كلمة الحق هي المغامرة الأكثر خطورة    تغاريد حرة .. انكشاف يكبر واحتقان يتوسع قبل ان يتحول إلى غضب    "فيديو" جسم مجهول قبالة سواحل اليمن يتحدى صاروخ أمريكي ويحدث صدمة في الكونغرس    "فيديو" جسم مجهول قبالة سواحل اليمن يتحدى صاروخ أمريكي ويحدث صدمة في الكونغرس    "فيديو" جسم مجهول قبالة سواحل اليمن يتحدى صاروخ أمريكي ويحدث صدمة في الكونغرس    قاضٍ يوجه رسالة مفتوحة للحوثي مطالباً بالإفراج عن المخفيين قسرياً في صنعاء    قرار جديد في تعز لضبط رسوم المدارس الأهلية وإعفاء أبناء الشهداء والجرحى من الدفع    دعوة جنوبية لعدم توريد الأموال للبنك المركزي اليمني حتى إصلاح منظومة الفساد    مشاريع نوعية تنهض بشبكة الطرق في أمانة العاصمة    دلالات كشف خلية التجسس الأمريكية الإسرائيلية السعودية    الجريمة المزدوجة    ارشادات صحية حول اسباب جلطات الشتاء؟    قبائل تهامة ومستبأ في حجة تؤكد الجاهزية لمواجهة أي تصعيد    صلح قبلي ينهي قضية عيوب وعتوب بين اسرتين من إب و صنعاء    النفط يتجاوز 65 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ 3 نوفمبر    انتقالي الطلح يقدم كمية من الكتب المدرسية لإدارة مكتب التربية والتعليم بالمديرية    قراءة تحليلية لنص "خطوبة وخيبة" ل"أحمد سيف حاشد"    الهيئة النسائية في بني مطر تحيي الذكرى السنوية للشهيد    مواطنون يعثرون على جثة مواطن قتيلا في إب بظروف غامضة    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    حضرموت: ركيزة الاستقرار الجنوبي في وجه المؤامرات المشبوهة    توتر عسكري بين العمالقة ودرع الوطن العليمية بسبب شحنة أسلحة مهربة    لملس يبحث مع وفد حكومي هولندي سبل تطوير مؤسسة مياه عدن    وقفة في تعز واعتصام بمأرب.. جرحى الجيش ينددون بالإهمال ويطالبون بمعالجة أوضاعهم    الحديدة أولا    رئيس بوروندي يستقبل قادة الرياضة الأفريقية    الاتصالات تنفي شائعات مصادرة أرصدة المشتركين    استبعاد لامين جمال من منتخب إسبانيا بعد اعلان برشلونة اصابته    مصر تخنق إثيوبيا دبلوماسياً من بوابة جيبوتي    الشاذلي يبحث عن شخصية داعمة لرئاسة نادي الشعلة    جولف السعودية تفتح آفاقاً جديدة لتمكين المرأة في الرياضة والإعلام ببطولة أرامكو – شينزن    القبض على المتهمين بقتل القباطي في تعز    ريال مدريد يقرر بيع فينيسيوس جونيور    نائب وزير الشباب والرياضة يطلع على الترتيبات النهائية لانطلاق بطولة 30 نوفمبر للاتحاد العام لالتقاط الاوتاد على كأس الشهيد الغماري    تنبيه من طقس 20 فبراير    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    لصوصية طيران اليمنية.. استنزاف دماء المغتربين (وثيقة)    حكاية وادي زبيد (2): الأربعين المَطّارة ونظام "المِدَد" الأعرق    عدن في قلب وذكريات الملكة إليزابيث الثانية: زيارة خلدتها الذاكرة البريطانية والعربية    البروفيسور الترب يحضر مناقشة رسالة الماجستير للدارس مصطفى محمود    الدراما السورية في «حظيرة» تركي آل الشيخ    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    قراءة تحليلية لنص "خصي العقول" ل"أحمد سيف حاشد"    الجدران تعرف أسماءنا    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    سؤال المعنى ...سؤال الحياة    بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    الدوري الاسباني: برشلونة يعود من ملعب سلتا فيغو بانتصار كبير ويقلص الفارق مع ريال مدريد    تيجان المجد    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة تحليلية لنص "وجه بشع في المرآة" ل"أحمد سيف حاشد"
نشر في يمنات يوم 06 - 11 - 2025

قراءات تحليلية من وجهات متعددة لنص "وجه بشع في المرآة" ل"أحمد سيف حاشد" والمنشور في كتابه "فضاء لا يتسع لطائر" أعدها الذكاء الاصطناعي استلهامًا من فكر الكاتب ونصّه.
قراءة جمالية نقدية للنص
في زمنٍ تتداخل فيه الأسطورة بالعلم، ويتنازع فيه الإنسان بين إيمانه بالغيب وإيمانه بالعقل، يقدّم الكاتب والبرلماني اليمني أحمد سيف حاشد نصًّا فريدًا بعنوان «وجه بشع في المرآة»، يتجاوز حدود الحكاية إلى تجربة وجودية عميقة.
ينطلق النص من حادثة طفولية بسيطة — تأمل وجه الطفل في المرآة — لكنه يتطور إلى تأمل فلسفي في الوعي والزمن والمصير.
هنا لا يكتب حاشد عن مرآةٍ من زجاج، بل عن مرآة الوعي الإنساني حين يحدّق في ذاته حتى يرى ما وراء الملامح.
