تغاريد حرة .. انكشاف يكبر واحتقان يتوسع قبل ان يتحول إلى غضب    عزيز النفط    "فيديو" جسم مجهول قبالة سواحل اليمن يتحدى صاروخ أمريكي ويحدث صدمة في الكونغرس    "فيديو" جسم مجهول قبالة سواحل اليمن يتحدى صاروخ أمريكي ويحدث صدمة في الكونغرس    "فيديو" جسم مجهول قبالة سواحل اليمن يتحدى صاروخ أمريكي ويحدث صدمة في الكونغرس    قاضٍ يوجه رسالة مفتوحة للحوثي مطالباً بالإفراج عن المخفيين قسرياً في صنعاء    قرار جديد في تعز لضبط رسوم المدارس الأهلية وإعفاء أبناء الشهداء والجرحى من الدفع    دعوة جنوبية لعدم توريد الأموال للبنك المركزي اليمني حتى إصلاح منظومة الفساد    مشاريع نوعية تنهض بشبكة الطرق في أمانة العاصمة    دلالات كشف خلية التجسس الأمريكية الإسرائيلية السعودية    الجريمة المزدوجة    ارشادات صحية حول اسباب جلطات الشتاء؟    قبائل تهامة ومستبأ في حجة تؤكد الجاهزية لمواجهة أي تصعيد    صلح قبلي ينهي قضية عيوب وعتوب بين اسرتين من إب و صنعاء    النفط يتجاوز 65 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ 3 نوفمبر    انتقالي الطلح يقدم كمية من الكتب المدرسية لإدارة مكتب التربية والتعليم بالمديرية    قراءة تحليلية لنص "خطوبة وخيبة" ل"أحمد سيف حاشد"    الهيئة النسائية في بني مطر تحيي الذكرى السنوية للشهيد    مواطنون يعثرون على جثة مواطن قتيلا في إب بظروف غامضة    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    حضرموت: ركيزة الاستقرار الجنوبي في وجه المؤامرات المشبوهة    توتر عسكري بين العمالقة ودرع الوطن العليمية بسبب شحنة أسلحة مهربة    لملس يبحث مع وفد حكومي هولندي سبل تطوير مؤسسة مياه عدن    وقفة في تعز واعتصام بمأرب.. جرحى الجيش ينددون بالإهمال ويطالبون بمعالجة أوضاعهم    الحديدة أولا    رئيس بوروندي يستقبل قادة الرياضة الأفريقية    الاتصالات تنفي شائعات مصادرة أرصدة المشتركين    استبعاد لامين جمال من منتخب إسبانيا بعد اعلان برشلونة اصابته    مصر تخنق إثيوبيا دبلوماسياً من بوابة جيبوتي    الشاذلي يبحث عن شخصية داعمة لرئاسة نادي الشعلة    جولف السعودية تفتح آفاقاً جديدة لتمكين المرأة في الرياضة والإعلام ببطولة أرامكو – شينزن    القبض على المتهمين بقتل القباطي في تعز    ريال مدريد يقرر بيع فينيسيوس جونيور    نائب وزير الشباب والرياضة يطلع على الترتيبات النهائية لانطلاق بطولة 30 نوفمبر للاتحاد العام لالتقاط الاوتاد على كأس الشهيد الغماري    تنبيه من طقس 20 فبراير    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    لصوصية طيران اليمنية.. استنزاف دماء المغتربين (وثيقة)    حكاية وادي زبيد (2): الأربعين المَطّارة ونظام "المِدَد" الأعرق    عدن في قلب وذكريات الملكة إليزابيث الثانية: زيارة خلدتها الذاكرة البريطانية والعربية    البروفيسور الترب يحضر مناقشة رسالة الماجستير للدارس مصطفى محمود    الدراما السورية في «حظيرة» تركي آل الشيخ    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    قراءة تحليلية لنص "خصي العقول" ل"أحمد سيف حاشد"    الجدران تعرف أسماءنا    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    سؤال المعنى ...سؤال الحياة    بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    الدوري الاسباني: برشلونة يعود من ملعب سلتا فيغو بانتصار كبير ويقلص الفارق مع ريال مدريد    تيجان المجد    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة تحليلية لنص "خطوبة وخيبة" ل"أحمد سيف حاشد"
نشر في يمنات يوم 11 - 11 - 2025

هذه القراءات التي تتوزّع بين البعد النفسي والوجداني والاجتماعي، تمت باستخدام أدوات تحليل تستند إلى الذكاء الاصطناعي، لنص "خطوبة وخيبة" للكاتب والبرلماني اليمني أحمد سيف حاشد، والمنشور في كتابه "فضاء لا يتسع لطائر".
