تداولت أوساط سياسية وإعلامية، الأربعاء، تسريبات تبرر الاعتداء على قناة "اليمن اليوم"، وتصفه بأنه إجراء استباقي، قبيل إذاعة (البيان رقم 1) الذي كان معدّاً- حسب تلك التسريبات- للانقلاب على الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي. مصادر قيادية، في المؤتمر الشعبي العام، أكدت أن مزاعم وجود مخطط انقلابي جاءت على لسان الرئيس هادي، أبلغها لسلفه عبر قيادات في المؤتمر، مؤكدين أنها لم تكن مستندة إلى تقارير استخبارية، وإنما كانت مبنية على تحذيرات من حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين)، استثمرت تصاعد الدخان في سماء العاصمة جرّاء إحراق المحتجين إطارات السيارات، ورفعهم بكل عفوية صور الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وسفير اليمن في الإمارات أحمد علي، وترديد شعارات من قبيل "سلام الله على عفاش"، و"الشعب يريد أحمد علي"، و"يا عفاش إرجع إرجع". برلمانيون وساسة وأكاديميون وإعلاميون أكدوا- بمقالات رأي وتعليقات في مواقع إخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي- أن رد الفعل الرئاسي على الاحتجاجات كان متسرِّعاً، وغير متوقع، إضافة إلى كونه غير قانوني، ويمثل "انتكاسة كبيرة للحريات الإعلامية في اليمن"-حسب بيان مؤسسة حرية- و"انقلاباً على مخرجات الحوار الوطني"، كما قالت الأديبة أروى عبده عثمان، ويضع هادي في مواجهة مع حزبه، ومع الملايين من أنصار سلفه (غير المنتمين للمؤتمر). ومنهم من أوضح أن النموذج المصري صار هاجساً مخيفاً لقادة حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) ورئاسة الحكومة، وأنهم نقلوا مخاوفهم إلى الرئيس الانتقالي وأقنعوه بأن شبح الانقلاب واقعي، خاصة أن هتافات المحتجين هذه المرّة لم تكن للمطالبة بإسقاط حكومة باسندوة وتشكيل حكومة كفاءات، وإنما للمطالبة بعودة النظام السابق متجسداً في (الزعيم) و(السفير). وفضلاً عن النموذج المصري وما شكَّله سقوط الإخوان هناك من صدمة على إخوان اليمن يرى الدكتور محمد عبدالملك المتوكل- أبرز مؤسسي تكتُّل أحزاب اللقاء المشترك- أن مواقف الرئيس عبدربه منصور هادي الأخيرة تجاه تنظيم القاعدة من جهة وأنصار الله (الحوثيين) من جهة، عاصمة من مخاوف قيادات حزب الإصلاح (الإخوان). وقال المتوكل في اتصال أجرته معه "اليمن اليوم" إن قيادات حزب الإصلاح من خلال توصيفهم لاحتجاجات الأربعاء بأنها محاولة انقلابية (إنما يريدون إخافة الرئيس هادي على نفسه، في محاولة منهم لفرملة خطواته الجريئة التي لا تصب في صالحهم بقدر ما هي في صالح الوطن، والتي أكسبته شعبية، وتحديداً من موقفه تجاه القاعدة). وأضاف: موقف الرئيس هادي من الحرب على تنظيم القاعدة في شبوةوأبين، وكذا رفضه إقحام الجيش والأمن في الحرب بين الإصلاح وأنصار الله في عمران، وكذا شعورهم- الإصلاح- بانحسار شعبيتهم وتنامي السخط الشعبي تجاههم على خلفية الأداء السلبي لحكومة الوفاق التي يرفضون تغييرها، كل هذا أثار مخاوفهم وجعلهم يرون السيسي بنسخته اليمنية ماثلاً بين أعينهم، ولهذا تأتي محاولاتهم إخافة الرئيس من أن هناك محاولات انقلابية، مع أنه لا وجود لها، ولا أعتقد أن هناك أدنى المبررات التي تجعلنا نتحدث عن قوى تفكر بالانقلاب، خصوصاً في ظل الدعم الدولي غير المسبوق للنظام في اليمن بقيادة الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي، كما أنه ليس هناك من يمكنه الاستفادة من أي انقلاب ضد هادي. وأشار المتوكل إلى أن الإصلاح حاولوا الضغط على الرئيس وقف الحرب على القاعدة، بل إنهم عملوا على تهريب عناصر قاعدية من أبينوشبوة، وفق المعلومات المتواردة. ودعا المتوكل، في ختام تصريحه، الرئيسَ هادي إلى تعزيز التلاحم بين القيادات الجنوبية والشمالية التاريخية، والالتفاف نحو بناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة. مواقع إخبارية إخوانية أشارت إلى أن المحاولة الانقلابية المزعومة هي الخامسة، وأنه سبق إفشال أربع محاولات سابقة مموَّلة ومدعومة من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لإزاحة هادي وحكومة باسندوة، وتمكين أحمد علي عبدالله صالح من تولي رئاسة البلاد، بينما أحجمت صحيفة الثورة الرسمية