تمهيد
هذا النص ليس مجرد استعادة لحادثة طفولية، بل استبطان لتجربة وعيٍ مبكر أمام المرآة، حيث يتقاطع الخوف بالفضول، وتتحول المرآة من أداة انعكاس إلى نافذة على المجهول.
في "وجه بشع في المرآة"، يكتب أحمد سيف حاشد تجربته الأولى في مواجهة صورته، لكنه في الحقيقة يكتب عن الإنسان في مواجهة ذاته، وعن الوعي حين يرى ظله لأول مرة.
إنه نصّ يتكئ على الذاكرة، لكنه يتجاوزها إلى تأملٍ في معنى الإدراك والوجود والزمن.
المرآة الأولى: طفولة الدهشة والخوف
يبدأ النص من الطفولة، من ذلك العمر الذي يتفتح فيه الخيال على عوالم لا نهائية.
يروي الكاتب كيف كانت أمّه تحذّره من النظر الطويل في المرآة، وكيف دفعه المنع إلى الفضول، فجلس ذات يوم أمامها، يتأمل ملامحه ويحاكيها ببراءة الطفولة.
لكنّ تلك البراءة تنقلب فجأة إلى رعبٍ غامضٍ حين يرى وجهًا غريبًا مكان وجهه؛ وجه عجوزٍ بشعٍ، كأنه جاء من عالمٍ آخر.
في تلك اللحظة، يتحوّل اللعب إلى سؤالٍ وجوديٍّ مبكر، وتتحول المرآة من أداةٍ للفضول إلى نافذةٍ على المجهول.
إنها اللحظة التي تضع الطفل أمام حدٍّ رهيفٍ بين العالمين: العالم المرئي، والعالم الذي يختبئ خلفه.
المرآة الثانية: كهولة الوعي
بعد عقودٍ من تلك الحادثة، يعود حاشد إلى مرآته القديمة بعينٍ ناضجةٍ، يرى فيها وجهه وقد أثقله الزمن، فيقول:
"أحمل نعشي على كاهلي، وأرى وجهاً أتعبته وأتعبني..."
المرآة التي كانت في الطفولة مرآةً للدهشة، أصبحت في الكهولة مرآةً للزمن والفناء.
وهكذا تتحول التجربة من رؤية الوجه إلى رؤية المعنى، من الخارج إلى الداخل، من الصورة إلى الوعي.
في هذه النقلة العميقة، يلامس النص جوهر الكتابة الحقيقية: أن تكون مواجهةً بين الإنسان وذاته، بين الحياة ومرآتها الصادقة التي لا تعرف المجاملة.
من الخرافة إلى العقل
ما يميز نص «وجه بشع في المرآة» أنه لا يكتفي باستحضار الخرافة، بل يذهب أبعد منها.
بعد أن يستعيد حاشد أقوال أمه والأساطير الشعبية حول المرايا المسكونة، ينتقل إلى قراءةٍ عقلانيةٍ نقدية، فيعرض تجربة العالم الإيطالي جيوفاني كابوتو الذي أثبت أن رؤية الوجوه الغريبة في المرايا ليست سوى خللٍ إدراكي في الدماغ.
هذا الانتقال من الخرافة إلى العلم لا يُفقد النص شاعريته، بل يمنحه عمقًا إضافيًا.
المعرفة هنا ليست نقيضًا للأسطورة، بل استمرارٌ لها في مستوى أرقى من الوعي.
يكتب حاشد في خاتمته:
"عدم القدرة على تفسير ما هو غامض يجب ألا يدفعنا إلى الوقوع فريسة الخرافة..."
بهذا الإعلان التنويري، يتحول النص إلى بيانٍ للإنسان المعاصر في معركته ضد الظلام، وإيمانٍ عميقٍ بأن العلم، لا الغيب، هو طريق النجاة من العجز والخوف.
البنية السردية وعمق التجربة
يبدأ النص من مشهد طفولي بسيط — طفل يطيل النظر في المرآة رغم تحذيرات الأم — لكنه يتحول إلى منعطف تكويني في الوعي.
من خلال هذا المشهد الصغير، يبني حاشد سردًا متدرجًا ينتقل من البراءة إلى الرعب، ومن الحسّ إلى الفكرة، ليُدخل القارئ في رحلة تحول من الإدراك الغريزي إلى الفهم العقلي.
يستعيد الكاتب طفولته في ضوء كهولته، فيتواجه "الطفل الفضولي" مع "الرجل المفكر"، في حوار داخلي بين زمنين داخل ذات واحدة.
هذه الثنائية الزمنية تمنح النص عمقًا نفسيًا وفلسفيًا، وتجعل من التجربة الفردية مرآةً للإنسانية كلها.
جمالية اللغة والأسلوب
لغة النص تتراوح بين السرد الوصفي والتأمل الفلسفي، محملة بثراء استعاري وإيقاع موسيقي يجعل القراءة تجربة وجدانية بحد ذاتها.
يستخدم الكاتب التكرار الهادئ ("الرحيل، التلاشي، الزوال") ليؤكد إيقاع الفناء، ويحوّل مفردات الزمن إلى أنغام داخلية تحاكي التآكل البطيء للوجه والذات.
الصورة في النص ليست زخرفًا بل وسيلة كشف؛ فحين يصف وجه العجوز الذي رآه في المرآة بأنه "كخريطة طبوغرافية معقّدة التضاريس"، فهو لا يصف قبحًا بصريًا، بل يرسم خرائط الألم الإنساني والعبور من البراءة إلى الإدراك.