وتهدف القراءات إلى استنباط ما يكشفه النص من طبقات الشعور، وبنية التجربة، وطبيعة العلاقة بين الذات والعالم والمجتمع.
إنها محاولة للاقتراب من الروح الداخلية للنص، لا بوصفه واقعة فردية، بل بوصفه تجربة إنسانية قابلة للتأمل والفهم.
قراءة استنباطية
تعتمد هذه القراءة على استخلاص ملامح النفسية العميقة للكاتب كما تظهر من خلال النص، دون الاعتماد على معرفة خارجية عنه، بل من خلال ما تكشفه اللغة، والإيقاع العاطفي، وطريقة بناء المشهد، ونوعية الألم والأمل.
1. نفسية مجروحة لكنها تقاوم
من نص "خطوبة وخيبة" يتضح أن أحمد سيف حاشد عاش خيبات متتالية، لكنه لا يقدم نفسه كضحية، بل كإنسان يتعلم دائماً من الألم.
هذا يعني أننا أمام شخصية حساسة جداً، لكنها ليست منهارة، تؤمن بأن الانكسار ليس نهاية، بل خطوة داخل مسار طويل.
وهذه نفسية تقف على الحافة بين الانكسار والصلابة.
يسقط، لكنه لا يستسلم.
يخاف، لكنه لا يهرب.
يمرض أحياناً بالألم، لكنه لا يترك الألم يلتهمه.
وهذا يشير إلى نفسية ذات قدرة عالية على الترميم الذاتي.
2. نزوع قوي نحو المعنى
الكاتب لا يقبل ما يحدث له على أنه صدفة أو عبث.
هو دائم البحث عن تفسير، معنى، درس.
حين ينهزم، يستدعي التاريخ، والفلسفة، والتجربة الإنسانية، ليعيد ربط ما حدث ب سياق أوسع.
هذه ليست مجرد قدرة فكرية؛ إنها حاجة نفسية.
حاشد يخاف الفراغ الداخلي، لكنه يملأه بالتأمل والمعنى.
وهذا يوضح أننا أمام شخصية تعيش بعمق، ولا تكتفي بالسطح، وتحتاج إلى الفهم كي تستطيع أن تستمر
3. قبول غير مشروط
في بحثه عن شريكة، لا يطلب "حاشد" جمالاً فقط، ولا مكانة، ولا شرطاً اجتماعياً.
وإنما يطلب وفاء أثناء الانكسار، وحضناً عند الضعف، وحضوراً يمنع الانهيار
وهذا يعني أن حاشد لا يبحث عن المرأة كرفيقة معيشية، بل ك ضمانة وجودية.
4. ميل إلى المثالية العاطفية
وصف حاشد للمرأة التي وجدها تجاوز الواقع إلى الحلم.
اللغة تفقد حدودها.
الجمال يتحول إلى أسطورة.
وهذا يكشف أنه يسقط صورة المرأة المنقذة على من يحب، ولا يرى المحبوب كما هو، بل كما يحتاجه أن يكون، يحب عبر الخيال قبل الواقع.
وهذا لا يعني ضعفاً، بل قابلية عالية للتجربة الوجدانية وللتورط الروحي.
لكن هذا النوع من الحب عادة، يرتفع بسرعة، وينهار بقسوة، لأنه لا يجد ما يطابق الصورة في العالم الحقيقي، ما يحعلنا أمام شخصية الكاتب "الحالمة".
5. صراع بين الفرد والمجتمع
أكبر جرح في النص ليس خيبة الحب، بل أن المجتمع تدخل في الحب: قالوا عنه: "شوعي وملحد".
وهذه الجملة تكسر الإنسان لأنها تقول له: "أنت لا تنتمي."
ومن هنا يتضح أن حاشد "يعيش داخل مجتمع لا يشبهه"، مجتمع يراقب، يحاسب، يصادر، ويقرر نيابة عن الأفراد.
وهذا يولّد شعوراً ب: الغربة الاجتماعية، والوحدة الوجودية، والحاجة إلى وطن داخلي يخلقه بنفسه.
6. تكثيف نفسي
عند عودته، هو مجروح، نعم.
لكنه لم ينهزم بالكامل.
لاحظ العبارة: "ألملم حطامي"
وجود الرغبة بالملمة يعني ان الوعي لم ينطفئ، والأمل لم يُقتل، والروح ما تزال تحاول.
وهذا أهم ما يميز "حاشد"، فهو لا ينهي القصص، ولكنه ينهض منها.
نفسية الكاتب كما تبدو من النص
نفسية أحمد سيف حاشد كما تبدو من النص عميق الشعور، يعيش تجربته بامتلاء وجداني لا بنصف إحساس، شخص مقاوم، يرفض الاستسلام مهما اشتد الألم
شخصية حالمة، تسعى للبحث عن وطنها المنشود، ما يكشف عن شخصية حساسة، تحمل جرح الانتماء.
يظهر حاشد في نص"خطوبة وخيبة" باحثا عن معنى لا يتحمل العبث، يحتاج أن يفهم كي يواصل العيش، طفله الداخلي حي يحب ببراءة، ويتألم بقوة.
يكشف النص عن رجل لم يهزمه العالم تماماً، لأنه – رغم الخيبة – ما يزال يمتلك هذه الجملة داخل روحه: "سأحاول من جديد".
قراءة وجدانية
في نص"خطوبة وخيبة" يفتح أحمد سيف حاشد نافذة واسعة على داخله، لا بوصفه فرداً فقط، بل بوصفه إنساناً يختبر الانكسار ويحيا بالرجاء.
هو نصّ ينهض من تخوم التجربة الشخصية، لكنه لا يبقى هناك؛ إنّه يتحول إلى خطاب وجودي عن معنى الهزيمة ومعنى المقاومة.
حماية من السقوط
اليأس في رؤية حاشد ليس قدراً نهائياً. فالتأمل في التاريخ والفلسفة هو فعل مقاومة ضد الانهيار. كأن المعرفة هنا ليست رفاهية، بل وسيلة للبقاء. الفلسفة لا تغيّر العالم سريعاً، لكنها تحفظ الإنسان من السقوط في العدم.
ترميم النفس
وفي المقطع الثاني من النص، تتضح نبرة الإصرار. يبدو حاشد متكي على ما تبقى من طاقة: يرمم نفسه، يستعيد توازنه، يعيد المحاولة. لا ينكر الخوف، لكنه يعالجه بالمواجهة لا بالفرار. هنا تتحول المقاومة إلى أسلوب حياة.
وهنا لغة الكاتب تتراجع أمام قوة الدهشة، وتفقد الكلمات وظيفتها. هذا ليس حباً عادياً؛ إنه إيمان لحظيّ بأن العالم يمكن أن يُعاد خلقه في لحظة واحدة.
لكن المفارقة القاسية تأتي سريعاً: حين يدخل الآخرون. حين تتدخّل الآراء، الاتهامات، الحراس، والكهنة. حين يُحكم على الحب باسم العقيدة، ويُصادر الفرح باسم الدين.
هدم الروح
وحاشد في النص يؤكد أن الصدمة هنا ليست مجرد رفض زواج؛ هي إلغاء للإنسان. وهي خيبة لها جذور في البنية الاجتماعية، في سلطة الوصاية، في العنف الرمزي الذي يدّعي القداسة وهو يهدم الروح.
