عبدالكريم الرازحي-نيودلهي -1- حرةٌ أكثَر مني ومنكم ومنا جميعاً. حرةٌ أكثرَ مِنْ كلِّ الكُتَّاب، ومِنْ كُلِّ الأدباء والمثقفين. حرةٌ أكثرَ من كُلِّ الصحفيين اليمنيين في يَمنِ الوحدةِ والديموقراطية. حرةٌ أكثرَ من مُناضلي سبتمبر ومن مُناضلي أكتوبر، ومن جميع السياسيين وقادةِ الأحزابِ في السلطةِ والمعارضة. حرةٌ أكثرَ من كُلِّ العربِ في مشرقِ الوطنِ العربي ومغربه. تلك هي البقرةُ الهندية. -2- مُفخخةً بالحليب وبالحرية تعبرُ الشارعَ الهندي. لا وزيرُ الداخلية يقدر أن يقيدَ حريةَ وحركةَ سيرها، ولا وزيرُ الإعلام يستطيع أن يصادرَ حريةَ خوارِها. لا الأول يتجرأ أن يكسرَ قرونها إن هي كسرت الإشارة. وكسرت نظام المرور. ولا الآخرُ يجرؤ أن يمنعَها من الخوار إن هي خارتْ خواراً فيه مساسٌ بالثوابتِ الوطنية البقرية. -3- في الهند، من حق أي بقرة أن ترفعَ دعوى ضد وزير الداخلية إن هو قَيّد حركةَ سيرِها. ضِدَ وزير الإعلام إن هو أخضع خوارها لأي شكلٍ من أشكالِ الرقابةِ السابقةِ واللاحقة. ضِدَ وزيرِ السياحةِ إن هو منعها من ارتيادِ الفنادقِ والمطاعمِ والأماكن السياحية. ضِدَ المؤسسةِ الأمنيةِ إن ثبتَ أنها تتجسسُ عليها. ضِدَ الحكومةِ الهنديةِ إن هي انتهكتْ حقاً من حقوقِ البقر، وضد الحزب الحاكم إن تم ضبطه وقد تقمص هيئة عجلٍ وراح يشفطِ لوحدهِ حليبَ البقرة. -4- لدى البقرة في الهند حريةٌ شاسعةٌ وحريةٌ لا حدودَ لها، حريةٌ تكفي جميع اليمنيين والعربَ جميعا. ولو أن اليمنيين والعربَ أجمعين وُلِدُوا كبقرٍ في الهند وعاشوا فيها حياةَ البقر، لكانوا من أكثر الشعوب في العالم حريةً وتحضراً. لو أن الحريةَ المتاحةَ والمتوافرةَ في كافةِ الأقطارِ العربية تم جمعُها وضغطُها وتقديمُها لواحدةٍ من أبقار الهند، لأحسَّتْ بالغبنِ، ولماتت من القهر. -5- لكن المهمَ والأهم هو أن البقرةَ الهنديةَ لا تعيشُ بالحريةِ وحدها.. وإنما بالحريةِ والبرسيم، بالحرية والعلف. فهي حرةٌ ومعلوفةٌ ومرفَّهَةٌ، مُعزَّزةٌ ومكرمة. مراعيها دائما خصبة، وهي تتنقل من مرعىً الى آخر من دون قيود. وإن هي وجدت مرعىً أكثَر خضرةً وخصوبةً، داخل الوطن أو خارجه لا أحد يَحُولُ بينها وبينَ الانتقال اليه. لا احدٌ يحسدُها.. لا أحدٌ يتدخلُ لقطع رزقها لأي سببٍ من الأسباب.. لا أحدٌ يلاحقها في قوتها وفي قوتِ عجولها حتى وإن لم تَكُنْ عضواً في حزبِ المؤتمرِ الهندي الحاكم. -6- البقرةُ رمزُ العطاءِ والإيثارِ، اللاعنف والتسامح، لهذا يقدسها الهنود. العجلُ رمز الأخذِ والاستئثار والاستحواذ، العنف والقوة.. لذلك نقدسُ العجول. * في صيف عام 1988 من القرن الماضي زار الكاتبُ الهندَ لأول مرة بدعوة من وزارة الثقافة الهندية للمشاركة في مهرجان الشعر الآسيوي. ثم زارها في العام الماضي وفي عامنا هذا تلبية لدعوة كريمة من صديقه مصطفى النعمان - سفير اليمن في الهند. بعد المقارنة بين "الهندين" وبين العهدين، وجد نفسه مندهشاً للمسافة التي قطعتها الهند باتجاه الوفرة والحرية.