لم تكن رانية أول فتاة تطلب الزواج بالفتى الذي ترغب فيه، وتقف من أجل ذلك ضد أسرتها وما تؤمن به من قيم وعادات وموروثات، فقبل رانية فعلت ذلك فتيات كثيرات، وخصوصاً في نفس المنطقة التي تنتمي إليها رانية، لكن رانية كانت أول فتاة مما تعتبره قبيلتها “نسباً أسمى وأجل" ترغب في الزواج من فتى تعتبره قبيلتها أيضاً “ناقص أصل" لأنه ينتمي إلى من يسمون ب"المزاينة" أو “الجزارين". وضاح الجليل : يُحكى في مديرية “قفل شمر" التابعة لمحافظة حجة، أن فتاتين من تلك “الأصول الناقصة" هربتا من بيتي زوجيهما اللذين ينتميان إلى نفس الأصول، وأعلنتا حبهما لرجلين من أصول قبلية، وقد تم لهما ما أرادتا، حيث تم تطليقهما من زوجيهما برغم أنها كانتا قد أنجبتا منهما عدداً من الأطفال، وتزوجتا بمن أحبتا باتفاق وإجماع من أهالي ومشائخ المنطقة وفق الأعراف القبلية التي لم يعترض عليها أحد، وأكثر من ذلك أنهما حين تم تزويجهما لم تكونا بعد قد أتمتا عدتهما المقرة في الشرع والقانون، ولم تصل قضيتيهما إلى أي محكمة، ولم تسجلا في أية وثائق رسمية. لكن الأمر اختلف مع رانية التي تنتمي لأصول قبلية، واختارت فتى من أصول يعتبرها القبائل ناقصة، ولهذا أخذت قضيتها منحى آخر، ومكان لتفاصيل قصتها مسارات وصلت إلى حدود خطيرة، ولا يبدو أنها ستقف عند حد خصوصاً وأن كلا الطرفين متشبث بموقفه بقوة، بل ومع تدخل أطراف أخرى في القضية، بعضها معنية بها من قريب، وبعضها غير معنية بها بالمرة.
يؤكد الشيخ محجب أنه وفي مثل هذه الحالات فإن العرف القبلي يقضي بتزويج الفتاة التي تهرب مع رجل أو لأجله درءاً للفتنة، حتى لو كانت متزوجة، وذلك وفقاً للعادات والتقاليد المعمول بها هناك، إلا أنه –والحديث ما زال للشيخ محجب- وفي حالة قضية رانيا فإن المسألة أخذت بعداً آخر لأنها من أسرة تعتبر قبيلية، والشاب الذي ترغب بالزواج به من أسرة تعتبر ناقصة. قبل عدة أسابيع فقط لجأت رانية إلى شيخ مشائخ مديرية “عبس" محجب عثمان محجب، طالبة منه حمايتها ومساندتها من أجل تحقيق رغبتها في الزواج بعلاء الذي كان حينها متواجداً في ماليزيا للدراسة، وكان من الطبيعي أن يقف الشيخ محجب إلى جوارها، ففتح لها بيته، وآوها بانتظار سير القضية بالاتجاه المتعارف عليه كما هناك. تقول رانية إن والدها وأهلها قاموا بفسخ خطوبتها من علاء قبل ثمانية أشهر بحجة أنه من أصل “ناقص"، وإزاء رفضها ذلك التصرف قاموا بتقييد حريتها داخل البيت، ومن ثم تعذيبها للعدول عن رغبتها، حتى تمكنت من الفرار إلى الشيخ محجب، ومن ثمّ إيصال قضيتها إلى عدد من الناشطين الاجتماعيين في مديريتها “قفل شمر" الذين سعوا لمناصرتها وإيصال قضيتها إلى الرأي العام عبر الإعلام ومنظمات المجتمع المدني. وصلت مناشدة رانية إلى المرصد اليمني لحقوق الإنسان الذي تلقف القضية، وشكل فريقاً حقوقياً يتكون من ناشطين حقوقيين وإعلاميين للنزول إلى مديريتي “عبس" و"قفل شمر" لمتابعة القضية والوقوف على تفاصيلها. وفي رسالة منه طالب المرصد اليمني لحقوق الإنسان المحكمة الابتدائية والجهات المعنية في مديرية “قفل شمر" بمحافظة حجة بتوفير الحماية القانونية والحفاظ على رانية، خصوصاً وأن رانية