لم يدر في خلد يحيى بدر الحوثي وهو يغادر العاصمة اليمنيةصنعاء إلى ليبيا أنه يمكن أن يعود إلى هذه المدينة مرة أخرى ويصبح حاكمها غير المعلن، كانت قوات الجيش اليمني قد اقتحمت قبل ذلك بفترة وجيزة معقل أسرته الحصين في جبال “مران” وقتلت شقيقه الأكبر حسين الحوثي مؤسس الجماعة الحوثية التي بدت في ذلك الوقت أنها تشارف على نهايتها. ولد يحيى الحوثي قبيل قيام ثورة سبتمبر 1962 التي أطاحت بحكم أسلافه (الدولة الإمامية) في اليمن بعام واحد فقط، في الرويس بعزلة حران مديرية حيدان بمحافظة صعدة التي كانت آخر معاقل الدولة المتوكلية الزيدية ونشأ في منزل والده بدر الدين أمير الدين الحوثي أحد أركان المذهب “الزيدي” في اليمن وفي محافظة صعدة على وجه الخصوص. كان للبيئة التي ترعرع فيها هو وأشقاؤه دور كبير في تطورات الأحداث التي شهدها اليمن في العقود التالية، ففيما كانت قيم ثورة سبتمبر الجمهورية لا تتجاوز الاحتفالات السنوية التي تقام في العاصمة، ظهر جيل كامل من المؤمنين بفكرة المظلومية الزيدية الهاشمية في اليمن، الكثير منهم تلقى تعليما دينيا خاصا خارج إطار المنظومة التعليمية للدولة اليمنية ومن بين هؤلاء يحيى الحوثي وشقيقه الأصغر عبدالملك واللذين تقول سيرتهما إن مؤهلهما العلمي “إجازة علمية في العلوم الدينية”. بدأت الفكرة الأولى للحوثية من بعض البيوت المغلقة في صعدة على غرار دعوة بني العباس في العراق، وكان بيت بدرالدين الحوثي أبرز تلك البيوت التي ظلت محتفظة بحلم السيطرة على اليمن، غير أنها كانت تتحين الظروف المواتية، وحتى ذلك الحين كان لا بد من التعامل مع الأمر الواقع المتمثل في رجل اليمن القوي الرئيس السابق علي عبدالله صالح. اتجه يحيى الحوثي لخلافة شقيقه الأكبر في واجهة العمل السياسي فبعد أن تخلى حسين عن السياسة وترك مقعده في مجلس النواب اليمني للتفرغ للنشاط الدعوي المذهبي، ترشح يحيى لمقعد مجلس النواب وفاز به في العام 2003 عن حزب المؤتمر الشعبي العام لتغطية الأنشطة الدينية التي كانت العائلة تقوم بها. لم تمرّ سوى سنة واحدة حتى وصلت أصداء النشاط المريب الذي يقوم به حسين الحوثي في صعدة تحت لافتة “حركة الشباب المؤمن” إلى الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي سارع بدوره لإرسال الوسطاء له للقدوم إلى صنعاء والتوقف عن الشعار الذي أطلقه للتو “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل” غير أن كل الوساطات فشلت بما فيها وساطات يحيى الحوثي الذي كان عضوا في البرلمان اليمني عن حزب صالح، فاندلعت حرب صعدة الأولى وتمكن الجيش اليمني في العاشر من سبتمبر 2004 من الوصول إلى معقل الحوثيين في جبال مران بصعدة وقتل مؤسس الجماعة حسين الحوثي. من ليبيا إلى ألمانيا بعد مقتل حسين الحوثي بشهور قليلة وشعور شقيقه يحيى بأن مشروعهم قد انتهى، ومع تنامي المخاطر على حياته في العاصمة صنعاء التي كان يمارس فيها عمله كعضو مجلس النواب منذ انتخابه في 27 أبريل 2003 تسللت فكرة الهروب إلى نفسه وهو الأمر الذي تم بالفعل في 2005 حيث غادر إلى ليبيا لعامين. انتهت تلك الفترة بتزايد الضغوط اليمنية المطالبة بتسليمه، إثر أنباء عن تلقيه دعما ليبيّا لممارسة أنشطة سياسية معادية للحكومة اليمنية، وفي فبراير 2007 تقدم اليمن بطلب رسمي إلى ليبيا لتسليمه بعد تجريده من الحصانة الدبلوماسية وهو ما دفعه لطلب اللجوء السياسي في ألمانيا، بعد أن فشل في تمرير صيغة تسوية مع الحكومة اليمنية في مايو من نفس العام تقضي بمنح عفو رئاسي لكافة المشاركين في أعمال العنف في صعدة من الحوثيين والإفراج عن جميع السجناء السياسيين، والسماح بإنشاء حزب سياسي جديد كواجهة للحوثيين، بالإضافة إلى إعادة إعمار صعدة. في ألمانيا التي انتقل