تقرير / محمد عايش استهدف الحوثيون العديد من وسائل الإعلام اليمنية المحسوبة على النظام أو المناهضة لهم وذلك في اليوم الأول لسيطرتهم على العاصمة صنعاء، فيما كان التلفزيون الرسمي الحكومي على رأس الأهداف التي تعرضت للإقتحام من قبل الحوثيين ما أجبره على التوقف لأيام قليلة قبل أن يعاود البث مجدداً.
وتمثل وسائل الإعلام الضحية الأولى على الدوام للصراعات السياسية، خاصة في العالم العربي، حيث يرغب كل طرف من الفرقاء على الدوام أن تكون وسائل الاعلام منحازة له دون أي إنصاف للآخر، وهو ما يجعل الصحافيين ومؤسساتهم الإعلامية هدفاً على الدوام لهذه الصراعات.
وقبل يوم واحد من اقتحام الحوثيين لمدينة صنعاء وبسط سيطرتهم عليها تعرض مقر التلفزيون الرسمي الحكومي الى الاقتحام وتوقف بثه على الفور، كما تم اقتحام قنوات تلفزيونية خاصة ومحطات إذاعية وصحفا مطبوعة، وذلك في إطار عملية السيطرة الكاملة على مفاصل الدولة في اليمن.
واقتحم المسلحون الحوثيون مقر التلفزيون اليمني بعد أيام من مهاجمته بأسلحة ثقيلة ومتوسطة، مما أدى إلى إنقطاع البث وإصابة عدد من موظفيه، غير أنه تمكن من إعادة البث من مكان بديل لاحقاً، ومن ثم أعاد البث من مقره الأصلي في صنعاء بعد ثلاثة أيام من سيطرة الحوثيين عليها.
الى ذلك اقتحم مسلحون حوثيون قناة «سهيل» الفضائية التابعة للقيادي في جماعة الإخوان المسلمين حميد الأحمر، وأجبروها على وقف بثها، فيما كتبت القناة في الدقائق الأخيرة قبل انقطاع إرسالها على شاشتها بأن عناصر من جماعة «أنصار الله» يبدأون عملية الاقتحام.
وجاء اقتحام قناة «سهيل» وإجبارها على السكوت في اليوم التالي للسيطرة على العاصمة صنعاء، وفي أعقاب اقتحام منازل العديد من الرموز اليمنية، إضافة الى اقتحام عدد كبير من مقرات المؤسسات الحيوية في البلاد.
واضطر الكثير من الصحافيين المعارضين للتوجهات الحوثية الى مغادرة العاصمة صنعاء أو تغيير خطهم السياسي، فيما اضطرت العديد من وسائل الإعلام المستقلة الى تغيير سياستها التحريرية، بعد اقتحام مقر قناة «سهيل» ونهب محتوياتها، واعتقال طاقمها.
وقال موظف يعمل في القناة إن «مسلحين في ثلاث سيارات اقتحموا مقر قناة «سهيل» الفضائية، قرب شارع الستين في صنعاء الذي يقع فيه منزل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي».
وأوضح الموظف أنهم تواصلوا مع الحراس المتواجدين في القناة، فأبلغوهم باقتحام الحوثيين للقناة، ثم انقطع الاتصال بهم، مرجحاً وقوعهم في قبضة الحوثيين.
ويعتبر الحوثيون أن حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يمثل الإخوان المسلمين في اليمن هو الخصم السياسي الأكبر والألد عداوة لهم.
إدانة دولية وأعرب الاتحاد الدولي للصحافيين عن صدمته العميقة من «الأخبار المفزعة» عن القصف المتواصل من قبل مسلحين من جماعة الحوثي على مبنى التلفزيون اليمني الحكومي، مطالباً بوقف فوري للقصف ومحاسبة المسؤولين عنه.
وقال رئيس الاتحاد الدولي للصحافيين جيم بوملحة: «إننا ندين بشدة هذا الهجوم المروع على مؤسسة الاعلام الحكومي في اليمن. إن هذا الاعتداء هو انتهاك واضح للقانون الدولي وجريمة ضد حرية الصحافة وحرية التعبير. ونطالب بتحقيق شامل في هذا الحادث ومحاسبة المسؤولين عنه».
وتابع: «نطالب السيد عبد الملك الحوثي، زعيم جماعة الحوثيين، بإدانة هذا الهجوم المشين، وإلا فإنه سيعتبر مسؤولاً بشكل شخصي عن هذا الاعتداء».
كما أدانت منظمة «مراسلون بلا حدود» استهداف التلفزيون الحكومي اليمني وقناة «سهيل»، وتعريض حياة العديد من الموظفين والصحافيين للخطر، مشيرة إلى أن هذه الهجمات تدخل في إطار «جرائم الحرب» وتمثل انتهاكاً لاتفاقيات جنيف بشكل يستوجب تحديد المسؤولين عنها.