رفعت دعوى قضائية ضد والدها لرفضه تزويجها حسب رغبتها، وتهديدها بالانتحار إذا تمَّ تسليمها لوالدها أو أسرتها أو قبيلتها، حيث كان والدها بالتحرك لدى عدد من الوجاهات القبلية في قبيلته والقبائل المجاورة لإجبار الشيخ محجب على تسليمها له. طالبت مذكرة المرصد اليمني قاضي المحكمة الابتدائية ب"قفل شمر" بتوفير الحماية اللازمة للفتاة، وتمكينها من حقها القانوني والشرعي في اختيار من تريد. مؤكدة أن الفتاة أصبحت بالغة ولها الحق في الزواج ممن ترغب دون إكراه وذلك وفقاً لما تنص عليه القوانين النافذة والأحكام الشرعية التي تلزم القاضي في مثل هذه الحالة بتعيين ولي آخر لتزويج الفتاة ممن ترغب، بعد ثبوت عضول (رفض) الوالد تزويجها، وعضول أولياء أمرها المقربين إليها كالأخ والعم خصوصاً في ظل عدم وجود أسباب منطقية تقف وراء معارضة والد الفتاة على تزويج ابنته ممن ترغب. وكيل المحافظة مع التمييز لم يكتفِ والد رانية بحشد قبيلته فقط، بل لجأ إلى شيخ مشائخ محافظة حجة فهد دهشوش الذي هو أيضاً وكيل المحافظة، والذي قام بدوره بالنزول إلى مديرية “عبس" لممارسة الضغط ضد الشيخ محجب، وإجباره تسليم رانية لوالدها. شهدت مديرية “عبس" ليلة الثامن من ديسمبر الحالي أحد أطول الاجتماعات المشيخية والقبلية فيها، والذي استمر منذ الثانية بعد الظهر وحتى الواحدة بعد منتصف الليل برئاسة دهشوش الذي كرس كل جهوده وطاقاته منذ أسابيع للوقوف ضد رغبة فتاة عادية في الزواج بمن تحب، كأنها هي القضية المصيرية لمحافظة حجة التي تفتقر إلى الكثير من الخدمات، وتحتاج لجهود كبيرة لتخفيف وطأة الفقر والجهل والمرض على مواطنيها، وانشغل بإدارة صراع ضد طموحات شابين ورغبتهما، ولم تنتهِ تلك الليلة إلا بقرار صدر عن ذلك الاجتماع بإلزام أسرة الشاب علاء بمنعه من التفكير بالزواج من رانية، واستدعائهم إلى مقرات السلطات الأمنية لأخذ تعهدات منهم بذلك، وكان كل من في الاجتماع مستفز بشكل كبير بسبب وجود نشطاء حقوقيين وإعلاميين يتابعون القضية، وبدا واضحاً أن المشائخ، وعلى رأسهم دهشوش، لا يرفضون مقابلة النشطاء والإعلاميين فحسب، بل ويعتبرون وجودهم تدخلاً سافراً في شؤون المنطقة وقبائلها. أصرَّ الشيخ محجب عثمان محجب على موقفه بعدم تسليم رانية إلا حسب رغبتها، مبدياً تعاطفه معها، ومؤكداً على أنها لن تغادر منزله إلا برضاها، برغم أنه بدا غير مستعدٍ للدخول في أي تفاصيل القضية الشائكة، وأكّد أن رانية لجأت إليه ولن يخذلها. في اليوم التالي للاجتماع اعتقلت قوات الأمن في “عبس" محمد محسن حاج، وعلي يحيى حاج، ومصطفى حاج، وأكرم فقيه، وعبد الرحمن على شوعي من أقارب الشاب، واقتحمت منزل أسرته، وتم الإفراج عن أكرم فقيه وعبد الرحمن علي شوعي في نفس اليوم فيما استمر احتجاز الآخرين حتى الثاني عشر من الشهر الجاري. محاولة اغتيال رانيا لاحقاً حاولت أسرة رانيا التخلص منها بطريقة مبتكرة، فبحسب المحامي أسعد عمر مسؤول وحدة المساعدة القانونية في المرصد اليمني لحقوق الإنسان أن إحدى قريبات رانية تسللت إلى منزل الشيخ محجب حاملة معها مسدس، ولولا تنبه النساء في المنزل لها، لربما كانت ارتكبت جريمتها، حيث تم الإمساك بها