شقيقتي المناضلة الحُرة.. توكل : سامحيني بدايةً إذا تناسيتُ عاطفةَ الأخوّة تجاهَكِ كأختٍ شقيقة، لصالح عاطفتي تجاه وطننا الأُمّ وثورتنا المباركة.. فلقد ترددت بين تلك العاطفتين منذ قيامك بالإعلان عن المجلس الانتقالي في مثل هذه الساعات من الأسبوع الماضي، وكلما دفعتني عاطفتي الوطنية لنشر منشور أبدي فيه رأيي وموقفي السلبي من المجلس، كلما أجبَرَتن عاطفة الأخوّة تجاهك لأحذف ذلك المنشور حتى لا أُفسد عليك فرحتك بالمنجز الذي أراه مكذوباً به عليكِ وعلى الثورة.. فاسمحي لي ثانيةً يا أختي الحبيبة، أن أبديَ لك رأيي وموقفي الشخصي تجاه ذلك الأمر الجَلَل، متجرداً من أي عاطفةٍ توجب المجاملة، لأن الوطن والثورة يمران بمرحلة عصيبةً لا تحتمل المجاملات ولا تتسع إلا للعاطفة الوطنية التي لا تقدّم شيئاً على مصلحة الثورة والوطن.. شقيقتي الغالية، صحيحٌ أن كثيرين يدعونك بلقيس اليمن، إلا أن بلقيس التي يدعونك بها لم تكن تتخذ قراراتها منفردةً دون الملأ المعنيين بها، وذلك جليّ بما ورد في القرآن الكريم على لسانها، في قوله تعالى"قالت يا أيها الملأُ أفتوني في أمري، ما كنتُ قاطعةً أمراً حتى تشهدون"، فانظري الى الفرق بين طريقتك في اتخاذ هذا القرار وطريقتها، آخذةً في الاعتبار الفرقَ أيضاً بين موقعك من اليمن في ساحة التغيير وبين موقعها في رأس هرم السلطة "العرش".. لقد كان أجدر بك وأحرى أن تعلني عن ذلك المجلس كمقترحٍ معروضٍ على الثوار وحسبْ، ولهم أن يقبلوه أو يرفضوه، وعندئذٍ لا أظن أحداً سيرفضه بغض النظر عن صحّة توقيته أو جدواه.. لا تظنّي أنّ لك أخاً واحداً في الثورة اسمه طارق، لأنّ لك فيها مليونَ أخٍ وأخت يكنّون لك نفس مشاعر الحب والاحترام التي أكنّها لك، ولكنّك بتجاوزك لهم جرحتِ تلك المشاعر وآذيتِها كثيراً، فاقبلي عتابي عليك بصفتي واحداً من أولئك العاتبين عليك، ولا تنسي قولَ الشاعر: ويبقى الودُّ ما بقي العتابُ .. أختي الغالية.. لقد رأيتُ بأُمِّ عينَيّ الانقسام الذي تسبب به المجلس الانتقالي في صفوف الشباب وذلك في مسيرة الخميس في تعز والتي رفع فيها بعض الشباب لافتاتٍ كتبوا عليها "لا لمجلس توكل، نريد مجلس حقيقي"، ورفع آخرون لافتاتٍ لتأييد المجلس الانتقالي بعد أن مزقوا لافتات الرافضين الذين ردّوا أيضاً بتمزيق لافتات المؤيدين، وكان ذلك التمزيق باستخدام "خناجر" خشيتُ أن يصلوا بها إلى تمزيق بعضِهُم البعض... وما كان لي وأنا أشاهد ذلك المشهد البشع إلا أن تدمع عيناي ويتفطر قلبي حزناً بقولي لنفسي:" الآن بدأَتْ ثورتنا تموت".. يا أمََّ ولاء... إنّ الأمر الأفدحَ من إعلانك للمجلس الانتقالي بتلك الطريقة المستفزة للكثيرين من إخوتك في الثورة، هو إعلانُك أن النظام قد سقط كاملاً، ذلك النظام الذي لا زال يسوم هذا الشعب سوء العذاب ويصب عليه سياط العقاب