إليها، بدأ يحيى الحوثي في تأسيس حياته الجديدة التي ظن أنها ستكون طويلة جدا في المنفى، وبدعم من جهات إيرانية وعراقية شيعية اشترى مسكنا جديدا ومزرعة في “بون” التي بدأ منها يمارس نشاطه السياسي كمسؤول عن الملف الخارجي في الجماعة الحوثية التي عادت لاستجماع قواها في صعدة بقيادة شقيقه الأصغر عبدالملك. وفي مقابل النشاط السياسي الإعلامي الذي مارسه من ألمانيا قامت الحكومة اليمنية بالتصعيد ضده حيث تم تجديد قرار رفع الحصانة البرلمانية عنه في 7 يونيو 2008، وتمت محاكمته غيابيا في أكتوبر 2009 بتهمة التجسس لصالح دولة أجنبية في إشارة لإيران. كما تم اتهامه بالمشاركة في عصابة مسلحة و”التخطيط لاغتيال عدد من الشخصيات بينهم السفير الأميركي في صنعاء”، والمطالبة به عن طريق البوليس الدولي “الأنتربول” وفي فبراير 2010 صدر حكم غيابي بسجنه لمدة 15 عاما. وعلى الرغم من كل الضغوط الدولية التي مارسها اليمن لإيقاف نشاط يحيى الحوثي إلا أن حصوله على اللجوء في ألمانيا، وحصوله على جواز ألماني مؤقت مكناه من التجول بحرية في معظم الدول الأوروبية. إضافة إلى زياراته المتكررة لطهران وبيروت وبغداد حيث عمل على إقناع العديد من الأطراف والمؤسسات في تلك الدول بدعم جماعته التي كانت على الأرض توسع من نفوذها، مستفيدة من تصاعد حدة الخلافات بين صالح والمعارضة اليمنية والتي وصلت ذروتها في العام 2011 مع تصاعد الاحتجاجات في صنعاء والمدن اليمنية ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وهي الاحتجاجات التي شارك فيها الحوثيون بفعالية إلى جانب استفادتهم من حالة الصراع المسلح بين صالح وحزب الإصلاح وسيطرتهم على العديد من المناطق خارج محافظة صعدة التي أحكموا قبضتهم عليها. العودة إلى صنعاء في نهاية المطاف غادر صالح السلطة ولكنّ أحقاده على خصومه بلغت مداها ما دفعه للتحالف بشكل غير معلن مع الحوثيين في الوقت الذي تولى فيه الرئيس عبدربه منصور هادي السلطة وعقده لمؤتمر الحوار الوطني في مطلع العام 2013 وهي الفترة التي عاد فيها يحيى الحوثي إلى العاصمة صنعاء واستقبل في مطار صنعاء في 25 يوليو 2013 بشكل رسمي بعد منفى دام ثماني سنوات. كان في استقباله في مطار صنعاء صالح هبرة رئيس المجلس السياسي السابق للحوثيين ومحمد علي الحوثي رئيس ما سمّي لاحقا باللجنة الثورية العليا التي حلت بديلا عن الدولة، وعدد من القيادات البارزة في جماعته. وفي أول تصريح له لقناة المسيرة الحوثية قال إنه مع الحوار ومع السلام، غير أنه وقبل أن يغادر المطار ادعى المجلس السياسي للحوثيين في بيان له تعرض موكب الحوثي لإطلاق نار في مطار صنعاء من قبل أطقم عسكرية تابعة لوزارة الداخلية، في مؤشر على أن المشكلات بدأت للتو. انتهى مؤتمر الحوار الوطني برفض الحوثيين لمخرجاته حيث استمروا في التمدد في محافظتي حجةوعمران وبتحالف غير معلن حينها مع الرئيس السابق واصلوا تصعيدهم العسكري بالتقدم نحو محافظة عمران وإسقاطها وتفجير منازل خصومهم التقليديين وخصوم صالح في ذات الوقت أولاد الشيخ عبدالله الأحمر وصولا إلى العاصمة صنعاء التي اجتاحتها ميليشيا الحوثي في 21 سبتمبر 2014، ومع ذلك حرص يحيى الحوثي على التردد على ألمانيا وتجديد إقامته فيها قبل أن يقدم في 2016 على بيع أملاكه فيها. الحاكم بأمره استنادا إلى السلطة الرمزية التي يمثلها كونه الشقيق الأكبر لزعيم الجماعة أصبح يحيى الحوثي الحاكم المطلق في العاصمة صنعاء، والذي تتجاوز قراراته سلطة الدولة والقانون وفي سياق ممارسته لهذا الدور وجه بإطلاق سراح المئات من المسجونين المدانين بجرائم جسيمة من بينها الاختطاف والحرابة وترويج المخدرات والقتل، كما أثار حنق حزب المؤتمر الشعبي في مايو 2016 عندما اتهمته صحيفة “اليمن