إذن الرئيس هادي أقنع أمريكا بتسليمه طائرات بدون طيار، هكذا شاءت أحلامه، وهكذا تصور المشكلة في أن الطائرة من أمريكا وليس لأنها طائرة تقتل إنساناً بلا محاكمة وهو في الغالب بريء. حسب نشرة الأخبار هو مجرد مشتبه في انخراطه بتنظيم القاعدة، وحسب الحقيقة الدامغة فهو إنسان له حق الدفاع عن نفسه في حال اشتباهه ربما ثبتت الإدانة وربما لم تثبت. هكذا نجرد اليمني من اليقين وهو إنسانيته بجريرة اشتباهه في تنظيم القاعدة، هكذا يتغلب الشك على اليقين، شك انتمائه للقاعدة ويقين إنسانيته. وغلبة الشك على اليقين سببه غلبة عجرفة القوة الأمريكية واستهانة حكومتنا بأرواح مواطنيها. جاء الرد سريعاً من السفير الأمريكي بأنه لا وجود لأي صفقة من هذا القبيل، وفي رد آخر علق السفير الأمريكي بأنهم قد يوقفون الطائرات الأمريكية بدون طيار إذا أراد هادي، لكن كما يبدو من كلام السفير ثم كلام الرئيس إن هادي لا يرى مشكلة في قتل أبناء شعبه وطموحه لا يتجاوز امتلاك ذلك الكائن الخرافي الذي يطير بالجو دون طيار. لا يرى هادي خطورة على سيادة بلده حتى يضغط وهو الذي تزامنت زيارته الأخيرة لأمريكا مع ثلاث ضربات لطيارات أمريكية بدون طيار، ولن يبلغ ليمني الوهم إن هادي فتح هذا الموضوع خلال زيارته لأمريكا وهو الذي عبر في زيارة سابقة عن شديد إعجابه بدقة هذه الطائرات. قتلت الطائرات ما بين 600 إلى ألف يمني وتضاعف عدد أفراد القاعدة في اليمن من مئاتٍ لآلاف، فمع كل قتيل تصبح الأسباب وجيهة وبديهية للانخراط بالقاعدة، رغبة بالثأر من أمريكا أو شعوراً بالإهانة من هذا العدو الذي يتجول في السماء بدناءة من يخشى مواجهة ضحاياه، وتبلغ الاستهانة بهم حد عدم وجود طائر في الطيارة التي تقتل دون رحمة محيلة البشر لأشلاء والمباني لرماد. ليس هذا فقط فهناك طائرات سعودية وأخرى يمنية أقل دقة في التصويب وأقل قدرة في التدمير. هكذا تستباح دماء اليمنيين ولا تبقى مشكلة لهادي سوى امتلاك الطائرات بدون طيار. لم يحاول حتى الرئيس هادي مناقشة المعايير الأمريكية في استخدام هذه الطيارات حيث كانت في السابق منذ عام 2001 حتى عام 2010 ليست سوى ضربات نوعية ومحدودة عادة ما كانت تستهدف قيادات قاعدية، كان حينها هذا النوع من الضربات منضبطة بعدة معايير وهي أن يكون المستهدف شخصية قيادية في القاعدة وليس شخصية عادية وكذلك ألا توجد إمكانية في إلقاء القبض على هذه الشخصيات. منذ قضية النيجيري عمر عبدالمطلب الذي حاول تفجير طائرة أمريكية متجهة لديترويت في ديسمبر 2010 وهذه الاستراتيجية تغيرت. صار يعقد كل ثلاثاء من كل أسبوع اجتماع لجون برينان رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية ومستشار مكافحة الإرهاب مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يحدد ضحايا هذا الأسبوع من يمنيين بمعايير عشوائية قد لا تكون أكثر من تجمع بشري لمجموعة ممن يشتبه بانتمائهم للقاعدة ولا تقل أعمارهم عن 15 عاماً ولا تزيد عن 65. هكذا في خضم الجنون الذي اجتاح الغرب وإعلامه آخر أيام رمضان المنصرم وعيده، تعرضت اليمن لاثنتي عشرة ضربة خلال أسبوع بهدوء وصمت من لا يكترث بأرواح أهدرت، وتنظيم مع كل ضربة يزداد قوة، دون تساؤلات حتى عن جدوى هذه العمليات العقيمة. لا ينفع الرئيس هادي امتلاك الطائرات بدون طيار، مع العلم إن امريكا ليست مضطرة لذلك، لكن شيئاً واحداً ينفع الرئيس هادي هو التصرف كرئيس شرعي يخشى على شرعيته، ويناقش أمريكا بجدية حول أسباب وجود تنظيم القاعدة وهي غياب الدولة وضعف المشاريع التنموية في تلك المناطق النائية ورجال دين متطرفين. في هذه الحال فقط قد ينجح هادي وأمريكا في القضاء على القاعدة من خلال الحفاظ على سلامة أرواح اليمنيين، وتعزيز حضور الدولة بحفظ سيادتها وعدم الإضرار بشرعية حكامها.