في غمرة الجهود الحثيثة التي تبذلها لجنة التوافق واللجنة التحضيرية من أجل استكمال الترتيبات لعقد المؤتمر الجنوبي الجامع، الرامي الى توحيد قيادات وانشطة وفعاليات الحراك الجنوبي السلمي، أفرز الواقع اتجاهاً مغايراً يحمل دلالات يرى المحللون أنها لن تخدم القضية الجنوبية وتنذر بتفكك الحراك السلمي وربما تصل الخطورة إلى حد تصفية القضية الجنوبية برمتها. اذا لم يستوعب الجنوبيون الدروس السابقة وخصوصاً الاتفاقات التي جرت مع الطرف الشمالي والتي تم النكوث بها جميعاً. تكمن هذه الخطورة في تفشي حالة الاستقطاب الشديد التي يمارسها الرئيس هادي من خلال استمالة قيادات بارزة وتاريخية في الحراك الجنوبي السلمي واقناعها بالمشاركة في عملية الانتقال السلمي للسلطة المستند على مخرجات مؤتمر الحوار في اتجاه بناء دولة فدرالية تقسم الجنوب الى اقليمين خلافاً لرغبة غالبية الجنوبيين. واستطاع هادي اقناع بعض هذه القيادات التي اعلنت بشكل واضح تأييدها للعملية السياسية بقيادة رئيس الجمهورية وإيمانها المطلق بمخرجات الحوار الوطني كأساس لبناء دولة مدنية حديثة حسب زعمهم وخرجت هذه القيادات الى الواجهة ودعت أبناء الجنوب للعمل من أجل تنفيذ مخرجات الحوار، في ظل معارضة شديدة من قبل مكونات حراكية بارزة ومهمة ، اعتبرت أن تقارب بعض قيادات الحراك مع نظام صنعاء يمثل خيانة وطعنة غدر في جسد القضية الجنوبية. لأن الاتفاق مع هادي يعني الاتفاق مع قيادات النفوذ الشمالي التي سيطرت في الماضي على الجنوب وتريد أن تستمر في سيطرتها تلك ولكنها هذه المرة عبر أيد جنوبية. ونستعرض هنا أبرز هذه المواقف المتناقضة والمنقسمة على نفسها بين الذهاب الى صنعاء والتطبيع مع سلطتها برئاسة هادي أو الاستمرار في النضال الميداني الثوري حتى تحقيق جميع الأهداف التي رفعها الحراك السلمي. - العطاس : تقسيم الجنوب الى إقليمين هو الأهم عبر التاريخ يمثل حيدر أبو بكر العطاس أول رئيس حكومة بعد الوحدة - أحد أبرز قادة ما تعرف ب «معارضة الخارج» وشخصية فاعلة في اطار الحراك، وكان إلى وقت قريب يعتبر الوحدة منتهية ويدعو الى فك الارتباط نهائياً مع صنعاء لكن بعد جهود كبيرة بذلها هادي وعدد من الوساطات السياسية وضغوط من دول خليجية ومفاوضات سرية بشأن عودته الى صنعاء وترؤسه للحكومة خرج القيادي الجنوبي بصوت مغاير عن السابق معبراً عن تأييده لمؤتمر الحوار ومخرجاته معتبراً بأن ما حصل عليه الجنوب من الحوار بتقسيمه الى اقليمين في اطار الدولة الاتحادية القادمة هو الانجاز الأهم تأريخياً وخصوصاً إقليم حضرموت ونفى نيته تولي رئاسة الحكومة أو رئاسة إقليم حضرموت معبراً عن ارتياحه التام للخطوات التي يتخدها هادي في ادارته للمرحلة الانتقالية وقال العطاس على الجنوبين أن يسلموا بالحقائق على الأرض وأن يعملوا وفق ماهو ممكن ومتاح وكشف العطاس في لقاء جمعه مع شخصيات من أبناء شبوة أن أمريكا ترفض الكفاح المسلح من أجل فك الارتباط وقال لهم ان قيادات جنوبية التقت بمسؤولين امريكيين في الاردن عام 2008 وابلغتهم بنيتهم القتال ضد الحكومة، إلاّ أن ذلك قوبل برفض الامريكيين ، وأضاف أن الامريكيين سألونا كم تقدرون أن تقدموا من الشهداء فقلنا لهم 30 أو 40 ألفاً، فردوا علينا بأن هذا أمر خيالي ولن نسمح به.. وارجع البعض هذه التحولات الى رغبة العطاس في الحصول على حاكم اقليم حضرموت الذي يحظى بثروات هائلة ويتمتع بكافة المزايا التي تؤهله ليكون دولة مستقلة ذات سيادة ربما يكون موقف العطاس ضمن مخطط سعودي يسعى الى فصل اقليم حضرموت عن الجنوب ويتداول بعض ابناء عدن أن العطاس سيعود لتسلم رئاسة الحكومة. - النوبة : مخرجات الحوار هي السبيل الوحيد لحل القضية الجنوبية يعتبر النوبة هو المؤسس الأول والأب الروحي للحراك السلمي عبر تأسيسه لجمعية المتقاعدين العسكريين في 2007، وهو من أشعل حماس الجنوبيين وأيقظهم من سباتهم وكسر حاجز الخوف لديهم. لكنه الآن أحد الأشخاص الذين استمالهم هادي الى صفه ليصبح أحد الداعين الى ترجمة مخرجات مؤتمر الحوار على الواقع ومؤخراً دعا النوبة كافة مكونات الحراك الى طي صفحة الانفصال والمطالبة بفك الارتباط داعياً جميع القيادات الى الوقوف معاً الى جانب الرئيس هادي وتحويل المظاهرات والمسيرات الشعبية المطالبة بالاستقلال الى مسيرات تطالب بتنفيذ مخرجات الحوار القائمة على أساس الشراكة بين الشمال والجنوب مؤكداً على أن مقررات الحوار هي السبيل الوحيد لحل القضية الجنوبية - المفلحي .. نشاط ميداني بعد 30 عاماً من الغربة المعارض الجنوبي السابق وأحد أبرز القيادات الداعمة للحراك في الخارج الشيخ عبد العزيز المفلحي عاد من السعودية الى صنعاء ومن ثم إلى عدن بعد 30 عاماً من الغربة وجاءت عودته بعد أن تواصل به الرئيس هادي عبر شخصيات جنوبية واستطاع اقناعه بالانضمام الى فريقه وقد استقبله الرئيس عند عودته كما أن المفلحي حظي باستقبال جماهيري حاشد عند ذهابه الى عدن وبادر فور وصوله الى الالتقاء بقيادات الحراك وتنفيذ زيارات ميدانية في عدد من محافظات الجنوب، مؤكداً تأييده الكبير لمخرجات مؤتمر الحوار داعياً الى اصطفاف وطني لبناء اليمن الجديد المبني على المساواة وقال إن القادم مخيف جداً اذا لم تنفذ مخرجات الحوار على أرض الواقع وأنا مع عبدربه لأنه ابن الجنوب وعنده غيرة على وطنه الجنوبي. وتثير تحركات المفلحي وانشطته استياء وغضب عدداً من قيادات ومكونات الحراك السلمي وتعتبرها مشروعاً مناهضاً لتطلعات ابناء الجنوب في الحرية والاستقلال. - جمعية المتقاعدين العسكريين تتبرأ من النوبة وبالرغم من قدرة هادي على اقناع عدد من قيادات الحراك البارزة في الداخل والخارج بالانضمام الى عملية التسوية السياسية القائمة الاّ أن غالبية مكونات الحراك مازالت متمسكة بموقفها ومن بينها جمعية المتقاعدين العسكريين الجنوبيين التي أسسها النوبة. أكدت الجمعية في بيان لها بأن ذهاب بعض الأشخاص - النوبة - الى صنعاء ليس إلاّ مزاجاً شخصياً يعلم هو أبعاده الخفية ولم تمنحه الجمعية أي تفويض ولقاءاته في عاصمة الاحتلال - حسب البيان- هو تصرف شخصي ولا يحق له الحديث باسم الجمعية والحراك الجنوبي مطلقاً. ومن يظن أن الحوار قد حقق شيئاً للجنوب فإنه واهم وأحمق لأن مضمون «الموفمبيك» ومخرجاته وملحقاته «الحمرية» هي دفن القضية الجنوبية لا أكثر. - المجلس الأعلى للحراك : سنشعل الثورة في كل بيت جنوبي أكد المجلس الأعلى للحراك السلمي في الجنوب بأنه لا يوجد خيار سوى تعزيز وحدة الصف وايجاد قيادة جنوبية متماسكة حتى يدرك نظام صنعاء والعالم أجمع قدرة أبناء الجنوب على التلاحم وقت الشدائد وقال المجلس في بيان له سنجعل كل بيت جنوبي ثورة عارمة بوجه الاحتلال وبوجه التشرذم والتمزق. وعلاوة على هذه المواقف المناهظة للحوار والتفاهم مع نظام صنعاء يوجد حراك أكثر رفضاً وأشد عدائية للنظام متمثلاً بالحراك الذي يقوده علي سالم البيض والذي يدعو الى ثورة حقيقية حتى استقلال الجنوب بشكل كامل ويرفض أية مهادنة أو حوار مع النظام. ومابين المسافرين الى صنعاء والاتفاق مع الرئيس هادي وبين الواقفين في أماكنهم والمتمسكين بأهدافهم تجد القضية الجنوبية نفسها في منطقة ضيقة وتتعرض لضغوط وتأثيرات كبيرة قد تؤدي في نهاية المطاف الى استهدافها وتصفيتها إن لم يتغلب طرف على آخر ويفرض أجندته الخاصة على الميدان.