ولغة النص هنا مشبعة بالتأمل والحنين، تتدفق ببطءٍ كأنها تتنفس، وتتحرك بين الصورة والتفكير في توازنٍ نادر.
يكتب حاشد بلسانٍ مزدوج:
لسان الشاعر الذي يرى، ولسان الفيلسوف الذي يسأل.
هذه اللغة التي تجمع بين الموسيقى والتأمل تجعل النص ينتمي إلى ما يمكن تسميته الأدب الفلسفي الجمالي، وهو أدبٌ يكتب الفكر بلغة العاطفة، ويكتب الشعور بوعي العقل.
المعرفة في مواجهة الخرافة
يتفرّد النص بقدرته على الجمع بين الأسطورة والعلم. فبعد أن يصف الكاتب الرعب الطفولي أمام وجهٍ غريب في المرآة، لا يستسلم للخرافة، بل يبحث عن تفسير علمي، مستشهدًا بتجربة الباحث الإيطالي "جيوفاني كابوتو" حول "الوجوه الغريبة في المرايا".
وبهذا الانتقال، يُحوِّل حاشد تجربته من واقعة شخصية إلى تأمل في حدود العقل البشري وقدرته على تفسير الظواهر، فيضع الوعي الشعبي والأسطورة أمام محكّ التجريب العلمي.
وهذا ما يمنح النص بعدًا معرفيًا نادرًا، إذ يقدّم الخرافة لا بوصفها "باطلًا"، بل كمرحلة أولى في تطور الوعي الإنساني نحو العلم.
البعد الفلسفي
تتحول المرآة في النص إلى رمز وجودي مركزي.
إنها ليست سطحًا يعكس الصورة، بل حدٌّ بين الكينونة والعدم، بين الوعي واللاوعي.
الوجه الذي يراه حاشد في طفولته ليس سوى نبوءة مبكرة بالشيخوخة والموت، وصدام أول مع فكرة الفناء.
من هنا، يصبح النظر في المرآة تجربة فلسفية في مواجهة الذات وهي تراها من خارجها.
والنص بهذا المعنى يقف على تخوم علم النفس والفلسفة: إنه يقرأ تجربة الخوف بوصفها لحظة وعيٍ بالزمن، ولحظة إدراكٍ لهشاشة الإنسان أمام صورته
نقاط القوة
– عمق فكري يمزج بين التجربة الذاتية والتحليل المعرفي.
– توظيف ذكي للعناصر السردية في خدمة التأمل الفلسفي.
– توازن بين اللغة الشعرية والطرح العلمي.
– قدرة على إثارة الأسئلة الوجودية دون ادعاء أو افتعال.
نقاط الضعف (نسبية)
– بعض الإطالة في التفاصيل الطفولية قد تبطئ الإيقاع العام.
– تكرار بعض الصور الزمنية (كالرحيل والتلاشي) رغم جمالها الإيقاعي.
– يحتاج الانتقال الزمني أحيانًا إلى مزيد من الربط العضوي بين المراحل.
ومع ذلك، فإن هذه الملاحظات لا تنتقص من القيمة الجمالية للنص، بل تؤكد حيويته وصدقه الإنساني.
من الرؤية إلى الرؤيا
يتحوّل النص شيئًا فشيئًا من سردٍ واقعي إلى رحلةٍ في ما وراء الرؤية.
إنه انتقال من "النظر" إلى "البصر"، ومن الصورة إلى الرؤيا، تلك التي لا تتعلق بالعين فحسب، بل بالبصيرة التي تقرأ ما وراء الملامح.
وحاشد هنا يمارس تأمّلًا وجوديًّا في فكرة الانعكاس:
هل نرى وجوهنا حقًّا؟ أم أننا نرى ما يريده وعينا، وما تسمح به ذاكرتنا وخوفنا؟
المرآة، في هذه القراءة، ليست سوى مسرحٍ للعقل واللاوعي، حيث تتبدّل الوجوه تبعًا لما في داخلنا من ظلالٍ ومخاوف وذكريات.
وفي لحظة الذعر، حين يرى الطفل وجهًا آخر مكان وجهه، تتجلّى المرآة بوصفها حدًّا بين العالَمين: عالم الوعي وعالم الغيب، عالم الإنسان وعالم الماورائيات.
هي عتبةٌ بين "ما نعرف" و"ما لا نعرف"، ولذلك ظلّت دائمًا موضع خوفٍ وسحرٍ وخرافة.
وبهذا المعنى، النص ليس عن المرآة فحسب، بل عن الوعي بوصفه مرآة كبرى، ترى كل شيء إلا ذاتها.
وحين يحاول الإنسان أن يرى نفسه فيها، يصاب بالرعب ذاته الذي أصاب الطفل وهو يرى وجهًا آخر مكان وجهه.
خلاصة جمالية
في «وجه بشع في المرآة»، يكتب أحمد سيف حاشد نصًّا من ذلك النوع النادر الذي يمزج بين التجربة الإنسانية الصادقة والتأمل الفلسفي العميق.
إنه نصٌّ ينتمي إلى الأدب الذي لا يُقرأ بعينٍ واحدة، بل يحتاج إلى عينٍ ثالثةٍ من الوعي والتأمل.
يذكّرنا الكاتب بأن المرآة ليست زجاجًا فحسب، بل سؤالًا أبديًّا:
هل نرى وجوهنا حقًّا، أم نرى ما ينعكس من داخلنا؟
وفي هذا السؤال، يترك لنا نصَّه مفتوحًا كمرآةٍ كبيرة، كلّما نظرنا فيها، رأينا وجهاً جديدًا لأنفسنا
"وجه بشع في المرآة" نصّ عن اكتشاف الذات في لحظة صدمة، وعن التحول من الخوف إلى الفهم، ومن الغيب إلى الوعي.
