رفع الدعم عن الأسعار خطوة لا مفر منها، ولكن وفق خطة إصلاحات اقتصادية (ثورية) شاملة ومدروسة، واضحة وشفافة، تحوز على ثقة المواطن الذي سيتحمل العبء الثقيل الناتج عن تحرير الأسعار. لا شك أن المواطن السويّ مستعد أن يهب روحه من أجل وطنه، وليس فقط تحمُّل جرعة سعرية، ولكن وفق رؤية واضحة الهدف والمعالم، وليس كخطوة حائرة مترددة من حكومة عاجزة فاشلة، كلما تفعله هو أن تُحمل المواطن فسادها وعجزها وفشلها في تطبيق القانون على الحيتان الكبيرة، ليتحمل المواطن في الأخير "بلاويها." يحتاج المواطن أن يعرف بكل شفافية وجُرأة على أي أرضية يقف، والى أين يتجه، وما هو الهدف المطلوب تحقيقه، وما المطلوب منه تحمله في سبيل بلوغ هذا الهدف؟ وما النفع الذي سيعود عليه وعلى أولاده وأحفاده من سلوك هذا الطريق المؤلم؟ المواطن مستعد أن يتحمل إصلاحات اقتصادية قاسية بما لا يتصوره أحد، ولكن في حالة واحدة فقط، وهي أن تبدأ هذه الإصلاحات من أعلى الهرم وليس من أسفله. خطة إصلاحات يكون فيها تحرير الأسعار هو الخطوة الأخيرة، وليس الأولى والوحيدة، وهذا ما لم ولن يتم. يحتاج المواطن أن يؤمن ويثق بقيادته؛ خصوصاً أن القيادة والطبقة السياسية ككل أدارت ظهرها للمواطن، واختارت الانجرار وراء الإملاءات الخارجية بمختلف اتجاهاتها ومسمياتها.. لذلك لا توجد أمارة تشجع المواطن أن يثق بالطبقة السياسية بأكملها. وكل ذلك يُهدد بنتائج غير محمودة العواقب ولو بعد حين.. لا أحد على الإطلاق يستطيع التنبؤ بما يمكن أن يحدث. الحكومة لم تفشل في محاربة الفساد لأنها لم تحاربه أساساً، الحكومة لم تفكر حتى في كبح جماح فساد المسؤولين والمشايخ والقادة والمتنفذين والتجار والسياسيين.. لم تسوّل لها نفسها ذلك أبداً.. الذي حصل هو العكس من ذلك تماماً. قام المشترك وشركاؤه بثورتهم عام 2011م من أجل الوصول إلى السلطة ونهب موارد الدولة، وطبعاً استخدموا آلام ومعاناة الشعب كبضاعة يتاجرون بها ويزايدون عليها في سبيل تحقيق هدفهم. حشدوا المظاهرات الدموية، ونشروا أعمال الفوضى والتخريب، وأشعلوا نار الفتنة بين أبناء الشعب.. كل ذلك من أجل هدف رخيص ومشبوه.. الوصول إلى السلطة، ونهب وسرقة البلاد، وتقسيمها وشرذمتها. وفور أخذ نصيبهم نزل العقل عليهم فجأة، ونسوا الوطن والثورة والشباب، و أصبحت المسيرات والاحتجاجات أعمال تخريب وانقلاب بعد أن كانت حقا مشروعا ومكفولا. كان ثمنهم بضعة وزارات ومناصب عليا وآلاف الوظائف.. ما أرخصهم وما أرخص ثمنهم هؤلاء المرتشون. تتاجر الآن أحزاب وجماعات أخرى بهموم وآلام الشعب بنفس الطريقة ولنفس الهدف.. الوصول إلى السلطة أو على الأقل المشاركة فيها.. الكل يريد حصته من جسد هذا المواطن أو ما أسماه احد التجار.. البقرة الحلوب. في الواقع لا خوف ولا قلق من الاحتجاجات ضد الجرعة، إذا كانت منظَّمة من قبل أحزاب أو تيارات سياسية هنا أو هناك.. دية هذه الاحتجاجات هي المشاركة في التقاسم بعدد من الوزارات والوظائف العليا للقيادات، إلى جانب تجنيد وتوظيف بضعة آلاف من القواعد من ميزانية الدولة وانتهى المشكل.هذا ما لمسناه من الإصلاح في الماضي، وسنلمسه من الحوثي قريباً. وكل ذلك معمول حسابه. لكن الخوف الحقيقي الذي من الواضح أن لا أحد يحسب له، وإن كانوا يتكلمون عنه مجرد كلام من دون استشعار خطورته، كالذي يتحدث عن الموت ناسياً أنه ملاقيه. الخوف أن تنفجر الاحتجاجات الشعبية بصورة عفوية ومفاجئة للجميع، من دون رعاية أو تبني أو تنظيم أي حزب أو تيار سياسي.. ستكون هذه الاحتجاجات (العفوية) ساحقة للجميع، ولن ترحم أحدا، يسميها الكثير ولايستوعبون معناها أو خطورتها (ثورة الجياع). لا يختلف اثنان أن أهل الطبقة السياسية في البلاد لا ينظرون إلى المواطن وهمومه وآلامه إلا كمطية توصلهم إلى السلطة وسرعان ما ينسونها بعد ذلك. والأنكى، أنهم يجدون المبررات لتحميل الشعب كل المرارات التي رفضوها و تاجروا بها سابقاً ثم مارسوها وبرروا لها لاحقاً. ولأجل كل ذلك لا يجب أن يستغرب أحد من العواقب الوخيمة التي لن تستثني ولن ترحم أحدا.. لقد اقتربت ساعة الحساب.. (فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون).