تكرس الحكومة، حالياً، جهودها لمكافحة ردة فعل الشارع تجاه مضاعفة أسعار الوقود، متجاهلة بذلك وطأة (الجرعة) على الناس، فيما يسود الأوساط الشعبية حالة من الترقب لتداعياتها، وسط استمرار صراعات القوى ورغبتها الاستفادة منها. في صنعاء نفذت قوات الأمن، أمس، حملة المصادرة للإطارات المستهلكة كإجراء أمني للحد من استخدامها في الاحتجاجات المتصاعدة منذ أيام، وغلب على طابعها إشعال الإطارات في الشوارع. وقالت مصادر أمنية ل"اليمن اليوم" إن حملة مصادرة الإطارات سوف تستمر بناء على توجيهات عليا صدرت، الأحد، وتقضي بمصادرة كافة الإطارات المستهلكة من محلات بيعها في العاصمة خصوصاً محلات (البنشر). وكانت الداخلية وجَّهت، الأحد، قادة الوحدات الأمنية بتوعية منتسبي تلك الوحدات بأهمية إقرار الجرعة، وحاجة الحكومة إليها في الوقت الراهن، وضرورة تصدي الأمن لأية أعمال شغب، رغم التذمر السائد في الأوساط الأمنية. وأعلنت جهات حكومية عدة، عقب إقرار الجرعة، عدم تأثرها بقرار رفع دعم المشتقات النفطية، وأن أسعارها ستظل ثابتة، لكن مراقبين رأوا في الإعلان محاولة حكومية يائسة للحد من اتساع رقعة الغضب في الأوساط الشعبية، ويتوقعون أن ترتفع رسوم كافة الخدمات الحكومية بصورة مفاجئة خلال الفترة المقبلة. كما أعلنت شركات خاصة تمتلك مصانع للمنتجات المحلية عدم رفعها لأيٍّ من أسعار منتجاتها، غير أن مصادر مطلعة قالت ل"اليمن اليوم" إن ضغوطاً حكومية مورست على عدد من رجال الأعمال بغية تأييد قرار الحكومة وتهدئة الشارع، مشيرة إلى أن أسعار المنتجات المصنعة محلياً ارتفعت بالفعل قبل نحو شهر من إقرار الجزء الخاص بالمواطن من جرعة الوقود، أي بعد أيام على توصل القطاع الخاص والحكومة إلى اتفاق يقضي بالسماح للقطاع الخاص باستيراد الوقود من السوق العالمية بالسعر المحرر مقابل رفعه في يونيو الماضي. وفي جولة ميدانية لمراسلي الصحيفة تبيَّن وجود ارتفاع في أسعار بعض المنتجات المحلية وبنحو 70% من أسعارها التي سبقت شهر رمضان المبارك. وقال أصحاب محلات تجارية في أحاديث متفرقة ل"اليمن اليوم" إن منتجات كالألبان وغيرها من المنتجات المستهلكة بصورة يومية ارتفعت بفارق كبير عمَّا قبل إعلان الجرعة، متوقعين بأن ترتفع أسعار المواد الأخرى مع قرب استنفاد الموردين لمخزونهم القديم وشرائهم بالسعر الجديد، إضافة إلى تكلفة المواصلات التي ارتفعت بالفعل. في قطاع المواصلات، أعلنت الحكومة، ممثلة بوزارة النقل، ارتفاعاً نسبياً وبنسبة 20% من أجور المواصلات في أحياء العاصمة والمدن الأخرى، لكن ذلك يقتصر على وسائل النقل الحكومية التي لا تتوفر حالياً، وفقاً لما يقوله مالكو حافلات نقل. في شوارع صنعاء بمجرد إيقاف حافلة أجرة لنقل الركاب، يشير السائق مباشرة إلى أن سعر المواصلات داخل الإحياء، والذي كان حتى وقت قريب ب50 ريالاً، قد ارتفع إلى مائة ريال، أي الضعف، رغم إعلان الحكومة رفع 10 ريالات في سعر أي مشوار لحافلات النقل داخل أحياء العاصمة. ويقول السائقون، ممن واصلوا أعمالهم رغم إعلان عدد كبير منهم الإضراب الشامل عن