حين تفكر بالذهاب إلى محطة البترول للحصول على دبة بترول عليك اصطحاب عشرين ليتراً من الماء، وملابس، وعشرين قرصاً من الخبز، وعلبة جبن مثلث، وخمسة باكيت سيجارة، وثلاث علاقيات قات، وبيجامة نوم، ومخدة، وسجَّادة، وأذكار الصباح والمساء، ولن تنسى أن تضع لأولادك مصاريف وتقوم بتوديعهم كما لو أنك ستسافر.. وإن كنت تمتلك درعاً واقياً للرصاص فلا بأس أن ترتديه، تحسُّباً لحدوث أية مشاكل ينجم عنها استخدام المسدسات والكلاشينكوف.. لا تشغل بالك، فهذا الأمر يحدث دائماً، ولا تفرط في التفاؤل، فربما وصلتَ إلى دورك وانقطعت الكهرباء، أو يخبرك عامل المحطة إن البترول خلَّص.. لكن عزيمتك القوية ستجعلك تنام فوق سيارتك حتى اليوم التالي، كي لا تعود خائباً إلى بيتك، وكي لا يشعر أبناؤك أن لديهم أباً فاشلاً عاد خالي الوفاض. في ما مضى، حين نسمع الأعيرة النارية في المساء نقول إنها أعيرة ابتهاجية يطلقها أصحاب الأعراس، أما الآن فلا يذهب التفكير- وقت سماع الأعيرة النارية- سوى إلى أنهم يقتتلون في محطة بترول، وهذا ما حدث بعد نصف ليل أمس في المحطة القريبة من منزلي. بدأ البترول يتواجد، رغم تعطُّش الناس إليه، واختفى الغاز.. كأن الدولة تلعب مع الشعب لعبة القط والفار، أما الديزل فقد أصبح شبيهاً بالزئبق الأحمر. سيترتب على ذلك تصغير الروتي والخبز، وسيقول لك صاحب الفرن إن الديزل معدوم، وسترتفع أسعار الخضار والمواد الغذائية بمناسبة قدوم شهر رمضان، لأن المزارعين يعتبرون رمضان موسماً ينتظرونه بفارغ الصبر. ما على الحكومة سوى الاستخفاف بالناس، ومحاصرتهم بقطع البترول والغاز، وتشريدهم من بيوتهم ليقضوا أيامهم في طوابير البترول.. لكن كما يُقال: دوام الحال من المُحال.