بالأمس عدتُ من عملي في الثانية عشرة ليلاً.. لم أعد أفكر بشيء، وأنا في الطريق إلى البيت، سوى التلفُّت يميناً وشمالاً، بحثاً عن محطة بترول، ومعظمها خاوية على عروشها، مطفأة، رغم أن تحت كل محطة بحيرة من النفط المُحتَكَر، وإلَّا ما سرُّ إقفال المحطات كلها في وقت واحد، كأنهم يفعلون ذلك بتوجيهات عليا.. وما خبر المحطة التي وجدوا بها نصف مليون لتر من الديزل، في شارع الستين، إلا شاهد على هذه المهزلة والتسيُّب.. فلو كان صاحب هذه المحطة في دولة أخرى غير اليمن لقامت الدولة بتعليقه في ميدان عام. وصلتُ إلى الحصبة، قاصداً المحطة التي بجوار الكبوس، لكن الطابور فيها كان إلى ركن مخرطة قصعة، ومن هناك حتى آخر سور مصنع الغزل والنسيج، ومن آخر السور يلتفُّ الطابور حتى أمام بوابة الشرطة العسكرية.. يا للهول!! ربما لو تم الإعلان في بلد آخر عن توزيع البترول مجاناً لما تهافتوا عليه بتلك الطريقة ووقفوا في الطابور من بعد العشاء إلى قبل الفجر. وبدلاً من أن يكون الناس في بيوتهم يرتاحون بسهرتهم، أو يتابعون دروس أولادهم، تراهم يقفون أمام المحطات وهم بين الرجاء واليأس، يحدوهم الأمل في الحصول على دبة بترول، وتخذلهم الكهرباء، فيقضون ليلتهم في سياراتهم كما ينتظر المريض العافية. قبل أسبوعين كنت في الكويت، سألت أحد الأصدقاء عن سعر دبة البترول عندهم، فقال لا أدري، قلت له ألا تشتري بترول لسيارتك؟ فقال أنا أملأها وأسأل عامل المحطة كم حسابه وأدفع له وأمضي في حال سبيلي!! مواطن في الكويت لا يدري كم سعر دبة البترول، ومواطن في اليمن يقف ليلة كاملة في الطابور للحصول عليها.. لذلك قررت أن أشتري سيكل، رغم خوفي من صدور قرار بمنع السياكل لأنها تضرب سوق البترول.