أفكر أن أكتب قصة قصيرةً، بل رواية.. أتحدث فيها عن حكاياتي مع المجانين فقط. سألت أحدهم: ما الذي دفعك إلى الجنون!! قال: العالم لم يعد يناسبني.. كان العالم يضيق به كملابس طفل، لذلك يمزِّق ملابسه باستمرار.. فكلما اتَّسعت رؤيته ضاقت ملابسه.. يقف بباب المسجد، ويقول للمتوافدين إلى صلاة الجمعة: الله ليس في المسجد.. للمجانين رؤىً لا يقدر على تخيُّلها شاعر، لأنهم تجاوزوا هذه المرحلة.. يصوغون الحِكَم ويمضون غير آبهين بمن يتلقَّفها منهم، فالشُّهرة ليست في حساباتهم.. يتعاملون مع الجمادات بإنسانيةٍ مفرطة، لأنهم يرونها ونحن ننظر إليها فقط.. الأسبوع ليس سبعة أيام.. اليوم ليس 24 ساعة، حين يندفع مجنون ليسألك عن الوقت سيهزأ بك إن أخبرته، وسيشفق عليك، لأنك سجين دائرة الأسبوع المغلقة.. "خذوا الحكمة من أفواه المجانين".. المجانين يصدِّرون الحكمة لأنهم لا يحتاجون إليها، العُقلاء مستهلكون فقط!! بيننا وبين كلِّ شيءٍ حجاب لا يرتفع إلا بعلم.. الجنون علم.. الجنون فنّ.. الجنون اكتمال.. أقف أمام المجنون وجهاً لوجه.. يحدِّثني من البُعد الذي يقف فيه، وأحدِّثه من البُعد الذي أراه منه.. وبيننا برزخٌ ضوئيٌّ لا تقدر اللغة على تجاوزه.. الأبجدية مطيَّة لا يحتاج إليها هذا المجنون الزئبقي الذي تحرَّر من كلِّ قيود الصلصال. سألتُ المجنون: لمَ كلُّ هذا الاتساخ على ملابسك!! قال: لأننا نهتم بنظافة الداخل.. "بين الجنون والعبقرية شعرة"، هكذا يقولون.. أمشي على تلك الشعرة بحرص لاعب سيرك، بخوف جندي وجد نفسه فجأة في حقل ألغام.. سأقطع هذه الشعرة.. فضاء الجنون أوسع من نافذة العبقرية.