دفعت المخاوف الليبية من الإرهاب، الفرقاء السياسيين، إلى التوقيع على الاتفاق السياسي في مدينة الصخيرات المغربية، برعاية الأممالمتحدة، والذي تم بموجبه تمرير حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج. العلامة الفارقة في إنهاء عملية الحوار الليبي، ونجاحها بالرغم من أصوات خافتة تعارض الاتفاق المبرم، عكست حالة الوحدة التي اختلجت نفوس الفرقاء الليبيين، بفعل تمدد الإرهاب في بلاد مزقتها الفوضى، وسط انعدام الأمن وهشاشة أوضاعها الاقتصادية، حتى صارت على شفير الإفلاس في ظل انقسامها لمعسكرين شرقي وغربي. وأكد النائب في البرلمان الليبي، محمد عبد الله، في حديث لشبكة إرم الإخبارية، أن “الإرهاب ومن تسانده من المجموعات الإجرامية، تمثل تحدياً بارزاً أمام عمل حكومة التوافق الوطني، والتي ينبغي لها منحه أولوية قصوى ومطلقة، تعكس لليبيين والعالم أجمع الجدوى من التسريع في تشكيل حكومة توافقية وكافة المناصب السيادية المرتبطة بها”. وأضاف “يجب على جميع الأطراف وعلى اختلاف تواجهاتها، أن تساعد الحكومة في مهامها وأن يتحد الجميع من أجل ضرب مواطن الإرهاب، الذي قض مضجع الليبيين وتسبب في قتلهم ونزوحهم وتشريدهم، وبالتالي يجب الضرب بيد من حديد لكل من يساند الإرهابيين، فلا مجال للمهادنة بعد اليوم، ويجب على ليبيا أن تعود لطبيعتها واحتضانها للجميع بعيدا عن شبح التهديد والوعيد”. من جانبه، أكد رئيس فريق الحوار في البرلمان الليبي، إمحمد شعيب، أنه “أصبح لدينا مشترك جديد يجمعنا وهو الإرهاب وسنهزمه.. معاً سنهزم الإرهاب وبمساعدتكم سنخلق البديل الديمقراطي، الحرية لكل المختطفين والمعتقلين”. بدوره، أوضح صالح الخزوم رئيس فريق الحوار التابع للمؤتمر الوطني المنتهية ولايته، أن “وثيقة الاتفاق ليست مثالية، لكنها مهمة لتجنيب ليبيا الانهيار”، معتبراً توقيع الاتفاق “الخطوة الأولى نحو بناء الدولة ورفاهية الشعب الليبي”. وتابع المخزوم “ثورة 17 فبراير من أهم المحطات في تاريخ ليبيا، صنعها الشعب بإرادته وبمساعدة المجتمع الدولي، لكن منذ انقسام المؤسسات أصبحنا نعيش أزمة طاحنة، والاضطرابات سمحت للتنظيمات الإرهابية مثل داعش بالتوسع في ليبيا“. العقوبات لرافضي الاتفاق على الرغم من أن ثلثي نواب البرلمان ونصف أعضاء المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، شهدوا مراسم توقيع الاتفاق السياسي، وباركوا المصادقة عليه وتشكيل حكومة التوافق، يستمر تعنت الرافضين للحوار والاتفاقية، سواء في البرلمان أو المؤتمر ونفر من الأعضاء والنواب، ويتوقع أن رفضهم تسليم السلطة وعرقلة عمل الحكومة، سيعرضهم للعقوبات من قبل المجتمع الدولي لا محالة. ويقول المحلل السياسي الليبي عبد الله الرايس، إن “العقوبات جاهزة وبالأسماء لكل من يعرقل الاتفاق وعمل الحكومة الجديدة، وهو أمر يجب على الرافضين في المؤتمر والبرلمان استيعابه جيداً، لأن المجتمع الدولي لا يمارس اللعب أو يطلق المزاح بهذا الشأن”. ويضيف الرايس في حديثه لشبكة إرم الإخبارية، “لقد رأينا أعضاء في المؤتمر وآخرين في البرلمان، خرجوا عبر وسائل إعلام محلية يؤكدوا رفضهم للاتفاق وعدم التقيد به، بل والتهديد بعقوبات حول المشاركين في التوقيع عليه بالمغرب، وتناسوا أن مجلس الأمن والدول الكبرى وجهوا لهم تحذيرات جادة وحقيقية، بأن عليهم الالتحاق بالاتفاق أو انتظار عقوبات بتجميد أموالهم وحظر سفرهم وإصدار مذكرات دولية بحقهم”. وأردف قائلاً “ليبيا جزء من المنظومة الدولية، والدول العظمى لن تسمح بمواصلة انهيار ليبيا وافتراس الإرهاب لها، لأن هذا يشكل خطراً على مصالح دول جنوب المتوسط، ودول مجاورة طفح الكيل بها للإرهاب الذي يتم تصديره لها من الحدود الليبية”. وكان مارتن كوبلر المبعوث الدولي الخاص إلى ليبيا، دعا الأطراف الممتنعة عن التوقيع على الاتفاق السياسي برعاية أممية، بالالتحاق بالمشاركين في الحوار، لكن الرئاسة في البرلمان والمؤتمر رفضتا الاتفاق، بدعوى أنهما يدعمان مبدارة الحوار الليبي – الليبي ، بعيداً عن الأجندة ومشروع الوصاية على ليبيا. وهو أمر رد عليه مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي