يوحي الكشف عن القنابل التي كانت موجودة في عبوات شحن جوية مرسلة إلى كنس يهودية في شيكاغو، والتي بدأت رحلتها من اليمن، بأن التنظيم المحلي التابع للقاعدة صمد أمام حملة تطويقه، بالإبقاء على قدرته على توجيه ضربات خارج حدود البلاد. ومع أنه لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن القنابل التي اكتشفت في دبي وبريطانيا، إلا أن المسؤول الكبير في مكافحة الإرهاب بالبيت الأبيض جون برينان قال إن تطور العبوات يشير إلى أنها من صنع القاعدة في جزيرة العرب المتمركزة في اليمن.
وقال مدير معهد التحليل العسكري للشرق الأدني والخليج تيودور كاراسيك إن "هذا التنظيم هو الخلية الأكثر تدميرا الآن. وحتى إذا لم يكن باستطاعتهم الالتفاف على التدابير الأمنية، فإن حقيقة أنهم يستطيعون لفت انتباه الغرب وإحداث توترات بقصد إظهار ما يمكن أن تفعله القاعدة يجعلهم في وضع متميز".
وقالت صحيفة فايننشال تايمز إن "اليمن -وهو أفقر بلد عربي وموطن أسلاف أسامة بن لادن- ليس بغريب عن التشدد الإسلامي". لكن القاعدة في جزيرة العرب نقلت التهديد إلى مستوى جديد بظهورها أقوى رغم جهود الحكومة اليمنية المدعومة من الولاياتالمتحدة.
فقد حققت الجماعة أول ظهور دولي لها بزعمها أنها دربت وجهزت الطالب النيجيري الذي حاول تفجير طائرة ركاب فوق الولاياتالمتحدة العام الماضي. ونفس المتفجرات كانت في القنبلة التي اكتشفت في دبي يوم الجمعة الماضية. وقال برينان إن نفس الجهة التي صنعت القنبلة ربما تكون مسؤولة عن كلتا العبوتين.
وأشارت الصحيفة إلى أن مسؤولي الأمن في السعودية كانوا قد حذروا منذ فترة من أن القاعدة في جزيرة العرب تشكل أكبر تهديد أمني لأكبر منتج للنفط في العالم.
لكن الخبير في الشؤون اليمنية بجامعة برينستون الأميركية غريغوري جونسن يقول إن قدرة القاعدة في جزيرة العرب على الانتعاش بعد تكبدها خسائر هذا العام، تبرز فشل إستراتيجيات مكافحة الإرهاب الأميركية واليمنية، وأن الضربات الجوية والغارات الحربية قد سببت نفور قطاعات كبيرة من السكان.
وأضاف جونسن أن قادة القاعدة في جزيرة العرب "قاموا بهذ العمل الجيد قبل أن يفطن أي أحد لتشييد بنية أساسية متينة، لدرجة أن التنظيم يستطيع الآن التصدي لبعض هذه الضربات".
واستطرد بأنه بينما حققت الولاياتالمتحدة بعض النجاحات في فترة قصيرة نسبيا، فإن تلك النجاحات قد ارتدت واستفاد منها التنظيم لتجنيد المزيد من الأشخاص.
وقالت الصحيفة إن المحلل اليمني عبد الغني الأرياني يتفق مع الرأي القائل إن الحملة العسكرية -التي شردت الآلاف عن ديارهم- كانت غير شعبية إلى حد كبير، في بلد الحكومة فيه ضعيفة، وزعماء القبائل يتمتعون بنفوذ كبير. كما أن الحكومة تصارع اقتصادا منهارا، وتمردا متقطعا في الشمال، وحركة انفصالية نشطة في الجنوب.
وقال الأرياني "أعتقد أن القاعدة والتعبيرات الأخرى الساخطة، هي أعراض لقضايا اجتماعية أعمق، وأن على الحكومة أن تتعامل معها لحل هذه المشاكل".
وفي حين أصيبت الحكومة اليمنية بالذهول والحرج -في ظل التطورات الأمينة الأخيرة- شكك محللون في قدرة القاعدة في شبه الجزيرة العربية على الاضطلاع بنوع من أنواع التقنية العالية كالذي استخدم في إعداد الطردين الملغومين.
القاعدة تزدهر بأزمات اليمن ونشرت صحيفة فايننشال تايمز مقالا للكاتب كريستوفر بوشيك يعيب فيه على تيار من العسكريين الأميركيين اهتمامهم بمزيد من القوة العسكرية لمواجهة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وعدم الاكتراث بمعالجة أزمات اليمن الداخلية.
