تمكن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من انتزاع اتفاق مبدئي على استئناف عملية التسوية بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين"، لكن عدم إعلان تفاصيل الاتفاق وتعنت الكيان إزاء العديد من المسائل يجعلان مبادرة الوزير الأمريكي في مهب الريح . وقال وزير ما تسمى العلاقات الدولية "الإسرائيلي" يوفال شطاينتس، أمس، إن "إسرائيل" لن تقدم أي تنازل حول "مسائل دبلوماسية"، وأوضح أنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق حول تجميد الاستيطان أو حول الإشارة إلى حدود عام ،1967 وهما مطلبان فلسطينيان أساسيان، وأضاف أن المسؤولين الفلسطينيين التزموا "التفاوض جديّا" 9 شهور على الأقل، وسيواصلون الامتناع خلالها عن الانضمام إلى منظمات دولية خصوصا قضائية قادرة على ملاحقة "إسرائيل" . وتابع الوزير "الإسرائيلي" أنه "سيكون هناك إفراج عن عدد محدود من المعتقلين"، وأوضح أن بعض هؤلاء أمضوا مدداً تصل إلى 30 عاماً، لكن مسؤولاً "إسرائيلياً" أوضح أن "عملية الإفراج قد تحصل بعد بدء المفاوضات، في نهاية مرحلة تتيح للفلسطينيين أن يثبتوا أنهم جديون فعلياً" ونقلت صحيفة "هآرتس" أن "نتنياهو وافق على سلسلة من المبادرات إزاء الفلسطينيين خلال الأشهر القليلة المقبلة بينها إطلاق سراح مئات الأسرى"، كما سيعمد إلى إبطاء حركة بناء المستوطنات طوال فترة المفاوضات، وأضافت "تبقى نقطة استفهام كبيرة حول نوايا نتنياهو" . واعتبرت وزيرة ما يسمى العدل "الإسرائيلية" المكلفة ملف المفاوضات تسيبي ليفني أن "أربعة أعوام من المراوحة الدبلوماسية أوشكت أن تنتهي"، ورحبت رئيس حزب العمل المعارض شيلي ياشيموفيتش بما اعتبرته "فرصة مهمة"، ملمحة إلى استعدادها للانضمام إلى حكومة نتنياهو في حال انسحاب حلفائه في اليمين المتطرف منها، وخصوصا أنهم يرفضون قيام دولة فلسطينية . وكانت الرئاسة الفلسطينية رحبت بالاتفاق بحذر، وقال المتحدث باسمها نبيل أبو ردينة "توجد تفاصيل معينة ما زالت بحاجة إلى إيجاد حل، وإذا سارت الأمور على ما يرام فإن كيري سيوجه الدعوة إلى صائب عريقات وممثل عن الجانب "الإسرائيلي" للقائه في واشنطن لإجراء محادثات أولية في الأيام القريبة"، مؤكداً "الموافقة على المبادئ التي تسمح باستئناف المفاوضات" . وأبدت أطراف فلسطينية تشكيكاً بفرص نجاح المحاولة الأمريكية، انطلاقا من التجارب الفاشلة الكثيرة منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993 . وأعلنت "المبادرة الوطنية الفلسطينية" في بيان "رفضها العودة إلى المفاوضات من دون مرجعية واضحة ومحددة تكون حدود 4 حزيران 67 أساسا لها، وتقر بها "إسرائيل"، ووقف الاستيطان في جميع الأراضي الفلسطينيةالمحتلة بما فيها القدس"، واعتبرت أن "تجربة 20 عاما من المفاوضات كافية أن تظهر أن الخطأ كان في توقيع اتفاق أوسلو قبل وقف الاستيطان، ما رفع عدد المستوطنين من 150 ألفاً إلى 600 ألف مستوطن" . وأعلنت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في بيان لها "رفضها استئناف المفاوضات الثنائية بالاستناد إلى آراء وأفكار وزير الخارجية الأمريكي الشخصية"، واعتبرت "العودة للمفاوضات بعيدا عن إطار الأممالمتحدة وقراراتها ذات الصلة بمثابة انتحار سياسي يطلق يد الاحتلال وحكومة غلاة التطرف والاستيطان في اقتراف أفظع الجرائم بحق الإنسان الفلسطيني وأرضه ومقدساته"، وطالبت "القيادة