بلهجة شديدة، حيث توعد كل الأطراف التي تعارض الاتفاق وتهدد تطبيقه، بعقوبات دولية واسعة تطالهم. الالتفاف حول الحكومة وطالب المشاركون في الحوار السياسي الليبي، بالالتفاف حول حكومة التوافق الوطني، ومنحها الفرصة لإنهاء حالة الانقسام والفوضى، وحلحلة ملفات الهجرة غير الشرعية وانعاش الوضع الاقتصادي. ووصف مصطفى أبور شاقور أحد أعضاء الحوار السياسي، في تدوينة له عبر حسابه على فيسبوك، الاتفاق بأنه “يمثل معلما تاريخيا في ليبيا للانتقال من الانقسام إلى الوحدة ومن الفوضى إلى الاستقرار ومن الصراع إلى البناء، ويؤسس لمرحلة انتقالية لا تتجاوز العامين، لقيادة البلاد عبر مجلس رئاسي وحكومة ومجلس نواب ومجلس أعلى للدولة”. وطالب لؤي الغاوي النائب في البرلمان، الجميع “بمباركة هذا الاتفاق وأن يدعموا ويتمسكوا بالحكومة المنبثقة عنه، كونها آخر طوق للنجاة”، على حد قوله. وأشار الغاوي إلى أن “ليبيا تعاني من أزمات خطيرة منها الأمنية والاقتصادية، وأخطرها الاٍرهاب الذي يتربص بمواطنيها”. من جانبه، أكد محمد امعزب عضو فريق الحوار بالمؤتمر الوطني المنتهية ولايته، أن “ما تم الاتفاق عليه هو استكمال للمجلس الرئاسي، الذي أثار بعض الجدل في المباحثات الأخيرة”. وأوضح امعزب في تصريح لقناة “النبأ” الإخبارية، أن “المجلس الرئاسي منح 40 يوما لتقديم تشكيلة وزارية”، مرجحا أن يصل عدد الوزراء إلى 25 وزيرا. وأضاف أن التشكيلة الوزارية ستقدم للجنة الحوار التي ستجتمع لاعتمادها. وبموجب الاتفاق السياسي الذي تم توقيعه والمصادقة عليه، فإن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، يتكون من تسعة أعضاء، على رأسهم فايز السراج رئيس حكومة الوفاق، وخمسة نواب للرئيس هم أحمد معيتيق (غرب ليبيا)، وفتحي المجبري (شرق)، وعلي القطراني (شرق)، وموسى الكوني (جنوب)، وعبد السلام كاجمان (جنوب). كما تضم الحكومة ثلاثة وزراء دولة هم عمر الأسود (غرب ليبيا)، ومحمد عماري زايد (شرق) ليبيا، وأحمد المهدي (جنوب). ترحيب دولي وعقب المصادقة على توقيع الاتفاق الليبي، رحبت الدولة الغربية ومنظمات دولية به، حيث عبر الاتحاد الأوروبي على لسان ممثلته للشؤون الخارجية فيديريكا موغيريني، عن ارتياحه لهذه الخطوة، معتبرا أن هذا الاتفاق “بداية ولكن الطريق ما تزال صعبة أمام تحقيق السلام في ليبيا”. وجددت موغيريني تصميم الاتحاد الأوروبي تقديم الدعم المالي الموعود لليبيا بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، معتبرة أن الاتفاق بين الأطراف الليبية برعاية الأممالمتحدة، “يدل على أن الدبلوماسية الدولية والأوروبية والإيطالية قد أعطت ثمارها بالفعل”. كما رحب حلف شمال الأطلسي (ناتو) بالاتفاق السياسي الموقع من قبل أطراف الحوار الليبي، معتبراً الاتفاق “خطوة ذات دلالة على طريق بسط الاستقرار والسلم لشعب ليبيا”. أما ماتيو رينزي رئيس الوزراء الإيطالي، فقد ثمن على توقيع الأطراف الليبية الاتفاق السياسي، ووصفه ب”الخطوة على طريق حل الأزمة، وتوقيع مهم جداً من أجل السلام في ليبيا”. وأضاف رينزي في تغريدة له عبر تويتر “يبقى الكثير الذي ينبغي عمله، لكنها بداية ممتازة” . من جانبه، رحب وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، بتوقيع الاتفاق السياسي الليبي من قبل أغلبية الأطراف الليبية المشاركة بالمفاوضات، قائلا إنه “يأتي تتويجاً لما يزيد عن سنة من المفاوضات المعقدة بين الأطراف المختلفة”. وقال هاموند في بيان صحافي نشره الموقع الرسمي للخارجية البريطانية: “هذه خطوة إيجابية بالنسبة لليبيا”، وأثني على من “عملوا معا للتوصل إلى إجماع هدفه تحقيق مصالح الشعب الليبي كله”. وتابع أن “ضمان السلام الدائم في ليبيا يتطلب من كل الأطراف الحفاظ على زخم هذا التحرك، لتشكيل حكومة الوفاق الوطني يكون مقرها في طرابلس، كما أحث أولئك الذين لم يوقعوا على تأييد هذا الاتفاق”. كما جدد وزير الخارجية البريطاني، تأكيده على “استعداد حكومة بلده لبذل الجهود للمساعدة في تأمين مستقبل مستقر ومزدهر لجميع الليبيين، والتصدي لخطر داعش والعصابات الإجرامية التي ساهمت في أزمة الهجرة في البحر الأبيض المتوسط”.