ويقول الكاتب "إن عدم التعامل مع أزمات اليمن الداخلية سوف يؤدي إلى إعطاء القاعدة مزيدا من الحرية في التآمر والتخطيط وشن الهجمات الإرهابية، لا بل إن ذلك التوجه سوف يؤدي إلى ولادة مواجهة أمنية من جانب واحد، وذات تكلفة عالية لن ينتج عنها إلا مزيد من سوء الوضع".
ويتابع أن "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عدو ذكي ويجيد قنص الفرص، وقدرته على مهاجمة الأهداف الأميركية في اليمن تزداد يوما بعد يوم. إن محاولة التنظيم الفاشلة لتفجير طائرة متجهة إلى الولاياتالمتحدة في أعياد الميلاد عام 2009، قد أبرزت رغبة التنظيم في إيصال ذراعه الضاربة إلى التراب الأميركي. أما المحاولة الأخيرة لإرسال طردين ملغومين إلى الولاياتالمتحدة، فتثبت أن التنظيم أخطر من تنظيم القاعدة المركزي نفسه الذي ينشط في باكستان".
ويشير إلى أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب طور طريقة وصوله إلى الهدف، ونفذ العديد من الهجمات الناجحة في اليمن وصلت إلى أربعين هجوما، استهدفت البنية التحتية والأجانب وقوات الأمن الداخلي والدعم العسكري الأميركي لليمن.
ويضيف أن "التنظيم يتمتع بقدرة بارعة على إيصال ما يريد، فمنشوراته باللغة الإنكليزية التي تدعو إلى المزيد من الهجمات على الولاياتالمتحدة -إلى جانب نجاحاته العسكرية- تمكن من استقطاب المزيد من الإرهابيين الأجانب إلى اليمن، كما أصبح اليمن وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب نتيجة لذلك مركز إلهام للمتطرفين في الخارج".
ثم يعود الكاتب إلى موضوع مقاله الرئيسي ليقول إن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يزدهر بانتشار الفوضى التي تضرب اليمن من الداخل، والمتمثلة في حربين متزامنتين في الشمال والجنوب، وعجز الحكومة عن السيطرة على جميع أنحاء البلاد يمنح القاعدة ملاذا وفرصة لاستغلال الفقر والمظالم المشروعة الناتجة عن نظام قمعي للحصول على الدعم لمشروعه.
ويشير إلى المسألة الاقتصادية قائلا إنه إذا تمت تنحية المخاوف الأمنية جانبا، فإن اليمن على حافة كارثة اقتصادية، حيث يعاني البلد من الفقر والعوز، ومصادر المياه فيه تعاني استنزافا شديدا، علما بأن معظم أعمال العنف الداخلي التي يشهدها اليمن سببها الصراع على الموارد المائية.
وبعد استعراض معضلات اليمن الاقتصادية والاجتماعية يعود الكاتب ليعيب على الولاياتالمتحدة ضآلة مساعداتها المقدمة إلى اليمن، ويقارن الوضع مع باكستان التي ستتسلم مليارات الدولارات من الإعانة الأميركية العام المقبل، بينما لا تتجاوز حصة اليمن مائتي مليون دولار، وهو مبلغ ضئيل لا يكفي حتى لمواجهة التحديات الأمنية التي يواجهها البلد، و"التي تخصنا مباشرة".
ويحذر بوشيك من أن الخطر يكمن في احتمال التأثير على تلك المساعدات الهزيلة أصلا بسبب التركيز على التعاون الأمني، مثل السماح لسي آي أي بتشغيل برنامجها لطائرات التجسس بدون طيار، وهو أمر قد يزيد من التوتر الداخلي الذي كان سببا في قدوم القاعدة إلى هذا البلد أصلا.
ويرى أن "الولاياتالمتحدة بحاجة إلى تطوير القوانين والتشريعات في اليمن، وتطوير قدرات قواته الأمنية، وتسريع نموه الاقتصادي ودعم الإصلاح وتطوير التعليم ومحاربة الفساد فيه. فجهود مثل هذه ستوجه ضربة قاضية إلى لب المنهج الذي يستخدمه التنظيم لكسب الدعم له، وسوف تصب في مصلحة الأهداف التي تنشدها الولاياتالمتحدة والمتمثلة في احتواء مخاطر الإرهاب".
وبحسب الكاتب، ستكون المملكة العربية السعودية شريكا أساسيا في جهود كهذه، فقد قدمت ملياريْ دولار لليمن، "ولكن علينا نحن أيضا أن ندلي بدلونا بشكل أكثر فاعلية".