وأضافت في بيان لها إن «المنظمة تحث جميع أطراف النزاع على احترام سلامة المؤسسات الإعلامية وعمل الصحافيين. وفي المقابل، يتعين على وسائل الإعلام والعاملين فيها تأدية المهمة الإخبارية باستقلالية ومهنية، مع الحرص على عدم تأجيج التوترات والخلافات السياسية».
ما مستقبل الحريات؟ وباقتحام العديد من وسائل الاعلام وهروب الكثير من الصحافيين اليمنيين يصبح السؤال الكبير والمفتوح هو ما مصير الحريات الصحافية في اليمن بعد التطورات الجارية والتي تمثل إنهياراً شبه كامل للدولة، إضافة الى تصاعد وتيرة المخاوف من دخول اليمن في موجة عنف تستمر طويلاً مع توعد تنظيم القاعدة بالثأر من الحوثيين، وتوقع تشكل مجموعات مسلحة خلال الفترة المقبلة.
وقال صحافي يمني يقيم في لندنل»القدس العربي» إن هامش الحريات في البلاد أصبح مهدداً أكثر من أي وقت مضى، ويتجه للإنحدار والتدهور بسبب الأحداث الراهنة، مشيراً الى أن «الصحافيين في اليمن يواجهون ظروفاً صعبة منذ سنوات، لكنهم اليوم أصبحوا في أسوأ أحوالهم».
وبحسب الصحافي الذي طلب عدم نشر اسمه فان حالة الاستقطاب الشديد في اليمن، والتي تحولت الى صراع سياسي، يمكن أن تؤدي الى إغلاق بعض المؤسسات الإعلامية في المستقبل، ويمكن أن تضطر الكثير من الإعلاميين الى الهروب من البلاد.
وتوجد في اليمن عشرات المؤسسات الإعلامية من بينها محطات تلفزيونية وإذاعية والعديد من الصحف اليومية وغير اليومية، فضلاً عن عشرات المواقع الالكترونية اليمنية التي تستقطب مئات الآلاف من المتصفحين يومياً، وتعتبر عالماً قائماً بذاته.
انتهاكات سابقة وكان الإعلام اليمني سجل في العام 2011، أي في عام الثورة، السنة الأسوأ بالنسبة له، حيث رصد تقرير متخصص 333 انتهاكاً في ذلك العام توزعت بين القتل، الشروع في القتل، الاستدعاء، المصادرة، المحاكمات، الاعتقالات، الاختطافات، طلب التحقيق، التحريض، الإيقاف والإغلاق.
وارتكبت قوات الأمن اليمنية 70 ٪ من الانتهاكات التي تم تسجيلها خلال الثورة، وتحديداً في العام 2011، أي قبل الاطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح.
ووفقاً للتقرير الحقوقي فإن الصحافة في اليمن مرت منذ العام 2009 وحتى نهاية العام 2011 بأسوأ وأخطر مرحلة بعد تصاعد وتيرة استهداف الصحافيين بشكل عنيف.
وقال التقرير: إن الانتهاكات وصلت إلى قتل العديد من الصحافيين ك(جمال الشرعبي في أحداث جمعة الكرامة الدامية وعبدالحكيم النور بمدينة تعز جراء قصف قوات الحرس الجمهوري على المدينة) واعتقال وإخفاء ومحاكمة بعضهم وإغلاق بعض الصحف وإحراق مقراتها.
وأوضح أن الأجهزة الأمنية والجيش ومرافقي مسؤولين وشخصيات سياسية وقبلية تقف على رأس الجهات التي قامت بانتهاكات ضد الصحافيين والحد من حرياتهم.
وتعتبر اليمن حالياً من بين الأماكن الأكثر خطورة في العالم بالنسبة للصحافيين وكذلك بالنسبة للسياح الأجانب والزوار القادمين من الخارج، حيث أصدرت العديد من دول العالم، وبينها دول عربية، تحذيرات لرعاياها من السفر الى اليمن بعد تدهور الأوضاع هناك.
وكانت الأحداث بدأت بعد أن خرج الحوثيون الى الشارع للاحتجاج ضد ارتفاع في أسعار الوقود قررته الحكومة في شهر تموز/ يوليو الماضي، إلا أن الاحتجاجات تصاعدت والأوضاع الأمنية تدهورت لاحقاً وتحولت الى اعمال عنف رغم أن الحكومة اليمنية استقالت وتراجعت عن قرار رفع أسعار الوقود ونفذت كافة المطالب التي تقدم بها الحوثويون. * القدس العربي