لدى اليمنيين, ولدى الشباب بشكل خاص، ميل قوي إلى الالتحاق بحزب, بجماعة, بتنظيم, إلخ. لديهم توق شديد إلى أن يصبحوا أعضاء في هذا الحزب أو ذاك, وفي هذه الجماعة أو تلك, وكأنهم بذلك يكملون وطنيتهم, أو يكملون دينهم, أو كأن شخصياتهم لا تكتمل إلا بعد اقترانهم بحزب أو جماعة. بمعني آخر اليمني حيوان حزبي.. لا يستطيع أن يعيش إلا ضمن حزب, ضمن جماعة, ضمن قطيع. وهو لا يشعر بكينونته, ولا يشعر بالأمان والدفء، إلا عندما يكون تابعاً, أما عندما يكون فرداً حراً فإنه يشعر بالرعب, ويتملّكه إحساس بأنه وحيد وهش وضعيف. قبل أيام بعث لي شاب بالرسالة التالية: "مساء الخير أستاذ عبد الكريم أنا كنت عضواً في التنظيم ال "..."وسيبونا بوقت كنت بأمس الحاجة لهم, وتركتهم لذلك السبب, كنت أريد أنضم للحزب فشككوا بي إنني أمن, وأنني أراقبهم فلماذا هذا الخوف؟ وأنا أبلغ من العمر 28 عاماً ومهندس بترول, ومعي ماجستير، ومش بحاجة الأمن، وأنا لست نذلا أراقب أو أتجسس على أحد.. والله مأساة إذا هكذا يجعلون الشباب ينفر منهم". في رسالة هذا الشاب براءة موجعه وفيها وجع بريء. ورسالته هذه تختزل مأساة أحزابنا التي شاخت وتكلست وتقوقعت وأصبحت حبيسة ماضيها, وهي - أي الرسالة - تختزل في نفس الوقت مأساة شبابنا الذين لا يثقون بأنفسهم ولا بفرديتهم واستقلاليتهم, وكذا مأساة اليمنيين الذين أصبحوا مجرد قطعان، كل قطيع في حالة قطيعة مع القطيع الآخر، وفي حالة عداء ونطاح مستمرين. إن هذا الشاب لديه ماجستير وهو مهندس بترول، وبمقدوره أن يواصل مشواره من دون الحاجة إلى حزب، ومن دون خوف، لكنه زمن القطعان.