراقًا أمنيًا في صنعاء؟ الفريق السامعي: نعم، وأؤكد أن الاختراق الموجود في صنعاء اليوم ربما يفوق ما حدث في إيران أو في حزب الله. أحذر وأدعو قيادة السيد عبد الملك والمخابرات أن ينتبهوا لهذا. البعض يتهمكم بإثارة الفتن بدلًا من التهدئة، في وقت الجميع يدعو للاستفاف الوطني، وأنكم تصفون مؤسسات الدولة بالفشل والتقصير. هل أنتم راضون عن الأداء الرسمي؟ الفريق السامعي: أنا لا أرش الزيت على النار، أنا أرش الماء. النار من داخل مؤسسات الدولة، من المزروعين في مفاصلها، الذين يظلمون الناس ويشعلون الفتن ويشوهون صورة أنصار الله والقيادة الثورية. جهاز رقابة نائم ما رأيكم في دور جهاز الرقابة والمحاسبة؟ ولماذا لا يُفعّل؟ الفريق السامعي: الجهاز نائم منذ 2017، لم يحاسب أحدًا. بل يرى فسادًا أشد مما كان في الماضي، ويمر عليه مرور الكرام. أناشد السيد القائد أن يُصدر توجيهات لتفعيل هذا الجهاز وكل أجهزة الرقابة، لأن الفساد والظلم في ازدياد. حاكم خفي ماذا عن مبادرة مكافحة الفساد التي أُطلقت سابقًا تحت مظلة "خدمة الجمهور"؟ الفريق السامعي: المبادرة جيدة، لكننا لا نحكم، ولا نعرف من يصدر القرار. وأحذر هذا الحاكم الخفي: إذا لم يُصلح، سيسقط السقف على رؤوس الجميع. حكومة مقيدة وماذا عن الحكومة الجديدة؟ هل ترى أنها قادرة على تقديم شيء؟ الفريق السامعي: الحكومة مقيدة. أول قرار صدر بعد تشكيلها هو عدم التغيير في المواقع. حتى الآن لم يتم الدمج الذي تحدثوا عنه. لن يتم، لأن الفاسدين ممسكون بمفاصل الدولة. والوزراء لا يستطيعون التحرك، لأن من تحتهم يلغون قراراتهم. دمج غير مدروس هل يعني هذا أن قرار دمج مؤسسات مثل الضرائب والجمارك غير مدروس؟ الفريق السامعي: طبعًا غير مدروس. أنا ضد هذا الدمج. الضرائب يجب أن تبقى مؤسسة مستقلة، وكذلك الجمارك. لأنهما أهم مصدرين للدخل. ما يحدث الآن هو تخريب إداري ومالي غير مسبوق. فتح الطرق ننتقل إلى الملف الإنساني، خصوصًا في تعز. وجهتم دعوة لفتح الطرق وتوفير المياه. هل هذه الدعوات تهدف للتمهيد لمصالحة ما؟ الفريق السامعي: أنا من 2017 أدعو لفتح كل الطرق – في تعزوعدن ومأرب والضالع. ما الذي يمنع؟ كل يوم تقع الحوادث بسبب الطرق الجبلية الوعرة. فتح الطرق يقلل كلفة النقل ويخفف من معاناة المواطنين. ازمة مياه تعز وماذا عن أزمة المياه في تعز؟ الفريق السامعي: كنا مستعدين لضخ المياه من مناطق التماس إلى المدينة، والمنظمات ستدفع كلفة الديزل. الطرف الآخر رفض تأمين المنطقة. لا نعرف لماذا. أنا مع أن يُضخ الماء للمواطنين لا أن يُباع لزراعة القات. امكانية المصالحة في موضوع المصالحة، هل ما زالت ممكنة بعد هذه السنوات من الحرب؟ الفريق السامعي: أنا أدعو لمصالحة وطنية شاملة، من المهرة إلى صعدة. الإيمان بالمصالحة هو نصف الطريق نحو النجاح. القوى الدولية تعبث بالوطن، والمصالحة هي السبيل الوحيد لإنهاء النزاعات. نموذج هل كنتم تعتقدون أن تعز يمكن أن تكون نموذجًا لهذه المصالحة؟ الفريق السامعي: نعم، كنت ضد دخول أنصار الله للمدينة عسكريًا. تعز لكل اليمنيين. الإصلاح هم من أشعلوا الفتنة، رغم الاتفاق مع شوقي هائل. نهبوا كل شيء، حتى سيارات القمامة! اداء الاعلام سؤال أخير... تقييمكم لأداء الإعلام اليمني تجاه غزة؟ الفريق السامعي: الإعلام في صنعاء أدى دورًا جيدًا. حتى بعض القنوات في الخارج وقفت مع غزة، مثل المهرية. لكن الشعب هو صاحب الموقف الحقيقي، شمالًا وجنوبًا، الكل مع فلسطين. اعدام أحمد علي تعليقكم على الحكم الصادر بإعدام أحمد علي عبد الله صالح؟ الفريق السامعي: قرار سياسي في توقيت خاطئ. نحن ندعو للمصالحة لا لصب الزيت على النار. شخصيًا، أنا لست عفاشي، بل كنت خصمًا لعلي عبد الله صالح لثلاثين سنة، لكن هذا قرار غير حكيم في هذا الظرف. لملمة الصف في الختام، ما الرسالة التي تود توجيهها؟ الفريق السامعي: أدعو اليمنيين أن نلملم الصف، نقيم دولة واحدة عادلة يتشارك فيها الجميع. يكفينا حربًا وتفككًا.