احتضنت محافظة أبين بجانب محافظة عدن فعاليات منافسة بطولة خليجي عشرين. البطولة التي نظر إليها النظام الحاكم باعتبارها بطولة سياسية حقق من خلالها انتصارا ضد اعتقاد ساد مؤخراً في الداخل والخارج عن خروج مناطق جنوبية من أبززها أبين عن سيطرة سلطات الدولة. الاعتقاد الذي عززته سلسلة متواصلة من أنشطة احتجاجية معارضة سادت الشارع الجنوبي، بالإضافة إلى عمليات هجومية وقتالية نفذتها جماعات متطرفة أودت بحياة العشرات هناك. وسعى النظام الحاكم من خلال استضافة البطولة إلى ترميم صورته أمام الداخل والخارج وإحكام قبضته من حيث سيطرته على ثبات وفعالية السلطات، خصوصاً الأمنية منها، وفي محافظة أبين على وجه التحديد. أبين.. المحافظة التي عاشت خلال العامين الأخيرين ملفاً ساخناً بالأحداث والتطورات.. شهدت خلالها اضطرابات أمنية واحتجاجات سياسية متواصلة أرًقت النظام الحاكم.. أبين معقل النظام الحاكم في جنوب اليمن التي كثيرا ما عول عليها في خدمة مصالحه وتدعيم سلطاته، وخير شاهد الدعم الكبير للبنى القبلية والدينية هناك الذي اعتمد عليه خلال الحرب الأهلية عام 1994..بيد أن الأمر اختلف منذ ذلك الحين.. فقد التحقت فئات وشرائح كبيرة من حلفائه القبليين في الحراك الجنوبي..وتحولت الجماعات الدينية من حليف الأمس إلى عدو اليوم جراء سلسلة من الضربات والحملات العسكرية فرضتها عليه حتمية مواصلة الشراكة مع الولاياتالمتحدة في المحفد ولودر ومودية وجعار.. وبينما زجت السلطة بتعزيزات أمنية وعسكرية غير هينة منذ قرابة عام للحفاظ على استقرار السلطات بالمحافظة.. إلا أن ذلك لم يبدو ناجعاً بالنظر إلى أحداث العام المنصرم من حيث عدد الفعاليات الاحتجاجية للحراك الجنوبي، والمواجهات مع عناصر “القاعدة”- حسبما تقول السلطات. وزاد من حدة خشية السلطات، اختراق الحراك الجنوبي لأشد المناطق القبلية المسلحة بأساً وتأثيراً في المحافظة، حيث أصبحت في الفترة الأخيرة مديرية لودر المربع رقم واحد بالمحافظة بالنسبة للحراك من حيث عدد أنصاره وتنظيمهم. كما توسع الحراك بشكل لافت في مديرية مودية والمحفد المحاذيتين لمحافظة شبوه. ويأتي هذا على عكس ما كان يحسبه النظام الحاكم وهو عزل تجمعات الحراك المتركزة في نواتها الضالع ولحج في دوائر مغلقة ومنفصلة غير قابلة للامتداد نحو مديريات أبين، التي قد تؤثر بدورها على شبوة، المحافظة التي تتشابه كثيراً مع طبيعتها. شهدت لودر ومودية عمليات عسكرية خلال الأشهر القليلة الماضية. خاضت فيها وحدات من الجيش والأمن المركزي مواجهات ضارية مع عناصر من تتهمهم السلطات بالانتماء لتنظيم القاعدة. استخدمت فيها قوات الجيش والأمن الأسلحة الخفيفة والثقيلة مسنودة بالقصف الجوي. وسقط خلال المواجهات عشرات القتلى من العسكريين والمدنيين. بيد أن تلك العمليات لم تستهدف أحداً من المطلوبين الواحد والعشرين الذين أحصتهم السلطات عبر مخرجاتها الإعلامية. وكثيرا ما يبرر المسئولون المحليون العمليات العسكرية بادعاءات من شاكلة أن تلك العناصر المتشددة تقبر قتلاها في أماكن بعيدة عن أعين الجميع. الجدير بالذكر أن تلك العمليات العسكرية كثيرا ما تطال ضرباتها العشوائية مناطق آهلة بالسكان وتقتل مدنيين وتجرحهم وتشردهم. وهو ما يقود إلى نتائج كارثية تزيد من وتيرة السخط والاحتجاج في أوساط السكان. وفي أغلب الأحيان، لا تسعى السلطات إلى تحمل مسؤولياتها لمعالجة نتائج تلك الكوارث الناجمة غير آبهة بقوانين حماية المدنيين- بحسب التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان. فخلال 4 أيام من المواجهات المتقطعة الأخيرة التي اندلعت في منتصف أكتوبر الماضي في مودية، قتل 3 مدنيين، وجرح 4 آخرون (امرأتان وطفلان). كما