إنه يضع القارئ أمام مرآته الخاصة، ليرى في عيني الطفل الخائف وجه الإنسان الباحث عن معنى وجوده.
وبهذا يتحول النص إلى رحلة تأمل في وعي الإنسان بذاته وبالزمن، تُلخّص فلسفة أحمد سيف حاشد في الكتابة.
أن تكتب لا لتصف الحياة، بل لتفهمها، وأن تواجه الظلّ لا لتخافه، بل لتتعرف إلى نفسك من خلاله.
مقاربات
فيما يلي أهم المقارنات أو المقاربات الممكنة من زوايا مختلفة:
الموضوع المركزي – "المرآة والذات"
النص يستدعي رمزية المرآة بوصفها أداة لاكتشاف الذات، لكنها هنا تتحول من وسيلة معرفة إلى منطقة رعب وغموض، حيث يتقاطع الواقعي بالماورائي، والوعي باللاوعي.
مقارنات ممكنة
خورخي لويس بورخيس – قصة "المرآة والمظهر المزدوج" أو "مرآة الحبر":
مثل بورخيس، يطرح حاشد سؤالًا وجوديًا حول المرآة ك"بوابة لعالم آخر"، حيث تتبدى الذات في المرآة لا كما هي، بل كما يخدعها وعيها.
كلا الكاتبين يستخدم المرآة كرمز فلسفي للتكرار، والازدواج، وفقدان الهوية.
نرسيس في الأسطورة الإغريقية
الطفل في نص حاشد يشبه نرسيس وهو يفتن بصورته، لكن الفارق أن نرسيس يغرق في حبه لصورته، بينما الطفل هنا يرعبه انعكاسه، أي أن المعرفة الذاتية تتحول إلى صدمة وجودية.
أوسكار وايلد – رواية "صورة دوريان غراي"
كلا العملين يتعامل مع فكرة "انعكاس الوجه" كصورة للضمير والزمن. المرآة عند حاشد هي صورة داخلية للشيخوخة والموت، كما أن الصورة في رواية وايلد تتشوه كلما ازداد صاحبها فسادًا.
التحليل النفسي والخيال العلمي "علاقة الوعي بالوهم"
النص في جزءه الأخير ينتقل انتقالًا ذكيًا من التجربة الذاتية إلى العلم الحديث، مستشهدًا بتجربة "جيوفاني كابوتو" في إيطاليا حول هلوسة المرآة. هنا يربط الكاتب بين الأسطورة والعلم بطريقة تأملية عقلانية، تذكّر بعدة نماذج:
إدغار آلان بو – في قصص مثل "القلب الواشي" و*"الوجه في الجدار"*:
الرعب هنا ليس خارجيًا بل نابع من خلل الإدراك، كما في نص حاشد، حيث الرعب يبدأ من داخل النفس، لا من خارجه.
سيغموند فرويد – مقال "الغرابة
تحدث فرويد عن لحظة يرى الإنسان فيها نفسه بوصفه غريبًا عنه. وهذا بالضبط ما يحدث في نص حاشد عندما يرى الطفل وجهًا آخر في المرآة — إنها الغرابة المألوفة، أي "الآخر الذي يسكن الذات".
فرانز كافكا – التحول
يتقاطع النص مع كافكا في فكرة انهيار الهوية البصرية. فكما استيقظ غريغور سامسا ليجد نفسه حشرة، يواجه الطفل وجهًا مشوَّهًا لعجوز. في الحالتين: العين لا تصدق ما ترى، والعقل يعجز عن التأويل.
الأسلوب السردي – المزج بين الذاكرة والفلسفة
النص يتحرك بين ثلاثة مستويات:
1. ذاكرة الطفولة – بلغة الحنين والاسترجاع.
2. تأمل الكهولة – بلغة الحكمة والزمن.
3. التفكير العلمي الفلسفي – بلغة التحليل العقلاني.
هذا التنقل السلس يجعل النص قريبًا من أسلوب:
مارسيل بروست في "البحث عن الزمن المفقود": استدعاء الماضي عبر محفّز (المرآة بدلًا من الكعكة).
طه حسين في "الأيام": التذكر بوصفه فعل وعي ونقد للذات والمجتمع.
نجيب محفوظ في نصوصه الفلسفية (أصداء السيرة الذاتية) حيث تمتزج الذكريات بالحكمة الوجودية.
الرؤية الفلسفية – الصراع بين الخرافة والعلم
في القسم الأخير، يتخذ النص طابعًا تنويريًا، يفضح عجز الخرافة أمام العلم.
يؤكد حاشد أن المستقبل للمعرفة، وأن ما لا يفسره العلم اليوم سيفسره غدًا — وهي روح عقلانية تضع النص ضمن تقاليد الفكر النهضوي العربي مثل:
سلامة موسى وشبلي شميل في إيمانهما بالعلم والعقل مقابل الغيب والخرافة.
العقاد وزكي نجيب محمود في تأملاتهما حول العلاقة بين الدين والعقل والعلم.
كما يذكّر هذا الموقف بكتابات أنطون تشيخوف وتولستوي المتأمل في جدلية الإنسان والعلم والأخلاق.
المقارنة الأسلوبية
لغة حاشد هنا مشحونة بالصور، لكنها متماسكة بالعقل.
