بات من المؤكد أن كثير من الأمور العالقة لا تزال محل خلاف بين اللجنة الرئاسية التي وصلت مدينة صعدة الخميس الماضي و جماعة الحوثي. و يتضح ذلك جليا من بقاء اللجنة الرئاسية في مدينة صعدة لليوم الثالث على التوالي. و يبدو أن الخلافات التي رحلت من يوم الخميس إلى الجمعة لا تزال عالقة بين الطرفين، خاصة و أن اللجنة الرئاسية لم توضح للرأي العام ما توصلت إليه، كما عملت مساء الخميس، ما يعني أن شيئا لم يتحقق لتعلنه للناس. و ربما أثر التصعيد الذي شهدته العاصمة أمس الجمعة على مناقشة كثير من الأمور بين الطرفين، خاصة بعد نصب الحوثيين لمخيمات جديدة في محيط مقرات حكومية بينها وزارات مهمة كالداخلية، و الذي تبعه بيان للجنة الأمنية اتهم فيه الحوثيين بالخروج عن حق التظاهر السلمي. و من خلال ما تداوله ناشطون محسوبون على جمعة الحوثي، يستشف وجود خلاف، حول طبيعة التعامل مع الأوضاع في العاصمة صنعاء. الخلاف و إن بدأ بسيطا في جماعة تلتزم للمركز، غير أنه صنع فارقا في اتجاه التصعيد، الذي بدأ أن زعيم الجماعة اراده و لم يلوح به في خطاب مساء الخميس، حين حدد مكان صلاة الجمعة في شارع المطار، شمال العاصمة. نصب خيام جديدة في محيط وزارة الداخلية بالذات لم يكن متوقعا، خاصة مع خطاب التهدئة للسيد عبد الملك الحوثي، و الذي يشير تحديده لمكان صلاة الجمعة، إلى محاولته جر الجموع المحتشدة إلى أطراف العاصمة، رغبة في تلافي أي احتكاكات مع الجيش و الأمن، و هو ما يتمناه خصومه. البعض يفسر نصب الخيام في محيط وزارة الداخلية، اختراق للجماعة التي تحاول قيادتها الميدانية السيطرة على كل صغيرة و كبيرة في مخيمات الاعتصام، حيث يشير البعض إلى أن معتصمين غير ملتزمين للجماعة هم من بدأوا بنصب تلك الخيام و في أكثر من مكان لإشغال اللجان الميدانية، تبعهم معتصمين أخرين، غير أن مصادر تؤكد أن ذلك تم بإيعاز من محسوبين على الجماعة، لم تعجبهم التهدئة. خصوم الحوثي، استغلوا تلك الاستحداثات الجديدة و عملوا عبر آلتهم الاعلامية على التخويف من خطورة ما يحصل، و الذي عززته اللجنة الأمنية ببيان حذرت فيه مما يجري. تأخير التفاوض في صعدة لأيام مقبلة لا يخدم التهدئة في صنعاء، خاصة بعد التصعيد الذي شهدته أطراف العاصمة الليلة، حيث يسعى طرف ثالث للدفع بالأوضاع نحو المواجهة. طرف أخر يسعى لخلط الأوراق، حيث ترددت أنباء عن دعوات وجهتها حملة "انقاذ" التي تقودها المؤتمرية "نورا الجروبي" للنزول إلى الشارع، لرفض الجرعة. الحوثي مدرك لطبيعة انفلات الأمور، و الذي بدأ واضحا من خلال خطاب مساء أمس الجمعة، و الذي ألقاه في الذكرى السنوية ليوم الصرخة، و الذي تعمد عدم الاشارة فيه لما يدور في العاصمة و نتائج المشاورات مع اللجنة الرئاسية، منعا لأي تصعيد قد يفهم من الخطاب، و لو بالتأويل، على غرار ما حصل بعد صلاة الجمعة، شمال العاصمة. و فيما يدرك الحوثي كل ذلك، غير أنه لا يستطيع الاسراع في عملية التفاوض، و الاستجابة لما تطرحه اللجنة الرئاسية، و في الوقت نفسه بات مدركا أن قبضة لجانه الميدانية على الحشود، لن تطول، و سيبدأ الناس بالازدراء منها و رفضها، ما قد يخلق كثير من الأمور التي هم في غنى عنها. و مع كل ذلك سيدرك الحوثيون أن قبولهم بالتفاوض في اللحظات الأخيرة للموعد النهائي للمهلة، أوقعهم في خطاء فادح سيستغله خصومهم لترتيب صفوفهم و الاستفادة من الثغرات و الأخطاء التي حتما ستقع فيها قيادات الجماعة التي تخوض معركة جديدة بعيدا عن التكتيكات و الحسابات العسكرية. و لعل أولى هذه الأخطاء، ضبابية المرحلة الثانية من التصعيد و أهدافها، و التي يفترض أن تكون متقدمة على المرحلة الأولى، غير أن هناك ما يشير إلى أن عملية بتر ستطال هذه المرحلة، و ستقنع الكثيرين بمغادرة مخيمات الاعتصام إلى قراهم، خاصة غير الملتزمين للجماعة و هم السواد الأعظم من الناس، و هو ما سيدحض صفة الشعبية على الخروج إلى الشارع، و يجعله في اطار الجماعة، التي تعد جزء من الشعب و ليس الشعب كله. انتظار القرار من صعدة هو الآخر سيصيب كثيرين من المتعاطفين مع الجماعة و المستجيبين لدعوة الخروج بالملل و سيطفئ حماسهم و اندفاعهم، خاصة بعد الخطاب الأخير للحوثي، الذي لم يشر لما يدور في العاصمة. و بالتالي فإن التجربة الأولى للجماعة في خوض غمار العمل الشعبي و في العاصمة صنعاء، سيجعلها تعيد كثير من الحسابات بينها أن عملية تصدر الاحتجاجات و تبني مطالب الناس، ليست وسيلة للكسب و التمدد دائما، فقد تكون وسيلة للخسارة. و مثلها سيتعلمون أن النجاح في قيادة الأتباع لا يعني بالضرورة النجاح في قيادة الشعب و التعبير عن مطالبه و همومه. و مثلها سيدركون أن قيادة الناس تحت شعار حزب أو جماعة وسيلة غير ناجحة لأنها لا تعبر عنهم و لا تلبي مطالبهم.