العمل، إن الأسعار الحكومية تقتصر فقط على الوسائل المملوكة لها، "ونحن مالكو حافلات خاصة وبعضها مستأجرة ملزمين بتوفير قوت أسرنا وكذا إيجارات الحافلة التي تصل إلى 5000 ريال يومياً". ويبرر هؤلاء السائقون رفضهم الالتزام بالأسعار المحددة رسمياً، بتضاعف أسعار الوقود "كنا نشتري الدبة البترول أو الديزل بنصف سعرها، الآن كيف يمكن أن نستهلك الدبة البنزين مثلاً بخسارة النصف"، وفقاً لأحد السائقين. لم يقتصر الحال على العاصمة، ففي مدن أخرى تواصل السلطات المحلية طرح خيارتها للحيلولة لتفادي موجات الغضب الشعبية. ففي محافظة تعز ارتفعت أسعار المواصلات بنحو 35% مقارنة بصنعاء مثلاً، وكما هو الحال في شبوة التي وصلت فيها أسعار المواصلات رسمياً إلى 40%. جميع المؤشرات السابقة، وتضارب التسعيرة في المواصلات والمنتجات ليست أكثر من مواساة حكومية للشعب، وفقاً لما يراه مراقبون، وتمهِّد للجرعة الكبرى "ارتفاع شامل للأسعار والخدمات". ترى الحكومة أنها ضرورة وطنية لمنع حدوث انهيار اقتصادي كان على وشك، فيما يرى سياسيون وخبراء اقتصاديون أن الجرعة نتاج سياسات كارثية وفشل ذريع لحكومة باسندوة. الحكومة- وفقاً لمصادر مطلعة- لم توجِّه صراحةً بضبط الأسعار في الأسواق، واكتفت بتوجيه الأمن والبلدية بالتعامل السلس مع الأسعار في الأسواق المحلية واستعطاف التجار، تحاشياً لردة فعل عكسية، وحتى بيانها الأخير الصادر عن اجتماع، الأحد، لم يشِر إلى إجراءات عملية من شأنها مواجهة ارتفاع أسعار المواصلات والسكن والنقل وحتى رغيف الخبز، الذي تضاعف في الأسواق، والماء الذي باتت رسوم نقله ضعف سعر دبة الديزل سعة "20 ليتراً" والذي وصلت أخير إلى 3900 ريال. وحتى الحديث حول ما بعد الجرعة بات صعباً مع مالكي العقارات ومركبات النقل وبائعي وايتات الماء، وحتى المخابز. ولكل واحد من أولئك مبرره لرفع إيجارات ما يملك، فهل بات على الناس المبيت في الشارع أو عدم الشرب وأكل الرغيف لتخفيف وطأة الاقتصاد الوطني وما يمر به، وفقاً لرواية الحكومة. غالبية من استطلعت الصحيفة آراءهم من سكان العاصمة توقعوا ارتفاع أسعار المواد الغذائية والموصلات وإيجارات السكن والنقل، وغيرها، في حال استمرت أسعار الوقود الحالية، مع أن عدداً منهم لا يزال يأمل تخفيف أسعار الوقود الحالية بالتزامن مع إقالة حكومة الوفاق الحالية واتخاذ خطوات عملية من قبل أية حكومة مستقبلية لتخفيف وطأة الجرعة، لكن ذلك يظل مجرد أحلام. في عدة أحياء من العاصمة يواصل مواطنون قطع الشوارع بواسطة إحراق الإطارات، كما هو الحال في شارع خولان وجولة تعز، حيث أغلق غاضبون عدة شوارع أبرزها جولة مقبرة ماجل الدمَّة في شارع خولان وأعاقوا حركة السير، أمس الأول، لعدة ساعات. وإلى جانب ما تشهده أحياء المدن من فوضى وعنف، لا يزال الكثير من الناس ملتزمين منازلهم بانتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة من تداعيات، خصوصاً في ظل استمرار صراعات القوى والجماعات، وتصاعد الدعوات والتحذيرات القبلية والسياسية من مغبَّة تجاهُل مطالب التراجع عن الجرعة.