السرد يمتلك نَفَسًا تأمليًا قريبًا من الكتابة الوجودية الحديثة (سارتر، ألبير كامو)، خصوصًا في قوله:
"أحمل نعشي على كاهلي، ويتكثف شعور داخلي أنني كلما أوغلتُ في العمر أرى حالي أحمل وجهاً أتعبته وأتعبني..."
هذا المقطع يُقارب في جوهره تأملات كامو عن عبث الحياة واستمرار الوعي بها رغم ثقلها.
قراءة باراسيكولوجية للنص
نص "وجه بشغ في المرآة" ل"أحمد سيف حاشد" يعكس تجربة نفسية عميقة تبدأ منذ الطفولة المبكرة، حيث يختبر السارد علاقة مع الذات والهوية من خلال المرآة.
المرآة كوسيط نفسي وروحي
المرآة في النص ليست مجرد أداة لمعرفة المظهر الخارجي، بل هي بوابة للوصول إلى العالم الداخلي للذات.
من الناحية الباراسيكولوجية، يُنظر إلى المرآة أحيانًا كأداة لاستحضار الظواهر الخارقة أو الإدراكات غير العادية، حيث يلاحظ الإنسان في انعكاسه تغييرات أو رؤى لا تتوافق مع الواقع.
وتجربة حاشد مع ظهور وجه العجوز تشبه حالات الهلوسة البصرية أو رؤية "القرين" في ثقافات عدة، ما يعكس قدرة الدماغ على خلق تجارب غير متوقعة عند التركيز العميق أو العزلة.
الطفولة والفضول كعوامل محفزة
تجربة الطفل مع المرآة كانت محفوفة بالفضول والخوف، وهو ما يشير إلى تداخل بين الرغبة المعرفية والحدود النفسية التي تضعها البيئة (تحذيرات الأم).
ومن منظور باراسيكولوجي، هذه الظاهرة تشبه التجارب التي يسميها البعض "اختبار الغيب أو القوى الخارقة" لدى الأطفال، حيث يكون الدماغ حساسًا للغاية للتصورات البصرية والصوتية، ما يزيد من احتمالية تجربة رؤية أو إدراك خارق.
التجربة الصادمة والوجه الغريب
رؤية وجه العجوز بدلاً من وجهه الخاص تعكس ظاهرة الفقدان المؤقت للهوية أو الشعور بالغربة عن الذات، وهي حالة يمكن تفسيرها باراسيكولوجيًا عبر:
الهلوسة البصرية الناتجة عن التركيز الشديد في ظروف الإضاءة الخافتة.
تداعيات اللاوعي النفسي: الوجه العجوز قد يمثل خوف الطفل من الشيخوخة أو الموت، أو القلق من الزمن المار.
الرمزية: الوجه الغريب يمثل تجربة صدمة أولية، حيث يواجه الطفل فكرة أن الذات ليست ثابتة، وأن الزمن يغير كل شيء.
الخوف والتحقق بعد التجربة
عودة السارد لمواجهة المرآة بحضور الأم واستعادة صورته الطبيعية يعكس التحقق النفسي واستعادة السيطرة على الذات، وهو سلوك متوقع عند مواجهة تجربة مخيفة أو غير مألوفة. ومن منظور باراسيكولوجي، فإن هذا يخفف من أثر الصدمة الأولية ويعيد التوازن النفسي.
العلاقة بين العقل والوعي الخارجي
يشير النص إلى محاولات تفسير الظاهرة علميًا عبر تجارب الباحثين في البصريات. ومن منظور باراسيكولوجي، فإن هذا يوضح الصراع بين الاعتقاد بالخرافة والتفسير العلمي، وهو محور أساسي في دراسة الظواهر الباراسيكولوجية: كيف يحاول العقل البشري التعامل مع الخبرات الغامضة أو الخارقة للعادة.
الأبعاد الرمزية للمرآة
المرآة تمثل الوعي الذاتي المكثف.
والوجوه الغريبة ترمز إلى الأحلام والمخاوف اللاواعية.
والعزلة والخلوة تكشف عن حساسية الطفل للظواهر الغامضة والغير مرئية، والتي قد تُفسر كاستجابات عصبية طبيعية أو كنشاطات باراسيكولوجية محتملة.
خلاصة باراسيكولوجية
النص يعكس تجربة غامضة تجمع بين الوعي النفسي العميق للطفل أو الفرد، التركيز الشديد والانعزال اللذين يؤديان إلى إدراك ظواهر غير مألوفة، والرمزية النفسية للوجه والهوية والزمن، والتفاعل بين الخرافة والعلم في محاولة فهم تجربة خارجة عن المألوف.
يمكن القول إن تجربة حاشد مع المرآة هي حالة نموذجية لدراسة الباراسيكولوجيا، حيث يلتقي الواقع الحسي مع الإدراك النفسي، وتبرز حدود الدماغ في تفسير الظواهر غير المألوفة، بينما يظل الخيال واللاوعي يلعبان دورًا رئيسيًا.
عن الكاتب
أحمد سيف حاشد هو كاتب، مفكر، وبرلماني يمني، يُعدّ من أبرز الأصوات المستقلة في المشهد السياسي والثقافي اليمني المعاصر.
جمع في مسيرته بين العمل الحقوقي والنشاط الإنساني من جهة، والاشتغال العميق على الكتابة كفعلٍ وجوديٍّ وفكريٍّ مقاوم من جهة أخرى.
تخرّج في كلية الحقوق بجامعة عدن، ودرس السياسة الدولية والعلوم القضائية والعسكرية، وشغل مواقع قضائية وتشريعية رفيعة.