الجماعي دون رحمة، ومثل هذا الإعلان "عن إسقاط النظام" ما كان ينبغي أن يصدر من ساحة التغيير عبر قناة الجزيرة، وإنما من القصرِ الجمهوري عبرَ الفضائية اليمنية، ولو كان كذلك، لخرج لك الشعب بأكمله حاملينَ صورَك على رؤوسهم ولَأدّى لكِ كافة ضباط الجيش وأفراده التحيةَ العسكرية وضربوا لك السلامَ الوطني، كقائدة حقيقية للثورة ومنقذةٍ أسطوريّةٍ للوطن.. إلا أنني لا أظنك بخطوتك "الغير واقعية" هذه إلا ضحيّةَ مؤامرةٍ بين أطرافٍ خارجية وأطرافٍ داخليّةً "منضمّةٍ للثورة بالظاهر" عملَتْ على إقناعك واستدراجك لإعلان المجلس الانتقالي ليكون حلقةً في سلسلة حربِ الاستنزاف النفسية التي بدأَتْ تشنّ على الثورة "أوهامَ النصرِ في طرق الهزيمة" بدءاً بجمعة الفرصة الأخيرة عبوراً بجمعة الحسم "التي انتهت بلا حسم" ووصولاً إلى إعلان إسقاط النظام "وهمياً لا واقعياً"، وكان من ضمن برامج تلك الحرب النفسية تحويل الخطوات الميدانية التي ينبغي أن يقوم بها الشعب إلى شعارات يهتف بها الشعب على نفسه، مثل شعارات "الشعب يريد الزحف نحو القصر" ولم يزحف إلى القصر، وشعار "الشعب يريد مجلس إنتقالي" دون أن يمهد الطريق ميدانياً لمثل ذلك المجلس.. وإنْ هي إلا أسماءٌ سميتُموها ما لها في الواقع من سلطانْ... ولقد أسهمت تلك الشعارات "الوهمية" في امتصاص طاقات الثوار عن الفعل الثوري الميداني وتعطيل حراكهم نحو الحسم رغم توحدهم في رفعها والهتاف بها، فما بالك إذا انقسموا على بعضهم كما هو الحال الآن فيما يتعلق بالمجلس الانتقالي، وهذا الانقسام "على جلد الثور الذي لم يسقط" هو الهدف الذي سعت إليه المؤامرة الدولية من "كذبة المجلس الانتقالي" ليكون الضربة القاضية لثورتنا الشبابية... وأكبر دليلٍ أكتفي به على أنك وقعت في فخٍّ دوليّ هو مقابلتك الأخيرة مع صحيفة عكاظ، تلك الصحيفة التي عرفناها في صف النظام منذ بدء الثورة، وما كان لها أن تنشر صورتَك ولا كلامك فيها وأنت أحد رموز هذه الثورة، ما لم يكن ذلك واحداً من عشرين طُعماً ألقوا به لخداعك واجتراركِ إلى فخ المجلس الانتقالي الذي وقعتِ فيه وأوقعت فيه معكِ الثورةَ بأكملها، ولا أجد حلّاً للخروج من ذلك الفخ إلا بتراجعك عن تلك الخطوة واستبدالها بإعلان مجلس لقيادة الثورة أقترحُ أن تكوني أنتِ رئيسَتَه ولا أظنّ أحداً أحقَّ بذلك منكِ، وأؤكد لك أنّ أحداً لن يرفُضَ ذلك المجلس ما دام سيكون له أثرٌ ميدانيّ حقيقي ينتهي بإسقاط النظام، ومن ثَمّ تشكيل أي مجلس انتقالي قادرٍ على إدارة البلد وتدبير شؤون الشعب.. هذا ما أراه يا أُمّ الثوّار، فانظُري ماذا تأمرين.. أسألُ الله أن يوفقكِ وإيانا لكل ما فيه منفعة الشعبِ ومصلحة الوطن والسلام عليك ورحمة الله وبركاته شقيقك الحريص عليكِ أكثر ممّن حولك/ طارق كرمان نقلا عن صفحة ثورة من أجل اليمن في فيس بوك