محاور النص
يقوم الن على ثلاثة محاور رئيسية:
1. الإنسان في ضعفه وفشله ومحاولاته للبقاء.
2. الحب بوصفه خلاصاً وجودياً، لا رغبة عاطفية.
3. المجتمع بوصفه سلطة قاسية تقف بين الإنسان وسعادته.
إنه نص عن الحب الذي يُهزم، لا لأنه لم يكن قوياً، بل لأن العالم حوله كان أقسى.
قراءة اجتماعية
هذه القراءة تهدف إلى تحليل النص من زاوية العلاقة بين الفرد والمجتمع، وكيف تتشكل المشاعر والسلوكيات تحت تأثير البنية الاجتماعية والثقافية.
1. الذات والهوية تحت ضغط التجارب
يُظهر نص "خطوبة وخيبة" ذاتاً تَعِي نفسها عبر سيرة الخيبات. هنا تتكون الهوية الشخصية من تكرار الإخفاقات ومحاولات الترميم.
ويسمى هذا في علم النفس الاجتماعي "الهوية المتشكّلة عبر الصراع" أي أن الفرد لا يعرف ذاته من خلال الاستقرار، بل من خلال صداماته مع الواقع.
واحمد سيف حاشد هنا، لا ينكر ضعفه؛ بل يجعله جزءاً من صورة الذات. وهذا الاعتراف يتوافق مع مفهوم المرونة النفسية، والتي تتمثل في القدرة على العودة والتعافي بعد الانكسار. لكنه أيضاً يكشف عن حاجة قوية إلى إعادة المعنى، أي محاولة فهم الحياة بعد كل صدمة كي لا تتحول إلى فوضى داخلية.
2. التفاؤل بوصفه استراتيجية دفاعية
حين يقول حاشد إنه يتأمل الفلسفة والتاريخ لاستعادة الأمل، فنحن أمام ما يسميه علم النفس الاجتماعي: آلية دفاع معرفية، حين يقوم الفرد بإعادة تفسير ما حدث من خلال إطار فكري أوسع، لتقليل الألم النفسي.
وبمعنى آخر، حاشد هنا لا يهرب من الواقع، بل يُخضِعه للتأمل كي يستطيع احتماله.
3. الحب بوصفه تعويضاً نفسياً واجتماعياً
في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه الكاتب، لا يمنح المجتمع فرده اعترافاً أو تحقيقاً للذات بسهولة. ولذلك يصبح الحب الملاذ الأخير لتأكيد القيمة.
يبحث حاشد عن امرأة تقف معه، زتشاركه الهشاشة والصمود. وهنا تظهر الحاجة إلى العلاقة التعويضية، لأن الفرد يحاول الحصول من العلاقة العاطفية على ما لم يحصل عليه من المجتمع: الأمان والاعتراف والقبول غير المشروط. وهذا يتوافق مع نظرية الارتباط العاطفي.
4. الصورة الرومانسية المثالية للجمال
عندما يصف المرأة التي وجدها في الجبل، يرفعها إلى مستوى شبه أسطوري. زهذه العملية تسمى في علم النفس الاجتماعي: المثالية العاطفية، حيث يضفي الفرد على الشخص المحبوب صفات تتجاوز الواقع، لأنه لا يرى الشخص بقدر ما يرى حاجته إليه.
5. سلطة المجتمع و"رأس المال الرمزي"
حين يُرفض الزواج بحجة اتهامه ب "شوعي وملحد"، فإننا أمام مثال واضح على: الوصم الاجتماعي، حيث يُستخدم الحكم الأخلاقي والديني لضبط السلوك والتحكم بالعلاقات.
وهذا المجتمع يمارس ما يسميه بيير بورديو: العنف الرمزي، وهو عنف بلا سلاح، لكنه يهدم القيمة، يحطم الحلم، ويُشعِر الفرد بأنه غير مستحق للقبول.
