بألحانه ودع ملحم بركات اللبنانيين، تاركاً في وجدانهم مسيرة نغم لا تشبه إلا نفسها، فخرجت جنازته من طريق الأشرفية في بيروت وصولاً إلى كنيسة “مار نقولا”، ثم نحو مسقط رأسه “كفرشيما” عند ساحل جبل لبنان، مصحوبة بحب كل من عاصره واستمع إلى صوته وألحانه. وتوفي بركات عن 72 عامًا يوم الجمعة بعد 6 أسابيع من المرض، قضاها في مستشفى ببيروت، وظل حتى آخر الصيف الماضي فناناً معانداً على المسرح، يخطف الأضواء بصوته وألحانه.
واجتمع في تشييع بركات فنانون وسياسيون وصحافيون وأصدقاء، لازموه بالمستشفى حتى آخر لحظات حياته، وكان من بين الحاضرين كل من التونسي صابر الرباعي واللبنانية ماجدة الرومي ومواطنها راغب علامة.
وأمام باحة الكنيسة، جلس أعضاء فرقته الموسيقية ليعزفون بعضاً من أغانيه بصوت “الكورس”، حيث قدموا آخر أغانيه “عد الأيام اللي راحت … عد الأيام” و “حبيبي أنت وروحي أنت”.
وكان موكب الجنازة وصل إلى الكنيسة تتقدمه صورة كبيرة للفنان بركات مكتوب عليها “بخاطركن”، فيما استُقبل الجثمان بنثر الأرز والورود.
وعلى مدى 50 عاماً، صنع بركات حالة فنية متمردة على الصوت واللحن وانسحب هذا التمرد على شخصيته صاحبة الموقف على المسرح.
وترأس الصلاة على روح ملحم بركات مطران الروم الأرثوذكس إلياس عودة، الذي قال إن “صوت بركات سيبقى على هذه الأرض مخلداً بحناجر صباح ووديع الصافي وسلوى القطريب”.
وشهدت مراسم الجنازة إلقاء قصيدة لرفيق درب ملحم بركات الشاعر نزار فرنسيس، الذي نثر ورودًا على نعش الراحل، قبل أن يرتمي عليه ويجهش بالبكاء.
وقال فرنسيس في قصيدته، وسط تصفيق الحضور: “قوم ملحم قوم هيدي مش إلك .. ليش الغفى نبض الحياة بيسألك.. الموت يمكن بالجسد يقدر عليك.. لكن صعب عن عرش فن ينزلك.. أنت الملك والمملكة بإيديك.. الإبداع تاج بإيد الله مكللك.. من وقت ما غمضتهن عينيك.. انطفيو بعيني كل نجمات الفلك.. والفن عندي صار بعد هيك.. كل ما حدن غنّى التفت صوب القبو .. انطر الموت يزيح ويطل الملك”. وفي بلدته “كفرشيما” عُلقت يافطات كتب عليها بعض من أغانيه مثل: “من بعدك لمين الزهر بينحني وبتشرق لمين شمسك يا دني؟” و”يمكن يجي نهار يبكينا المشوار”.
يذكر أن بركات لحّن وغنّى آلاف الأغنيات، واشتهر بحرصه على التراث الغنائي العربي، مع إضفاء لمسة تطويرية، مما جعل لأغنياته طابعاً مميزاً يجذب فئات عمرية مختلفة.
وبركات من مواليد “كفرشيما” العام 1944، وكان يعمل نجاراً، وتعلم أصول العزف على العود، وتأثر بالموسيقار المصري محمد عبد الوهاب، وكان يلحن بعضاً من كلمات الجريدة اليومية ويغنيها كمطرب في قريته.
وحققت أغاني وألحان ملحم بركات نجاحات في لبنان والعالم العربي، وكان أبرزها: “حمامة بيضا” و “ولا مرة” و”على بابي واقف قمرين”، كما حققت آخر أعماله نجاحات كبيرة من بينها أغنية قدمها لماجدة الرومي بعنوان “اعتزلت الغرام”، وأخرى لكارول صقر بعنوان “يا حبيبي تصبّح فيي”.
وعمل بركات في الكثير من مسرحيات الأخوين رحباني والفنانة فيروز، التي وقف أمامها كمدّع عام في مسرحية “الشخص” العام 1968، لكنه ظل عاتباً عليهم.
وكانت أولى تجاربه الغنائية أغنية “الله كريم بنرجع ع ضيعتنا” التي لحنها له جاره الموسيقي ابن “كفرشيما” فيلمون وهبي، أما أولى ألحانه فكانت “بلغي كل مواعيدي” مع الفنانة جورجيت صايغ، والتي لاقت رواجًا كبيرًا.
وتوسعت شهرت بركات كملحن في السبعينيات، حيث قدم ألحاناً للمطربة صباح ضمن مسرحية “حلوة كتير”، ومن بينها أغنيات “ليش لهلق سهرانين” و “المجوز الله يزيدو” و”صادفني كحيل العين”.
وتزوج بركات من رندة عازار وهي أم لأولاده الثلاثة: مجد ووعد وغنوة، ثم تزوج من مي حريري وطلقها وله منها “ملحم جونيور”.