واحتجازها حتى حضر زوجها ليتلقى توبيخاً شديدا من الشيخ محجب الذي أجبره على التعهد بعدم ارتكابه أو زوجته مثل تلك الحماقات مرة أخرى. وتستمر محكمة قفل شمر في النظر في القضية بعد أن نصبت وكيلاً لرانية، فيما يعتقد أنه آخر جلساتها، وهي الجلسة التي سيصدر فيها القرار الذي يرجح المحامون أنه سيكون لصالح رانيا التي تهرب والدها رافضاً الوصول إلى المحكمة بعد استدعائه من قبلها عدة مرات، في حين أدان المرصد اليمني لحقوق الإنسان اعتقال أقارب الشاب دون مسوغ قانوني، مستغرباً تدخل شخصيات ومشيخية نافذة في القضية، والعمل ضد رغبة المواطنين (الشاب والفتاة)، وقيامها بانتهاك حقوق الإنسان عبر مساعيها الرامية لإجبارهما التخلي عن رغبتهما، وانتهاك حريتهما. وكانت المحكمة أقرت يوم الأحد الماضي استدعاء رانيا لسماع رأيها النهائي في الجلسة القادمة، في حين يتوقع استمرار غياب أسرتها التي أكد مدير أمن المديرية عدم تواجد أياً من أفراده في المنطقة منذ عدة أسابيع. يستغرب مديريتي “قفل شمر" و"عبس" ومديريات أخرى في حجة استمرار العادات والأعراف التي تميز بينهم بسبب الانتماء، ويرون أن الثورة والجمهورية قامتا من أجل العدالة والمساواة، وأن الإسلام ساوى بين الناس جميعاً، لكن “العنصرية" ما زالت قائمة تحت سمع وبصر السلطات التي لم تعمل للحد من هذه الجريمة، بل إن المسؤولين المتنفذين يؤيدون وجودها بدون مراعاة لأية قيم إنسانية أو أخلاقية أو دينية. حبسوني سبعة أشهر وضربوني بالصميل قالت إن والدها ووالدتها وافقوا على خطوبتها من علاء.. لكن أقاربها رفضوا فتم فسخ الخطوبة.. رانيا.. أناشد كل منظمات حقوق الإنسان في الداخل والخارج الوقوف معي في قضيتي حتى أتزوج بعلاء أيش جابك عند الشيخ محجب؟ جيت بنفسي هاربة من البيت لأنهم كانوا يضربوني ويعذبوني لأني أشتي أتزوج علاء، كانوا وافقوا على الخطوبة.. أبي وافقوا وأمي وافقوا، زعلوا جدي وخالي، وبعدا شلوني لبيت خالي وحبسوني هناك، بالصميل شلوني وحبسوني سبعة أشهر، وأنا شليت نفسي وجيت لعند الشيخ محجب. وفي هذي السبعة الأشهر.. أيش كانوا يقولوا لك؟
يقولوا لي ما نشتيش جزار.. تزوجي واحد غيره وأنا قلت لا.. ويشتوا يزوجوني على ابن خالتي.. وضربوني. لما خرجتِ من هناك.. كيف أجت الفكرة في رأسك ورحت عند الشيخ محجب؟ من نفسي جيت. هل أحد اختطفك من البيت لعند الشيخ محجب..؟ هم (أهلك) يقولوا إنهم اختطفوك إلى عند الشيخ؟
محد خطفني.. أني بنفسي جيت مع أخي إلى عند الشيخ. إذا أخذوك من عند الشيخ لعند أهلك..؟ ما أرجعش.. ما اشتيش أرجع.. ولو فرضنا إنهم ضغطوا فعلاً على الشيخ وسلمك.. أموت نفسي..
ما أخبار المحكمة عندك؟ مالها المحكمة..؟ سمعنا إنك رفعت دعوى على أيوك؟
أيوا.. أنا رفعت دعوى على أبي.. أشتي أجلس عند الشيخ محجب لما يخرج منها حكم.. ويزوجوني لعلاء..
أنت أيش تشتي الآن..؟
أشتي علاء..؟
هل هذا قراراك النهائي وتطلبي من كل الناس يساعدوني فيه....؟ أيوا قراري النهائي..
ما فيش عندك مانع أحد يتدخل من المنظمات ومن المحامين يساعدوك؟
أنا أناشد كل منظمات حقوق الإنسان في الداخل والخارج توقف معي في قضيتي حتى أتزوج بعلاء. كم عمرك يا رانية؟ 22.