الفلسطينية بالانضمام للمنظمات الدولية كافة، بما فيها محكمة الجنايات الدولية واتفاقات جنيف من دون إخضاع الحقوق الفلسطينية التي يكفلها القانون الدولي لأي مساومات" . واعتبر المحلل السياسي هاني المصري أن "الموافقة على العودة إلى المفاوضات بمثابة انتحار سياسي للقيادة الفلسطينية" . وأكد عباس أن التفاوض هو الخيار الأول لإقامة دولة فلسطينية، وقال في مقابلة مع صحيفتي "الرأي" و"جوردان تايمز" الأردنيتين، "لن نثير مواضيع الكونفدرالية أو الفدرالية فنحن شعب واحد في دولتين وقد تجاوزنا كل ما يتعلق بالوطن البديل إلى غير رجعة"، وأضاف أن "الشرعية الفلسطينية بدأت بالتآكل ولا بد من إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وتجديد شرعية السلطة"، وتطرق إلى التسوية متحدثاً عن خيارات "سنقررها" و"تحفظ حق شعبنا" . ورفضت حركة "حماس" استئناف المفاوضات، مكررة أن عباس "لا يمثل إلا نفسه"، وصرح المتحدث باسمها سامي أبو زهري بأن قرار عباس استئناف المحادثات مع "إسرائيل" يتناقض مع الإجماع الوطني، وأضاف "إن استئناف المحادثات يخدم الاحتلال فقط ويمنح غطاء للتوسع في الاستيطان" . واعتبر المتحدث باسم "حماس" فوزي برهوم أن عودة السلطة إلى المفاوضات "تأتي استجابة فعلية للضغط والابتزاز الأمريكي وتلبية لمطالب الاحتلال"، ورأى أن استئناف المفاوضات "يمثل جائزة كبرى لحكومة الاحتلال المتطرفة وخسارة ووبالا على الشعب" . وقال القيادي في حماس الناطق الرسمي باسم الحركة صلاح البردويل إن "استئناف المفاوضات غير المشروط يعطي مؤشراً على المضي في تصفية القضية الفلسطينية مقابل بعض الامتيازات الثانوية كالحديث عن الإفراج عن بعض الأسرى منة من "إسرائيل"" . وقال عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي نافذ عزام، إن ما تم إعلانه "محاولة للتضليل والتمويه على حقيقة المعاناة التي يعيشها شعبنا"، وحذر السلطة الفلسطينية من خطورة الانصياع للضغط الخارجي والعودة إلى مربع المفاوضات العبثية، واعتبر أن مسيرة مفاوضات السلام "تفتقد إلى الأفق السياسي الواضح، ولا تقدم للشعب الفلسطيني سوى مزيد من القتل والتشريد والدمار" . وكان رئيس الكيان شمعون بيريز قال إن كيري "على بعد لمسة" من استئناف المفاوضات، وأوضح في تصريحات للصحافة أن المسيرة التي يقودها كيري جدية، وأشار إلى أن الأيام القريبة حاسمة "فنحن على بعد لمسة"، وأضاف "أنا واثق أن الجهد الكبير سيجلب الثمار ل"إسرائيل" وللفلسطينيين، والجانبان يبذلان مساعي ضخمة للتغلب على العثرات الأخيرة" . دولياً، رحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بإعلان كيري ودعا القادة "الإسرائيليين" والفلسطينيين إلى التحلي ب"الشجاعة والمسؤولية" في مفاوضات السلام، فيما أشاد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ب"حس المسؤولية" لديهم داعيا إياهم إلى "إجراء مفاوضات فعلية" . وعبرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون عن "ترحيبها الحار" بالاتفاق المبدئي على استئناف المفاوضات، مشيدة ب"شجاعة" الطرفين وعمل وزير الخارجية الأمريكي، وأعربت عن "أملها في أن نتمكن أخيرا من تسجيل تقدم على صعيد الأهداف التي يتشاركانها مع أصدقائهما في العالم: السلام، الأمن والكرامة لشعبيهما" . وأضافت أن الاتحاد الأوروبي يود "بشكل خاص التوجه بالشكر لجون كيري على تصميمه لجمع الطرفين مجدداً" .