إذا كان للهنود أبقارهم المقدّسة التي يعبدونها ويقدّسونها ويعتبرون المساس بها مساساً بالمقدس. فإن لنا نحن اليمنيين عجولنا المقدّسة والمكدّسة التي لا يجوز المساس بها مهما كانت الأضرار الجسيمة الناتجة عن عبثها واستهتارها. إنها عجولٌ فوق القانون، فوق النظام، تشطح وتنخُط وترفِس وتعيثُ وترُوث. عُجولٌ قبلية، وعجولٌ حزبية، عجولٌ ثورية، وعجولٌ مدنية وعسكرية، عجولٌ في السلطة، وعجولٌ في المعارضة، عُجول سبتمبر، وعُجول أكتوبر. وعند كلَّ مُنعطفٍ ثوري تمرُّ به بلادنا نجد أن تلك العُجول التي سبق لها أن عاثت وراثت تلتفُ وتدور وتقوم بتثوير وتدوير نفسها بنفس الطريقة التي يتم بها تثوير وتدوير القمامة. وفي كل مرحلة ثورية دائماً ما نُفاجأ بهذه العُجول المدنَّسة والمكدّسة تُقدَّمُ لنا على أنها عُجولٌ طاهرة مُطهرَّة، مطلوبٌ منّا أن نعبدها ونُقدسها ونحترمها ونتركها من جديد تروثُ فوق رؤوسنا كونها اكتسبت قداستها وطهارتها بانغماسها في أتُون الفعل الثوري وفي انحيازها إلى صف الثورة. إنني أفهم وأتفهم فلسفة تقديس الهنود لأبقارهم، فالبقرة في جميع الثقافات ترمز للعطاء وللمحبّة والتسامح واللاعنف.. أما الذي لا أفهمه ولا أتفهمه ولا أستطيع تفسيره هو سِرُّ تقديسنا لعُجولنا المدنَّسة والمكدَّسة التي تجهل لغة العطاء والمحبّة والتسامح وتتكلم بطلاقة لغة العُنف والهيمنة والاستحواذ.