أسّس صحيفة المستقلة وموقع يمنات الإخباري، وكتب نصوصًا تجمع بين التأمل الفلسفي والنزعة الإنسانية، وتكشف وعيًا حادًّا بالحياة، ورفضًا صادقًا للزيف والامتثال.
من أبرز أعماله الفكرية والأدبية: مجانين اليمن، ودراسة الصراع السياسي في الإسلام المبكر.
يُعرف بكتاباته التي تزاوج بين جمال اللغة وجرأة الفكرة، وتحوّل التجربة الشخصية إلى رؤية كونية تُنصت إلى الإنسان قبل كل شيء.
نص وجه بشع في المرآة
أحمد سيف حاشد
حالما كان عمري بحدود الخمس أو الست سنوات كانت أمي تحذّرني، بل و تقمعني أحياناً للحيلولة دون المكوث طويلاً أمام المرآة، ربما هذا القمع هو من دفع طفولتي إلى الفضول، وحب الاستكشاف والاستمتاع بما أجهله، وكأن طفولتي كانت تريد أن تعرف تفاصيل نفسها في المرآة التي ربما تبدو لي عالماً قائماً بذاته؛ عالم المرآة يثير العجب والأسئلة!! وأنا أريد أن اكتشف عوالمي من خلال هذه المرآة التي صارت في متناول يدي؟!
كيف يبدو وجهي أمام الناس؟!! أريد من المرآة أن تحكي ذلك بوضوح وبأدق التفاصيل.. الآن لا يوجد أحد في حضرتي غير المرآة، وخلوتي التي تحيط بي من كل اتجاه.. يجب اغتنام هذه الفرصة، وأن لا أهدر لحظة منها.. الفضول هو شغف المعرفة، والمنع يمنح المعرفة قيمة ومهابة، واستحثاث لحوح نحو مزيد من الاكتشاف والمعرفة.
اليوم أحاول أن أمنطق وجهاً من طفولتي التي كانت بين الخمس والست سنين وزمن خلا وانقضى وأترنح فيه نحو الرحيل.. بين هذا العمر وذاك عوالم وأحداث وتفاصيل أشعر أنها من الكثرة لا تتسع لها مجرّة.. بين الطفولة والكهولة التي اقتربت منها رويداً رويدا، مدى كثيف قطعته كالمسافة من السديم إلى الوجود الكثيف، والأن متجهاً نحو الكهولة والتلاشي والزوال.
في الطفولة حالما كنتُ أرى في المرآة عجباً ومعجزة، كنتً أحملق في وجهي بالمرآة.. أريد أن أحفظ تفاصيل وجهي عن ظهر قلب، وعلى نحو أستطيع أن أراه في أي وقت أريد، وفي أي حال وهيئة أكون فيها.. أريد أن أطيل النظر العميق لأرى شيئا لا أستطيع رؤيته إلا في المرآة، وقد تمنيت يومها أن تكون المرآة قد خلقها رب الخلائق عيناً ثالثة بمكان ما في أجسادنا، نستطيع من خلالها في أي وقت أن نرى وجوهنا وكل الجسد بيسر وسهولة.
أما اليوم وقد اقترب عمري من الكهولة أبدو فيه أمام نفسي أحمل نعشي على كاهلي، ويتكثف شعوراً داخلي أنني كل ما أوغلتُ في العمر أرى حالي أحمل وجهاً أتعبته وأتعبني.. ملّني ومملته.. يزحف الزمن العبوس على تفاصيله فيغضنه ويجعده ويحفر أخاديده فيه، ويحكي زمناً من المعاناة والعذاب والتمرد ليس فقط على الواقع المفروض بقدر، ولكن أيضا على قوانين الحياة وسنة الكون.. أكل الدهر علينا وشرب وبات يغلبني كل يوم بعد صمود ومقاومة، ويدفعني نحو الرحيل والتلاشي والزوال.. إنها رحلة شقية من الولادة إلى المجهولٍ أو ما يشبه العدم.
* * *
في تلك السن الباكرة بين الخامسة والسادسة من العمر، وعندما وجدتً الخلوة والفراغ والوقت الكافي لإشباع رغبتي وفضولي، حدث لي شيء غريب لازلتُ أذكره إلى اليوم.. كنتُ في الحجرة العليا بدارنا القديم، والذي صار اليوم عنّي بعيداً ومهجوراً.. كانت الحجرة مسقوفة أكثر من الثلثين، والبقية دون سقف.. تلك الحجرة نسميها "البرادة"، كان مفرج الدار يتكئ في إحدى زواياها في نصفها المكشوف.. وتبدو تلك الحجرة مؤنسه، وتمنح بعض الشعور بالراحة، أكثر من أي مكان آخر في الدار.
أذكر أن تلك المرآة كانت بمساحة وجهي، أو أكبر من مساحته بقليل.. مستطيلة الشكل في إطار أنيق.. بدت لي الخلوة مع المرآة ستكون ممتعة وسعيدة.. لا أحد معي في الحجرة غيرها.. نحن بقلّتنا كثير.. عوالمي التي تخصّني كثيرة، والمرآة عالم قائم بذاته، وقد قيل فيها الكثير من عهد الأسطورة والخرافة إلى عصر الحداثة وما بعدها، ومازال الذي نجهله أكثر مما نعرفه بكثير.