شردت الضربات الجوية قرابة 200 نازح في منطقة “ثعوبة”، و8 أسر أخرى في منطقة “طهم”. وأضحى النازحون يعيشون في المناطق المجاورة ظروفاً صعبة داخل مخيمات نصبت بسواعد الأهالي؛ حيث يكتظ في المخيم الواحد عشرات من النساء والأطفال، ويعانون من شحة المياه والغذاء. ويخشى النازحون تجدد القصف حال عودتهم إلى قراهم. وبالرغم من ذلك، لم تقم السلطات بواجباتها تجاه ذوي القتلى والجرحى والمشردين والمساكن المتضررة. حيث لم تصل السلطات إلى هؤلاء النازحين حتى شهر نوفمبر. وتقول منظمات أجنبية إنها لم تحصل على إذن للوصول إلى تلك المناطق. “يمنات” يسلط بقعة ضوء على جانب من الأوضاع التي تعيشها إحدى مديريات محافظة أبين المترامية الأطراف: لودر: قصة مدينة تنام على دوي القصف ولسع البعوض وأرق النزوح يعاني سكان مديرية لودر الذين يتراوح عددهم بين (مائة وعشرين ألف ومائة وخمسة وعشرين ألف نسمه) من تردي الخدمات العامة. ويشتكي كثيرون إهمال السلطات لهم من حيث عدد وحجم المشاريع المعتمدة والمنفذة في إطار المديرية مقارنة بالمديريات المجاورة. وردا على استفسار المستقلة حول واقع المشاريع الخدمية ودور المجلس المحلي، قال مدير عام المجلس المحلي بمديرية لودر/ عوض علي النخعي: “ المجلس المحلي مشلول، والسبب في ذلك هو أن قنوات الدولة- بالذات- في محافظة أبين لا تتعامل مع القنوات الرئيسة للمجلس المحلي”. وأوضح النخعي بأن كثيراً من المشاريع في المديرية تمر خارج القنوات الرئيسة للسلطة المحلية، ولا يتم الرجوع إليها حتى في تقييم المشاريع. مشيراً إلى خلل في قنوات الدولة جراء عدم تطبيق القانون بهذا الخصوص. كهرباء لخليجي 20 فقط تعيش المدينة أزمة مياه متواصلة. حيث يعتمد السكان بشكل رئيسي في استهلاكهم لها على شراء شاحنات الماء. ومع أن مياه المشروع الحكومي غير الصالحة للشرب لا تصلهم سوى مرة واحدة في الشهر، إلا أن حوالي 80 % من سكان المدينة يضطرون لعدم استخدامه لأنه غير صالح حتى للغسيل والاستحمام جراء تلوثه وملوحته، حد رواية عدد من الأهالي للمستقلة. يتذمر الأهالي من انقطاع الكهرباء طوال فترة النهار، حيث لا يتوافر التيار إلا أثناء الليل فقط. وشكا المواطنون بأنهم عاشوا أياما مضنية خلال فصل الصيف جراء ارتفاع درجة الحرارة. ويقول المواطنون إنه ومنذ ما قبل افتتاحية خليجي عشرين ازدادت حالات الانطفاء المتكررة للتيار، ففي معظم الأحيان، يأتي التيار الكهربائي في وقت العصر وينطفئ عند منتصف الليل. يعلق أحد المواطنين ساخراً بأن الدولة لا تشغل لهم الكهرباء إلا من أجل مشاهدة خليجي 20. المرحلة الثالثة قبل الثانية كما أن شبكة الصرف الصحي بحاجة إلى إعادة تأهيل. وتتكرر حوادث طفح المجاري داخل أحياء المدينة، وتظل لفترات طويلة دونما اكتراث من قبل السلطات. ويتكاثر البعوض بشكل كثيف، وهو ما يجلب تأثيرات سلبية على الوضع الصحي للسكان. يذكر إنه ورد في قائمة مشاريع لودر الممولة من الاعتماد الإضافي (المرحلة الأولى) مشروع “استكمال مجاري لودر- المرحلة الثالثة”، بيد أن الغريب أن المرحلة الثانية من المشروع لم يجر تنفيذها، بحسب مصادر حكومية ومحلية في المدينة. كما يعاني المواطنون من شحة غاز الطبخ، حيث لا يتوافر في بعض الأحيان داخل أسواق المدينة. وفيما يخص الجانب الأمني قامت القوات العسكرية في المدينة في نهاية العشر الأوائل من رمضان بقصف عشوائي على أحياء المدينة الشمالية، (وحدة الخضر عبده) على وجه التحديد، حيث كان يستمر القصف مدة زمنية تتراوح بين الساعة والساعة والربع على مدى ثلاثة أيام على التوالي.. وإذا كانت السلطة قد شنت تلك الحملة العسكرية إثر إقدام عناصر متطرفة على قتل 11 جندياً، إلا أن ذلك لا يُسقط في أي حال من