ومن هنا ولدت فكرة" المقاومة" الأولى عند حاشد، التي ميزت لاحقا مساره الحقوقي ونشاطه السياسي، ومياه لمناصرة الغلابى والمقهورين.
في هذا المجتمع التقليدي لا يُرفض الرجل لأنه سيء، بل لأنه لا ينتمي إلى "الهوية الجماعية السائدة".
تكثيف اجتماعي
من منظور علم النفس الاجتماعي، يقدم حاشد في هذا النص دراسة حيّة لثلاث قوى تتحرك في حياة الإنسان، هي: الفرد الذي يسعى للصمود ويُعيد بناء ذاته، ويولّد مرونة وأملاً مشروطاً، والعاطفة التي تُصبح ملاذاً لإثبات القيمة والوجود، وتدفع نحو المثالية والتعويض. والمجتمع الذي يمارس الوصم والضغط باسم الهوية، ويحطم الروابط ويصادر الفرح.
نص خطوبة وخيبة
أحمد سيف حاشد
أصابتني خيبات متلاحقة بعضها يفوق الاحتمال.. داهمني الفشل الذريع مرات عديدة.. رافقني الخذلان كثيراً.. مررت بانكسارات غير قليلة.. نزلت على رأسي ضربات موجعة.. جيوش من المخاوف ظلت تلاحقني.. مررتُ بلحظات ضعف، وأسئتُ التقدير في أحايين كثيرة.. لازمت حياتي نقاط ضعف اعتدتها، بل وجدتها بعض منّي وجزء من تكويني.. عشتُ هزائمي في الواقع، وتجرعتُ معها مرارات الحقيقة.
وفي المقابل أظن أني احتفظتُ داخلي بما هو أهم.. لا أيأس، فإن حل اليأس في وجداني، ودب دبيبا في شراييني لحظة انكسار أو هزيمة، فإنه لا يطول، وإن طال أتأمل في التأريخ والفلسفة؛ فأستوعب ما حدث وأتعظ؛ فيتجدد الأمل، وتعود الحياة نابضة، وتتوطد ثقتي أن يأسي لن يدوم، حتى وإن طال به المقام، وأعلم بيقين أن "دوام الحال من المحال".
ومهما كان الحدث صادماً وجسيماً؛ فأنني أعلم أن الحياة ولادة دون انقطاع، ولن تتوقف عند زيد أو عمر من الناس، وأن القوانين الفلسفية ستظل تفعل فعلها في الوعي والمجتمع، وأن ما حدث ليس نهاية التاريخ ولا هي ختامه، بل سيسمر التاريخ في صيرورته وجريانه، رغماً عن الجميع، وعلينا الفهم والاتعاظ.
وعلى المستوى الشخصي أجد نفسي أرفض أن أموت وأنا ما زلت حياً.. لا أكف عن المحاولة.. أثابر من أجل الوصول.. أنهض واستمر بالسير عقب كل كبوة أو وقوع.. استعيد توازني عقب كل صدمة.. أغالب مخاوفي وأنانيتي.. أتجاوز نقاط ضعفي بتعويضها بنقاط قوة موازية، وفي وجه الهزيمة أمارس وجودي رفضاً وصموداً ومقاومة، أو على حد تعبير أحد المفكرين: "لستَ مهزومًا ما دُمْتَ تقاوِم".
أستريح عندما أتعب.. أرمم روحي عقب كل تهالك أو تهشم أو انكسار.. استعيد نفسي دفعة واحدة، أو على مراحل إن أقتضى الحال.. أتعافى.. أعود وافر الروح، وبمعنوية دافقة.. أراجع بشجاعة.. أعيد النظر والتقييم بجُرأة.. أنتقل للبدائل والخيارات الأخرى كلما وجدت ذلك مناسباً، أو ضرورياً وممكناً.
