تحت خيمة أبناء بعدان الواقعة في أقصى الساحة من الشمال كان بودّ الجريح المعاق بلال البتول لو يقف على قدميه فيصرخ ملء الساحة: "يا شباب الثورة لقد قتلتموني ألف مرة"، وحين يتمكن من المشي قليلا يضيف بلال لربما نفخ بألمه روح الثورة كي يعود وهجها من جديد فتكنس بإعصارها القوي قراصنة الساحة والمتاجرين بأحلام الشباب ومستثمري الألم. منذ إصابته الثامنة والأخيرة قبل تسعة أشهر، تقريباً، وبلال البتول (30) عاماً يعيش مأساته الخاصة وعلى فراش الألم يحصي أيام الثورة الموؤدة بعد أن خلفته معاقا لا يقدر على الحركة بسبب رصاصة في الرأس أفضت إلى كسر في الجمجمة وتمزق أعضاء النظر وشلل في الجهة اليسرى من جسده. يتحدث بلال عن معاناة ما بعد الإصابة -باعتباره واحدا من الشباب المستقلين- فلا يترك أثرا ينم عن خدمة المسؤولين له في الساحة بقدر الألم الذي تركوه معه وضاعفوا منه وبالتحديد من قال إنهم "شبكة عنكبوتية إصلاحية" ويقصد مندوبي الجرحى في اتحاد إب هناك. لعل الإنصات إلى مأساة بلال تبعث على الألم والتحدث إلى الحزبية الضيقة بشكل وقح وعن إفرازات التحزب الأعمى من عنصرية فجّة تجاه من ليس في إطارهم.. ولكونه مستقل التوجه والتفكير يقول بلال: "عاملتني عناكب الإصلاح بطريقة مستفزة ومقيتة لا يفترض أن تصدر تجاه جريح نذر نفسه من أجلهم مثلي"، فهو يسرد قصة معاناته مع المندوبين هؤلاء بقوله: "منذ أن تعرضت للإصابة في رأسي وتم إسعافي إلى المشفى حينها خضعت للعملية مباشرة فجأة وبعد فترة قصيرة ذهبت إلى المشفى برفقة والدي وبعض أصدقائي لعمل أشعة قال الأطباء بعد قراءة التقرير أنني احتاج إلى زراعة عظم في الجمجمة في أقرب وقت، بالمقابل كان المندوبون عن الجرحى وبرئاسة حسين الشريف المسؤول الأول يتهونون من حالتي ويهزأون بي وبين الفينة والأخرى كانوا يأتون لأخذ تقرير الحالة كلما سمعنا عن مجيئ لجنة طبية خارجية إلى مشفى جامعة العلوم على أساس أنهم سيأخذونه لهذه اللجنة كي تقر العملية لكنهم كذبوا وهكذا أكثر من لجنة طبية فوتوا عليّ فرصة عرض حالتي عليها كوني لست إصلاحياً. ويضيف بلال: أذكر في إحدى المرات أخذني أحد المندوبين الى لجنة طبية تركية في مشفى العلوم فجأة أخرج المندوب من جيبه تقرير الحالة وحين قرأه الطبيب قال لي "لا تحتاج الى شيء التقرير يقول إنك سليم" حينها تأكدت أن صاحبي هذا قام والمندوبين الآخرين بعمل كولسة وعمل تقرير يقر بسلامة الحالة، ومن بعدها يقول بلال تأكد لي أن هؤلاء المندوبين يعملون لمصلحتهم الشخصية ولولا والده المسكين إلى جانب بعض أصدقائه لم يكن ليحظى بفرصة عملية زراعة عظم في الجمجمة أما المندوبون عن الجرحى فقد اشتروا سيارات وبيوتا من خلال الشحذ بنا سراً. يقول بلال: مستحقاتي قطعوها من قبل شهرين.. ويوجز بلال حديثه عن لجنة تسفير الجرحى إلى الخارج قائلا إن هذه اللجنة إصلاحية وعملية تسفيرهم انتقائية جدا، مؤكدا انه تم تسفير أناس ليسوا مرضى وحالتهم جيدة إلى تركيا. بلال البتول متزوج ولديه طفلة وحيدة عمرها 6 سنوات يود لو يراها لحظة واحدة ويموت حيث وقد غادرت زوجته المنزل مع طفلتها، أثناء خبر إصابته، إلى بيت والدها أو حتى الآن رافضة العودة أو الانتقال إلى منزل والده في صنعاء وحتى تسفير ابنته إليه فقد فاض شوقه إليها ولم يمكنه القدر من الوصول إليها.