الأحوال واجب السلطات في حماية المدنيين. وكان من بين المنازل التي طالها القصف العشوائي منزل حفيظ محمد حفيظ، ومنزل صالح عيدروس الجفري. كما قتل القصف 2 من المدنيين، أحدهم يدعى رياض محمد ناصر (17 عاما)، والثاني يُدعى أدهم (قرابة 26 عاماً) وهو أمي يعمل في متجر للبيض. حيث أصابتهم قذيفة بإصابة مباشرة بينما كانا يجلسان في أحد شوارع المدينة وتوفوا على إثرها. وبينما قالت السلطات الأمنية حينها بأن القتيلين من “عناصر القاعدة”. إلا أن محافظ محافظة أبين نفى صلة المذكورين بتنظيم القاعدة في تعليق سابق له بعد الحادثة، النفي الذي أكدته رواية مصادر مقربة من محمد وأدهم لموقع “يمنات”. نزوح جماعي وجراء القصف.. لجأ أغلب سكان المدينة إلى نزوح جماعي بالآلاف.. وبحسب سكان المدينة، فقد نزحت 99 % على مستوى الأسر إلى القرى والمناطق المجاورة في البيضاء ومكيراس وأبينوعدن..ويروي السكان تجارب نزوحهم بمرارة، بسبب المعاناة الاقتصادية العصيبة التي عايشوها جراء بحثهم عن مأوى، خاصة وأن النزوح جاء ليفرض عبئاً جديدا إلى معاناتهم المعيشية. يتحدث محمد قاسم الرافعي، وهو قيادي بارز في الحراك بمديرية لودر، ل (يمنات) عن العملية العسكرية في شهر رمضان قائلاً: “إذا كانت هناك عناصر قاعدة في مدينة لودر.. لماذا لم تقتحم القوات العسكرية المدينة عندما نزح المواطنون من المدينة!..يقولون إن لديهم قوات خاصة مدربة على حرب الشوارع والإرهاب من قبل الأمريكان، فلماذا إذن لم يقتحموا المدينة حينها!! هذا دليل واضح أنه لا يوجد لدينا إرهاب”. ويضيف بالقول: “ إن تلك العناصر التي تقوم بالعمليات ضد أفراد الجيش مأجورة من قبل السلطة”. وترتب على موجة النزوح تلك هبوط أسعار العقارات وشحة السلع.. التي تواصلت وتيرتها أيضا بعد انتهاء العمليات العسكرية وعودة كثير من الأسر النازحة إلى المدينة.. بيد أن بوادر الأزمة الأمنية والمعيشية لم تنقشع بعد. ومازال هاجس النزوح يؤرق كثيرا من السكان، حيث قام بعض النازحين العائدين باستئجار منازل خارج مدينة لودر خشية تجدد العمليات العسكرية. ومثلما هو حال المتضررين المدنيين جراء العملية العسكرية في مودية..لم تقم السلطات بدورها تجاه المتضررين المدنيين من القتلى والجرحى والنازحين ومساكنهم المتضررة. ويقول سكان المدينة، إنه منذ انتهاء العملية العسكرية في شهر رمضان مازالوا يسمعون في أثناء الليل دوي أصوات الطائرات في سماء المدينة، وكثيراً ما تتردد أصوات قصف متقطع، مصدرها اللواء 111 المحيط بالمدينة، بيد أنهم لم يتحدثوا عن إصابات، وعادة ما يستهدف ذلك القصف مناطق خالية من السكان، وهي مناطق جبلية تقع فوق ضواحي المدينة. ويترك دوي الطائرات والقصف المدفعي الرعب والقلق في نفوس السكان، يقول فتحي: “أخي الصغير- طفل لا يتعدى التاسعة- يتمنى لو كان أصم”. وفوق هذا وذاك، يسمع الأهالي أصوات متقطعة لإطلاق نار داخل المدينة في بعض الأحيان، وغالبا ما تكون في أثناء الليل. شلل أمني وبرغم القوة العسكرية المعززة المحيطة بالمدينة من المدخلين الرئيسين لها، والتي تضم اللواء 111 التابع للجيش وكتيبة تتبع الأمن المركزي، إلا أن المواطنين يشكون من تقصير في دور الشرطة داخل المدينة التي تعيش حالة “شلل أمني” حد تعبيرهم. حيث يوجد فقط مركز شرطة وحيد. ويقول الأهالي إنه لا يوجد في هذا المركز أحيانا سوى شرطي أو شرطيين، وإذا ما حدث انفجار أو إطلاق نار داخل المدينة لا تنزل الشرطة إلى مسرح الحادثة إلا لماماً، وإن تجاوبون مع بلاغاتهم، فإنهم يتجاوبوا بشكل متأخر. ويلجأ المواطنون في أغلب الأحيان إلى حل حوادث الاعتداءات الشخصية عن طريق العرف القبلي، وقد ارتفعت نسبة حوادث القتل جراء الانفلات الأمني وأسباب أخرى.