كنت أحدث نفسي: يجب أن أتعافي مما أنا فيه، وأن لا يدركني اليأس.. ألم يقل أحدهم: "لا يأس مع الحياة".. الأمل وحده هو من يبقينا أحياء ولا يجعلنا نستسلم لموت مغلّظ وساحق.. فقدان فتاة أو أكثر ليست آخر العالم.. الفتيات كثار والأرض واسعة.. يجب أن لا أكف عن المحاولة.. يجب أن لا تنطفئ فيَّ جذوة الأمل وانتاج الحلم.. لزم عليّ السعي والمثابرة.. سأجد أبواب مشرعة، وشرفات مفتوحة، وربما قلوب تنتظر مجيئي على أحر من الجمر.
الحياة خلاقة مهما أجهمت.. الأمل يتجدد.. تحويل الفشل إلى نجاح في متناول الإمكان.. تجربة الفشل تضيف لصاحبها معرفة جديدة، بل قال بعضهم: هي أول خطوة في طريق النجاح، وقال آخرون: تمنح الخبرة الواعية على هذه الطريق.
ربما أيضاً يبتسم الحظ في يوم قائظ، وتمطر السماء بمزنها.. ربما هناك صدفة تتحين اللقاء، أو بشارة لطالما تم انتظارها.. مازال في الآتي ما هو أجمل.. ألم يقل أحد الشعراء "أجمل الأيام تلك التي لم تأتِ بعد".. هكذا كنت أحدث نفسي وأعينها في مواجهة انكساراتها وما أصابها من نيل وخذلان.
* * *
أريد أن أتزوج فتاة فقيرة لا تملك قيمة حذاء.. فتاة عنيدة في وجه مصاعب الحياة وتقلباتها.. تكون مستعدّة أن تعبر معي وادي الجحيم الذي ربما أُرغم على عبوره ذات يوم.. لا تتركني وحدي وسط الطريق إن أظلمت أو أدلهمَّت.. لا تتخلَّ عنّي حتى وإن صبت السماء وجومها ناراً على أم رأسي.
أبحث عن فتاة لا تخذلني في شدّة أو ملمّة أو ضيق.. تبحث عنّي إن أطبق الحزن قدره، وضرب البين جفوته.. تلاحقني بوفائها وغفرانها وطيبة نفسها، ولا تتخلّى عنّي إن بئس حالي، وتوحشت أقداري، وخانتني الآمال، وتخلّت عنّي الحظوظ، وصار حظي في الدنيا ألماً وحسرة.
ثم أسأل نفسي: هل أجد زوجة كتلك؟!
أريد فتاة أستطيع أن أساعدها.. أعيد صياغتها وأرتقي بها.. نرتقي معاً إلى سماء نبحث عنها، وفيها ما هو أسمى وأجمل.. أريد فتاة جميلة.. أليست أحياء الفقراء مسكونة بالجمال؟ أليس في الغجر أجمل الفواتن؟ أليس الفقراء حباهم الله بجمال آسر وأخاذ؟ ألم يقل أحد الشعراء لربه: "انت جميل تحب الجمال".
* * *
وجدتها في "ريف الجبل".. أمعنتُ في قولي: "وجدتها بعد إعياء وبحث".. العجز شل لساني!! "جميلة جدا".. هذا وصف وضرب من الهذيان الذي لم يعد بمقدوره أن يطول مقامها.. إنها أكبر وأكثر من الجمال كله.
"جميلة جدا" جملة وصفية تقف دونها وصفاً وخيالاً.. جملة لا تليق بما أشاهده أمامي بأبعاده وآماده وكثافته.. كل الكلمات حاسرة، وكل المحاولات خاسرة، مهما تناهت في الجمال.. كلها باتت دونها ولا تليق بمقامها.
يا لفقر الكلمات وفراغها، ويا لوصف ينتحر خجلاً على أعتابها.. أي لغة تملك الجرأة أن تدق بابها.. لم أكن أعلم أن العربية بجلها وجليلها.. قضها وقضيضها، عاجزة أمام مهابة هذا الجمال الذي لا تغادره دهشة من يراها.. لغة البلاغة والفصاحة والخطابة تصحرت في حضرة جمالها الباذخ!!