اليوم” التابعة للرئيس السابق بالإفراج عن المتهمين بمحاولة اغتيال صالح في مسجد دار الرئاسة بالنهدين. وقالت الصحيفة إن “يحيى بدرالدين الحوثي وبحكم سلطته في سُلم العائلة يصدر أوامره للقضاء بالإفراج عن معتقلين وإلغاء أحكام قضائية باتة، ويتدخل في اختصاصات النيابات، كان آخرها توجيه أمر إلى النائب العام بالإفراج عن المتهمين بتفجير جامع دار الرئاسة والذي راح ضحيته المئات بين قتلى وجرحى ومعوّقين واستهداف كبار رجال الدولة بمن فيهم رئيس الوزراء ورئيس الحكومة، كما استشهد رئيس مجلس الشورى عبدالعزيز عبدالغني في الحادثة”، وتساءلت الصحيفة “ما هي الصفة القانونية والموقع الوظيفي ليحيى بدر الدين الحوثي في سلم الدولة غير أنه شقيق قائد أنصارالله، والتي تمكنه من توجيه الأوامر لأعلى سلطة قضائية في البلاد”. بعض المصادر فسّرت مواقف يحيى الحوثي بأنها تأتي انطلاقا من حقده القديم المتجدد على الرئيس السابق صالح وتزعمه لتيار قوي يرى ضرورة إنهاء التحالف معه ومعاقبته على “الجرائم التي ارتكبها في حروب صعدة وعلى رأسها مقتل مؤسس الجماعة حسين الحوثي”، بل واتهامه له علنا بأنه هو من كان يحرك القاعدة في اليمن ويوجهها. وزيرا للتعليم يرى العديد من المراقبين أن يحيى الحوثي أكثر ميلا لطرح أفكاره المذهبية دون تجميل ولا يؤمن كثيرا بالبراغماتية السياسية في التعامل مع الداخل انطلاقا من دراسته الدينية على يد والده، وهو ما يفسر حديثه المتكرر لوسائل الإعلام عن أفضلية المذهب الزيدي على بقية المذاهب السنية في اليمن. بينما يتهم بالبراغماتية المطلقة في التعامل مع الخارج ومن ذلك سخريته على الهواء مباشرة من الشعار الذي جعل منه مؤسس الجماعة حسين الحوثي أيقونة للجماعة “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل” واعتباره أن الشعار مجرد كلام مضيفا “الحمد لله أميركا موجودة وإسرائيل موجودة ولم يمت أحد”، ويقال إن هذا الشعار من أسباب خلافه مع شقيقه عبدالملك في الأيام الأولى لتوليه قيادة الحركة بعد حسين. على خلاف إخوته الذين فضلوا ممارسة سلطاتهم المطلقة من خلف الستار ودون تبوّء منصب رسمي، أعلن الانقلابيون في أواخر نوفمبر الماضي تشكيل حكومتهم، وكان قرار تعيين يحيى الحوثي وزيرا للتربية والتعليم صادما لليمنيين، حيث عرف عنه تعصبه المذهبي ورفضه للآخر منذ فترة مبكرة واتهامه الرئيس السابق بتسليم إدارة التعليم لمن وصفهم ب“الوهابيين”، ومن المفارقات التي يرددها اليمنيون أن يحيى الحوثي لم يذهب يوما لمدرسة نظامية حيث قاطعت أسرته التعليم الرسمي على اعتبار أنه “وهابي”. لم تذهب مخاوف اليمنيين من تطييف التعليم أدراج الرياح فقد كان أول قراراته إعادة النظر في المناهج الدراسية والتوجيه بإيقاف طباعة كتب التربية الإسلامية واللغة العربية في مؤشر على توجّهه لتكريس التعليم في اليمن لخدمة أفكار جماعته الطائفية، وهو الهاجس الأكبر الذي ظل يؤرق الحوثيين الذين سعوا منذ وقت مبكر للسيطرة على التعليم في اليمن من خلال عدة وسائل من بينها نشر أفكارهم في المؤسسات التعليمية وتغيير المناهج الدراسية في كل مراحل التعليم واستبدال مدراء المدارس والمعلمين بموالين يحملون أيديولوجية الجماعة واعتماد منهج ثقافي وتعليمي يستند على “ملازم” مؤسس الجماعة حسين بدرالدين الحوثي، إضافة إلى تشويه أفكار الطلاب بالتعبئة الطائفية واستحضار الخلافات المذهبية وإجبارهم على ترديد الأناشيد والشعارات الحوثية بدلا من النشيد الوطني ومنح شهادات نجاح ومعدلات مرتفعة للطلاب الموالين لهم في محاولة لتنشئة جيل عقائدي موال لهم وهي الأمور التي لاتزال تواجه برفض طلابي مستمر، غير أن الحوثيين يراهنون على قدرة الشقيق الأكبر لزعيم جماعتهم على تحقيق هذا الهدف الكبير.