نشرت صحيفة فايننشال تايمز مقالا للكاتب كريستوفر بوشيك يعيب فيه على تيار من العسكريين الأميركيين اهتمامهم بمزيد من القوة العسكرية لمواجهة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وعدم الاكتراث بمعالجة أزمات اليمن الداخلية. ويقول الكاتب "إن عدم التعامل مع أزمات اليمن الداخلية سوف يؤدي إلى إعطاء القاعدة مزيدا من الحرية في التآمر والتخطيط وشن الهجمات الإرهابية، لا بل إن ذلك التوجه سوف يؤدي إلى ولادة مواجهة أمنية من جانب واحد، وذات تكلفة عالية لن ينتج عنها إلا مزيد من سوء الوضع". ويتابع أن "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عدو ذكي ويجيد قنص الفرص، وقدرته على مهاجمة الأهداف الأميركية في اليمن تزداد يوما بعد يوم. إن محاولة التنظيم الفاشلة لتفجير طائرة متجهة إلى الولاياتالمتحدة في أعياد الميلاد عام 2009، قد أبرزت رغبة التنظيم في إيصال ذراعه الضاربة إلى التراب الأميركي. أما المحاولة الأخيرة لإرسال طردين ملغومين إلى الولاياتالمتحدة، فتثبت أن التنظيم أخطر من تنظيم القاعدة المركزي نفسه الذي ينشط في باكستان". ويشير إلى أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب طور طريقة وصوله إلى الهدف، ونفذ العديد من الهجمات الناجحة في اليمن وصلت إلى أربعين هجوما، استهدفت البنية التحتية والأجانب وقوات الأمن الداخلي والدعم العسكري الأميركي لليمن. قدرة بارعة ويضيف أن "التنظيم يتمتع بقدرة بارعة على إيصال ما يريد، فمنشوراته باللغة الإنكليزية التي تدعو إلى المزيد من الهجمات على الولاياتالمتحدة -إلى جانب نجاحاته العسكرية- تمكن من استقطاب المزيد من الإرهابيين الأجانب إلى اليمن، كما أصبح اليمن وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب نتيجة لذلك مركز إلهام للمتطرفين في الخارج". ثم يعود الكاتب إلى موضوع مقاله الرئيسي ليقول إن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يزدهر بانتشار الفوضى التي تضرب اليمن من الداخل، والمتمثلة في حربين متزامنتين في الشمال والجنوب، وعجز الحكومة عن السيطرة على جميع أنحاء البلاد يمنح القاعدة ملاذا وفرصة لاستغلال الفقر والمظالم المشروعة الناتجة عن نظام قمعي للحصول على الدعم لمشروعه. ويشير إلى المسألة الاقتصادية قائلا إنه إذا تمت تنحية المخاوف الأمنية جانبا، فإن اليمن على حافة كارثة اقتصادية، حيث يعاني البلد من الفقر والعوز، ومصادر المياه فيه تعاني استنزافا شديدا، علما بأن معظم أعمال العنف الداخلي التي يشهدها اليمن سببها الصراع على الموارد المائية. مساعدات هزيلة وبعد استعراض معضلات اليمن الاقتصادية والاجتماعية يعود الكاتب ليعيب على الولاياتالمتحدة ضآلة مساعداتها المقدمة إلى اليمن، ويقارن الوضع مع باكستان التي ستتسلم مليارات الدولارات من الإعانة الأميركية العام المقبل، بينما لا تتجاوز حصة اليمن مائتي مليون دولار، وهو مبلغ ضئيل لا يكفي حتى لمواجهة التحديات الأمنية التي يواجهها البلد، و"التي تخصنا مباشرة". ويحذر بوشيك من أن الخطر يكمن في احتمال التأثير على تلك المساعدات الهزيلة أصلا بسبب التركيز على التعاون الأمني، مثل السماح لسي آي أي بتشغيل برنامجها لطائرات التجسس بدون طيار، وهو أمر قد يزيد من التوتر الداخلي الذي كان سببا في قدوم القاعدة إلى هذا البلد أصلا. ويرى أن "الولاياتالمتحدة بحاجة إلى تطوير القوانين والتشريعات في اليمن، وتطوير قدرات قواته الأمنية، وتسريع نموه الاقتصادي ودعم الإصلاح وتطوير التعليم ومحاربة الفساد فيه. فجهود مثل هذه ستوجه ضربة قاضية إلى لب المنهج الذي يستخدمه التنظيم لكسب الدعم له، وسوف تصب في مصلحة الأهداف التي تنشدها الولاياتالمتحدة والمتمثلة في احتواء مخاطر الإرهاب". وبحسب الكاتب، ستكون المملكة العربية السعودية شريكا أساسيا في جهود كهذه، فقد قدمت ملياريْ دولار لليمن، "ولكن علينا نحن أيضا أن ندلي بدلونا بشكل أكثر فاعلية". ويختتم الكاتب مقاله بقوله "لدينا فرصة ضئيلة في التعامل مع أصل المشاكل التي أدت إلى ظهور الإرهاب وعدم الاستقرار في اليمن، وعلينا ألا نكتفي بمعالجة النتائج فقط. إذا تصرفنا بصورة متسرعة أو عجزنا عن التحرك أصلا فإن تلك الفرصة ستضيع، وعندها سيكون اليمن معرضا لخطر الانهيار، وسيتعاظم الخطر الإرهابي على الغرب". المصدر: فايننشال تايمز