عن التطرق لدعوى الانقلاب، واكتفت بتبرير إغلاق قناة "اليمن اليوم"، قائلة إنها "تجاوزت كل الخطوط الحمراء وأصبحت وسيلة هدم"، كما ربط إعلام الإخوان بين موقف المؤتمر من إغلاق القناة، ومسارعة هادي للاجتماع- الخميس- مع سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، وبين التصعيد المتجدد في عمران لإيصال رسالة تهديد للمؤتمر والحوثيين: "المجتمع الدولي يتوعَّد فلول صالح وأنصار السيد بحسم عسكري واستخدام القوة ضدهم".. بينما استبعد إعلاميون وحقوقيون أن يقوم المجتمع الدولي بدعم إجراءات قمعية تعود باليمن إلى عهد الشمولية- كما قال المحلل السياسي محمد المنصور- وتنتمي "لأسلوب العصابات الحكومية" في رأي الدكتورة ابتسام المتوكل. ونفت قيادات مؤتمرية أن يكون إغلاق القناة تنفيذاً لقرار تنظيمي، مؤكدين نجاح الإخوان في استدراج هادي لارتكاب خطأ مزدوج، بإغلاق القناة وإجراء تعديل حكومي محدود لن يطفئ الغضب الشعبي، ولن يحل المشاكل الأمنية والاقتصادية المتراكمة، بقد ما أنهم جرِّوا الرئيس الانتقالي إلى حيث لا ينبغي لرئيس توافقي، كما أوقعوا بينه وبين حزبه، وافتعلوا مشكلة جديدة تصرف الأنظار عن فشل الحكومة، وعن الأسباب الحقيقية التي دفعت الناس للخروج إلى الشوارع، والحنين لعهد الرئيس علي عبدالله صالح. وقال عضو اللجنة الدائمة وعضو الكتلة البرلمانية لحزب المؤتمر الشعبي العام، الشيخ صغير بن عزيز، ل"اليمن اليوم" إنه لو كان إغلاق القناة تم بقرار تنظيمي لكان علمت به قيادات المؤتمر، ولما تم نهب القناة، (فالذي يغلق القناة بقرار تنظيمي لا ينهب ويعبث بأداواتها). وأضاف بن عزيز أن اقتحام القناة ونهبها لن يمر مرور الكرام، وأنه "ما لم تقم قيادة المؤتمر برفع دعوى قضائية ضد المتورطين في الجريمة فإننا سنقوم نحن- أعضاء اللجنة الدائمة- برفع الدعوى، وما لم ينصفنا القضاء الذي بات مشكوكاً فيه فإننا سنواجه العنف بالعنف". وأشار بن عزيز إلى أن هناك ضغوطاً وحملة تضليل كبيرة مورست على الرئيس هادي من قِبل جماعة الإخوان دفعت به إلى مثل هذا الموقف الذي لا شك أنه أساء إلى الرئيس وموقفه من حرية الرأي والتعبير، داخلياً وخارجياً، وأوقعوا بينه وبين حزبه. وانتقد إعلاميون موقف إعلام الإخوان وبعض وسائل الإعلام التابعة للمشترك من خنق الحريات، وقالوا إنه كان ينبغي على كل إعلامي حُرّ التضامن مع القناة مهما اختلف مع رسالتها؛ التزاماً بالدفاع عن حرية الإعلام، كما تقتضي أخلاق المهنة، وعوضاً عن ذلك وصفت القناة ب"خلية انقلاب"، و"رأس الحربة" التي تستهدف النظام الانتقالي، و"بوق الثورة المضادة"، ووصفت أداءها بالتحريضي، وهي- حسب إعلاميين وحقوقيين- تهمة رائجة يمكن أن يلقيها أي نظام على وسائل إعلام ناقدة، وقد فاقمت مخاوف الإعلاميين من استمرار استهداف حرية الرأي والتعبير بحجة المحافظة على أمن غير موجود واستقرار وهمي.. وعبَّر مئات الإعلاميين عن هذه المخاوف في مقالات، وفي حساباتهم الخاصة على (فيسبوك)، ساخرين من (الانقلاب)، لأنه يظل دعوى من دون أدلة أو أية تحركات مشبوهة تجعل له تجسيداً في الواقع، كما سخروا من توقيت إغلاق القناة في ظل انقطاع الكهرباء، واستغربوا من تسرُّع هادي واستجابته لضغوط الإخوان الذين أنسوه أن قناة "اليمن اليوم" ظلت تغطي أنشطته وتذيع خطاباته وقراراته، بوصفه رئيساً توافقياً وأميناً عاماً للمؤتمر الشعبي العام، وكانت الانتقادات موجَّهة دائماً للحكومة. وقال أمين عام الحراك بمحافظة عدن، العميد حسن اليزيدي، في اتصال أجرته معه "اليمن اليوم" إن مسألة "الثورة المضادة" تهمة "اعتدنا سماعها من قيادات حزب الإصلاح عندما لم يجدوا ما يعبرون به عن مليونيات الشارع الجنوبي، بل أصبح كلُّ من لا ينتمي أو يناصر حزب الإصلاح في الجنوب هو في نظرهم من حلفاء عفاش تارة وحلفاء إيران تارة، وعصابات مسلحة انفصالية تارة أخرى". وأعتقد- والكلام لليزيدي- أن ما حصل ويحصل في صنعاء لا يختلف عمَّا يحصل في الجنوب من حيث إلقاء التهم، مع الفارق الجوهري في القضية. محللون أكدوا ل"اليمن اليوم" أن المؤتمر لن يكتفي ببيان الإدانة ومطالبة الرئيس الانتقالي باعتذار رسمي وتعويض، كما توقعوا موقفاً خليجياً قوياً من سياسة هادي مع إخوان اليمن.