غازي الجابري ربما يبدو للوهلة الأولى أن الحالمين في ظل الظروف الصعبة مجرد مجانين، وفي أحسن الأحوال مجموعة من السُذّج الذين لا يفهمون ما يحدث على أرض الواقع. لكن في الحقيقة هذه نظرة عجلى وسطحية بالأساس، وإذا أردنا أن نعرف لماذا، فعلينا أن نأخذ رأي الجهة الأخرى، رأي من يرون أنه لا فائدة مرجوة، ولا يوجد أي أمل في حدوث أي تغيير مهما حاولنا، ماذا يقدم هؤلاء بهذه الواقعية الرثّة التي يتحدثون بها؟ ماذا يفعلون برصدهم للواقع وإعلان صعوبته وعدم القدرة على تجاوزه ولو بعد ألف عام؟ إنهم أشبه بتجلط الدم، يُعيقون حركة المجتمع في الوقت الذي يعتقدون أنهم أكثر أبنائه وعيًا. لأن تصورهم مجرد رصد للواقع، حتى وإن كان رصدًا مُصيبًا، إلا أنه لن يغير من الأمر شيئًا. أما إذا انتقلنا إلى جهة الحالمين، ولا أقصد بالحالمين من ينفصلون عن الواقع تمامًا، ولكن أقصد بالحالمين هنا من يعرفون حقيقة الأمر على أرض الواقع، لكنهم لا يستسلمون للوضع القائم، ويأملون في التغيير ويسعون نحوه دائمًا، وإذا ضربهم الإحباط يستحضرون دروس التاريخ كي تشحن نفوسهم نحو المستقبل، يشاهدون كيف خرجت أمم وحضارات من قاع التخلف والجهل والاستبداد لتجلس على رأس الأمم. هؤلاء هم صانعو المستقبل، أما من يدّعون الواقعية فلن يفعلوا شيئًا سوى تعطيل المسيرة في الغالب.