"الجهل المقدس" هو عنوان كتاب للكاتب والباحث الفرنسي (أوليفييه روا)، لكني لست هنا بصدد استعراض الأفكار التي أوردها المؤلف في كتابه، وإنما بصدد الإشارة إلى هذا الجهل المقدس الذي تفشى في واقعنا اليمني واستشرى كالسرطان في جسد المجتمع. قد لا نكون اليوم أكثر الشعوب جهلاً، لكننا بالتأكيد من أكثر شعوب العالم تقديساً للجهل. ونحن لا نقدس الجهل فقط، وإنما نقدس الجهلة.. نقدس كل هذه العجول التي تعبث وتروث والتي ما انفكت جاثمة على صدورنا باسم المقدس الديني، أو باسم المقدس الوطني وهي بذريعة الدفاع عن المقدس تستأثر بالنعيم وتفتح علينا أبواب الجحيم. يقول أوليفييه: الجهل المقدس هو الاعتقاد الديني المحض الذي يبنى خارج الثقافات.. هذا الجهل الذي يحرك الأصوليات الحديثة في سوقٍ للأديان ويفاقم اختلافاتها، ويوحد أنماط ممارساتها. غير أن الجهل المقدس في اليمن ليس هو الاعتقاد بالديني المحض فقط، وإنما هو كذلك الاعتقاد بما هو غير ديني وهو –أي الجهل المقدس- لا يحرك الأصوليين وحدهم، وإنما يحرك اليمنيين جميعهم، متدينين وغير متدينين، حزبيين وغير حزبيين، أصوليين وغير أصوليين.. يحركهم ويفاقم خلافاتهم ونزاعاتهم، ويوحد أنماط ممارساتهم وردود أفعالهم. وفي اليمن لكل مقدساته، ولكل عجوله التي يتقرب إليها بالقرابين، ويقوم بتسويقها في أسواق المقدسات الدينية والوطنية، فثمة سوق للمقدس الكهنوتي وللعجول الكهنوتية وأخرى للمقدس الوطني وللعجول الوطنية، وثالثة للمقدس القبلي وللعجول القبلية، ورابعة للمقدس الحزبي والسياسي وللعجول الحزبية والسياسية، وسوق خامسة للمقدس الثوري وللعجول الثورية ..إلخ، وكل هذه المقدسات تقودنا إلى النزاعات والصراعات المقدسة، وإلى الموت المقدس. *صحيفة اليمن اليوم