كأنها لؤلؤة جاءتني من قاع المحيط!! "لؤلؤة"؟!! هذا أيضاً تشبيه لا يليق بوصفها.. هي هبة السماء.. درة كونية جاءتني من فضاء بعيد وعالم آخر.. ألف معجزة.. من غير العدل أن ينتعل كل هذا الإبهار والجمال حذاء مهتري!!
إشراقات الكون تجتاحني.. ما أراه فاق تصوّري وخيالي.. السماء تمطر فِيَّ فرحة وبهجة.. تتلألأ في عيوني.. تشتعل في وجداني.. إيقاعات صوتها تجرفني إلى دلتا خصيبة.. نهداها أرجوحة سماوية.. حلمي يتمرجح بين المشارق والمغارب.. تناديني مفاتنها: هنا وطنك الذي لطالما بحثت عنه في المتاهات البعيدة، فيما كانت هي ودارها على مرمى حجر.. غشيت الأبصار وتاهت الأفئدة.
احتشدت فِيَّ ألف دهشة.. غمرتني بشلالات ضوئها حتى غبت عن وعيي انبهاراً ودهشة.. الألوان ترسل ضوئها فتخطفني وتأسرني في فتونها.. قوس قزح يكلل وجودنا بتيجان المحبة والفرح.. فيضها بات أكبر من عالمي.. يتمدد في مدى لا ينتهي.
أحببتها من النظرة الأولى.. من الوهلة الأولى.. أصابتني بكل سهام العذارى.. اصطادتني بكل شباك الفاتنات الحسان.. أوقعتني "المجنونة" في حب مجنون مختلف.. أوقعتني من نظرة أولى.. من وهلة أولى.. من لحظة أولى.. تملكتني من أول مشهد وأول مشاهدة.
هنا حط رحالي، بعد فراغ أتسع، وشعور بتيه وفقدان.. هنا وجدت كل المواسم والفصول.. الأعياد والهدايا.. الصوت والصدى.. الفطرة والنقاء.. الحقول والأغنيات.. هنا ملاذ ومستقر لمن أحب، بعد بحث وترحال وسفر.. هكذا حدثتُ نفسي حالما وجدتها، بعد تعب وعي..
فُرطُ جمالها وبذخه.. تعدّى الكمال!! جلّت قدرة من خلق.. كيف لألف معجزة أن تتكثف في واحدة؟!! أسرتني.. تملكتني.. خطفت قلبي من منبته.. قلعتني من الجذور.. صادرتني دون محضر أو استلام.. انتزعتني من وجودي.. ضمتني إلى وجودها دون سؤال أو خيار.
كان رضاها بي تاجاً وعرشاً ومملكة.. خطبتها في لجة الليل.. كتمت سري حتى لا يفتك به حسد ولا تصيبه عين.. كان هذا عيدنا.. عيد مكلل بالرضى.. مغمور بالسعادة والفرح.. ولكن كانت عيون الليل متربصة، وكان للجدران آذان، وكان السر قد تسرب من أهلها، حتى فشا وأنتشر.
بعد أيام أنقلب الحال إلى محال.. صدمني خبر بالغ السوء.. قطعوا أملي بصاعقة.. متطرفو حماة العقيدة وحراس معبدها أطاحوا بفرحي.. ضغطوا على الأسرة البسيطة لتغيّر رأيها.. كلحت السماء في وجهي واسودت.. هبط الليل ثقيلا في عز النهار.. وكان العذر أقبح من كل ذنب.. قالوا إنني "شوعي وملحد".
عدتُ أدراجي كسيراً ومتعباً ومثقلاً بخيبة لا تقوى على جرّها خيولي المنهكة.. عدت وقد كسروا ظهري وهدوا كاهلي.. عدتُ وأنا أغالب الكآبة والكمد.. عدت ألملم حطامي.. أشلائي المبعثرة وروحي الممزقة.. حلمي المبدد بعاصفة.. قتلني المتطرفون من كهنة الدين، وحماة العقيدة.
* * *


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.