لا أذكر تحديداً أين كانت أمي وخالتي وقاطنو الدار.. كانت غفلة أشبه بالغواية.. أغلب الظن أنهم كانوا منشغلين في أماكن أخرى من الدار أو خارجه.. الأكيد أنني استغللت غفلة أهلي واستفردت بنفسي مع المرآة.. أريد ضمن ما أريده أن استمتع بخلوتي وبالمرآة التي بحوزتي أكثر وقت ممكن ومتاح.
كنت أشاهد صورتي في المرآة، وأقلّد حركات الوجوه.. أتجهّم، وأتصنع الضحك والبكاء والغضب.. أزُم شفتيَّ و أمطّها.. أغلظها وأخفي نصفها.. أقطب جبيني و أرخيه، واستعجب!! أخرج لساني إلى الأمام كمستفز محاسد، وأقلّبها في كل اتجاه.. أقطب حواجبي وأعقد شفتيَّ نحو اليمين ونحو اليسار.. أفغر فاهي وأغلقه.. أجحظ العينين وأضيّقها، وأحدج بها في كل اتجاه.. أهرّج مع نفسي أكثر من مهرّج.. أحاول اكتشف تفاصيل وجهي رغبة بالمعرفة لا بالنرجسية.. أغمز وأحملق وأبحلق وأمعن وأركّز النظر.. لو رآني أحدهم أو وقف على ما أفعله لأنفجر ضاحكاً، وأنفجر بالضحك طابق الدار الذي كنت أختلي بنفسي فيه.
بغتة ومن غير مقدمات صدمني ما شاهدته في المرآة.. بدا وجهي قد اختطف واستبدل بوجه آخر.. لم يعد الذي في المرآة وجهي الذي أشاهده.. شاهدت وجهاً غير وجهي يملأ وجه المرآة.. وجه يشبه وجه "نعمة" التي كانت تسكن في بيت متواضع تحت دار "موجر" وكان يُنسب لها بعض جنون، بل هو وجه شديد القبح لعجوز شمطاء، بتجاعيد عميقة وكثيرة، كخريطة طبوغرافية معقّدة التضاريس وشديدة الانحدارات.
وجه ألقى في نفسي الرعب والزلزلة، وحفر في ذاكرتي تفاصيله إلى اليوم.. لا استطيع نسيانه ما حييت.. وجه مدرَّجٌ بالتجاعيد العميقة والمتزاحمة وعلى نحو أشد وأكثف من مدرجات جبل تتزاحم فيه الانحدارات والأخاديد.. وجه صارم وجهم ومخيف يصعقك بالصدمة والفزع والرعب من أول وهلة تراه.
كدت أصرخ.. رميت من يدي المرآة بسرعة مذعور.. خرجت مرعوباً من الحجرة إلى السطح المكشوف والمجاور.. خرجت إلى جوار "غرب" الماء المقطرن.. القطران يحمينا ويمنع عنّا الجن والسحر والمس.
كاد قلبي يقفز بهلع من قفصي الصدري.. انتابني هلع شديد، كدت معه أفقد عقلي.. استدعت ذاكرتي إثر المشاهدة تحذيرات أمي التي كانت تنصحني على عدم إطالة مشاهدة صورتي في المرآة..
ولكن من أين جاءت أمي بهذه النصيحة..؟! لعلها سمعت بحدوث أشياء مشابهة لما حدث لي؛ كأنها يوماً أخبرتني عن فتاة حدث لها مثل هذا الذي حدث لي ولم أكترث. كنت محظوظاً، فيما الفتاة كما قيل لي أن عقلها طار.. لعل نصيحتها جاءت على هكذا مبنى أو سماع.
عندما كبرت وجدتُ أن مثل هذا التحذير شائع ومعروف لدى كثير من الشعوب ومن زمن بعيد.. لقد كانت بالنسبة لي تجربة صادمة، وأقل ما يمكن أن أقوله عليها إنها "كانت تجربة مفزعة ومخيفة".
ثمة اساطير وخرافات عديدة حول المرآة منها من يتحدث عن المرأة المرعبة التي تسحب ضحاياها إلى داخل المرآة ليبقوا فيها إلى الأبد.. وأخرى تتحدث عن رؤية الشخص لقرينه، وثالثة تتحدث أن المرآة بوابة تمتد إلى عالم آخر، تمرق عبرها كائنات ماورائية مخيفة، وبعضهم يعتقد أن المرايا مسكونة بالأشباح وأرواح الموتى، وبعض يزعم إنها تؤدي إلى عشق وحب الجن للإنس، ومن يقول أنها تؤدي للمس والمرض.
أخبرتني أمي إن ما شاهدته في المرآة هي جنّية، وكدت أجن مما حدث، وكان الجنون أكيد إن أطلت المشاهدة برهة زمن.. وبعد أيام من القطيعة مع المرآة، وبدافع الفضول والتأكد عمّا إذا كنت أستطيع أن أشاهد صورتي في المرآة مرة أخرى أم ستكون القطيعة مع المرآة إلى الأبد.
عدتُ لأشاهد صورتي بحضور أمي، وكنت أختلس النظر إلى المرآة خلسة وبحذر شديد، لأشاهد ملمح صورتي فيها، فوجدتها أنها صورتي بالفعل، وليست صورة العجوز، اطمأننت أنني بخير، وأن الدنيا وأنا مازلنا بسلام ووئام.
* * *
البعض يعتقد أن المرآة بإمكانها أن تجيب على بعض الأسئلة.. تكشف مثلاً عن مكان الشخص الذي نبحث عنه، أو يكون مصيره مجهولاً..!! قرأت في تعليق من شخص درس في الاتحاد السوفيتي أن مثل هذه العادة وجدها في منطقة ريفية في روسيا.. إذا غاب أحدهم ولم يعرف مصيره، يتم الصعود ليلاً إلى سطح المنزل، وتضع المرآة أمام الشخص الذي يقوم بالكشف، وفي جانبيه شمعتان أو ضوء خافت.. وبعد أن يتم الكشف يجب أن يربت الشخص الذي في الجوار على كتف هذا الشخص حتى يعود إلى وعيه، أو سيجن.
وفي تعليق آخر قرأت ليمني أنه حالما كان عمره 12 عاماً كانت أخته تبحث عن مصير زوجها الجندي الذي انقطعت أخباره إبان حرب صيف 1994 .. تبحث عن أمل تتمسك به، مهما كان واهناً أو واهياً.. طرقت باب أحد الشيوخ أو المشعوذين.. أحضر هذا الأخير مرآة وأعطاها أخاه الطفل والذي تحدث عن هذا بعد سنوات طويلة بقوله:
جعلني الشيخ أركز إلى بؤبؤ العين، وطلب مني رؤية مكان زوج أختي.. مر وقت ولم ارَ شيئاً في البداية.. كان الشيخ يقول لي ماذا ترى، وكنتُ ارى انعكاس الصورة التي خلفي، يعني أراه هو والضوء.. ثم ركزت أكثر ورأيته في مكان، ووصفت لهم المكان، وبعد خروج زوج اختي الذي كان أسيراً، قال إنه كان في نفس المكان الذي وصفته، وللأمانة شفت ناس ولكن بالزي الروماني القديم.. يعني (جنود عليهم الخوذة التي كان يرتديها الرومان).
هناك أقاويل أخرى سمعتها في مناسبات مختلفة تتماشى مع تلك المزاعم، أو قريبة منها.. ومثالها: عندما تريد أن تبحث عن سارق قام بسرقتك.. يحضرون طفلاً صغيراً عمره بين 6 – 12 سنة ويجعلونه ينظر ويمعن في الماء الذي يكون في وعاء صغير، والذي على ما يبدو يقوم مقام المرآة.
ويظل كل هذا مجرد أقاويل ليس لها أساس من علم، طالما لم يتم بحثها، ولم يقل العلم كلمته فيها، وإن كان البعض يحاول أن يجد لها صلة ما بالحديث عن قدرات الوعي الخارقة وغير المكتشفة، أو بالتنويم المغناطيسي، أو نحو ذلك من الأقاويل التي تحتاج إلى سند وبحث ودليل.
* * *
في محاولة لتفسير أو فهم ما مررتُ به من لحظة صادمة أو تجربة مفزعة؛ قرأت أن "جيوفاني كابوتو" الباحث الإيطالي في البصريات من جامعة "أوربينو" في إيطاليا، قام عام 2010 بدراسة، وأجراء تجربة شارك فيها خمسون متطوعاً، طُلب منهم تركيز النظر على مرآة موضوعة داخل حجرة ذات إضاءة خافتة لمدة عشر دقائق، وكتب النَّتائج في ورقةٍ بعنوان "وجهٌ غريب في المِرآة".
كشفت النتيجة أن نسبة كبيرة من المتطوعين شاهدوا حدوث تغيرات، وتشوهات في وجوههم بالمرآة، وتلاهم من شاهدوا وجوه أشخاص غرباء، أو أقارب متوفين، وتلاهم قلة شاهدوا حيوانات كالقطط والخنازير.
وتنصب أهم النتائج التي وصل إليها البحث أو خلصت إليها الدراسة، أن ما حدث كان بسبب فشل الدماغ في تحليل البيانات التي نقلتها العين!! تقصير وظيفي في الدماغ بسبب تركيزه على جزئية من الصورة وإهماله لبقية الصورة أدى لتلاشي اطراف الوجه أو انبعاجه وتلاشيه؟! خلل عقلي أعطى إشارات غير صحيحة للبصر.
* * *
هذا العلم ربما مازال في بدايته، ويحتاج لكثير من الأبحاث العلمية.. الاحتمالات والفرضيات كثيرة، ربما تتراوح بين الوهم، والهلوسات البصرية، وتضليل العقل، والاحتيال على الدماغ، أو الخطأ من قبل الدماغ في تحليل ما تنقله الحواس، والإيحاءات، ومخزون الخيال، والعوامل النفسية والوجدانية، والمؤثرات الخارجية، والاختلالات الدماغية والعصبية.
مازالت الأسرار التي يكتنزها الوعي وما يسمى أللاوعي كثيرة منها غير معروفة، أو لم يجزم فيها العلم بعد، بل ومازالت جل قدرات الوعي عصيّة على العلم إلى اليوم.. مازال العلم لم يكشف عن كثير من أسرار الدماغ، وسبر كثير من دهاليزه وأغواره وقدراته.
عدم القدرة على تفسير ما هو غامض يجب ألاَّ يدفعنا إلى الوقوع فريسة الخرافة، ومحاولات العلم في البحث والكشف أقرب للحقيقة من الاتكاء على العجز والخرافة.
الذود بالغيب هو عجز معرفي قبل أي شيء آخر، وما يعجز العلم عنه اليوم حتما سيدركه غداً بعد عهد أو ردح من الزمن.. المستقبل عمره مديد لا ينتهي بألف أو ألفين عام.. العلم يبدد الخرافة، وينتصر عليها على نحو مستمر.. المستقبل يكسب الرهان، والعلم ينتصر كل يوم.. وإن أخفق العلم مرة يعاود الكرّة حتى ينتصر.
* * *


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.