عادل الربيعي لم يدرك الحوثي إلا متأخراً بأن تعاطف الكثير من أنصار القوى السياسية معه في صراعه المسلح ضد الإخوان كان من باب النكاية بإرهاب الإخوان لا أكثر، ولا يعني بأي حال من الأحوال أن يجد ذلك التعاطف نفسه خلال انتهازيته السياسية الأخيرة ضد الجميع واستثماره المتأخر وغير المنطقي لأزمة الجرعة...! لقد خان الزهو السياسي للحوثيين تقديراتهم بعد شعورهم بالتضخم الشعبي والسياسي عقب انتصارهم على الإخوان في عمران واقترابهم من العاصمة السياسية، وأعتقد الحوثي بأن الكثير سيقف معه لمجرد أنه "الحوثي" معتقداً بأن عاصمة اليمن هي نسخة مشابهة لعمران، وبأن الرُهاب الإخواني الذي أحدثه في عمران قد يمثل حالة عدوى سياسية لدى بقية الأطراف وعلى رأسها حزب المؤتمر. كما خابت ظنون الحوثي في توجيه خطوته السياسية غير المدروسة التي اعتقد بأنه سيبتز بها كافة القوى السياسية الأخرى مجتمعة ليصيبها في مقتل وليبدو أمام الجمهور أقوى من الدولة اليمنية المشلولة، كما سيظهر أكثر وطنية من الأحزاب المتصارعة المنضوية تحت الضغوط والمسؤولية، هكذا راهن الحوثي وكأن السياسة والشعب والجمهورية اليمنية برمتها تخضع للعقلية والجغرافيا المحدودة التي خاض حروبه الأخيرة في إطارها وظروفها الخاصة.! إن المتتبع لمسلسل الخطوة الحوثية وآلية التعامل معها يرصد بوعي حالة التخبط التي اعترت الحوثي خلال الأيام الثلاثة الماضية ومدى خيبة ظنه في المقاصد الحقيقية التي كان يرجو أن يحصدها، حيث أدرك بأن تحشيد الشارع وتثوير الجرعة ليست معياراً لتجسيد إرادة شعبية مهما كان العنوان محل إجماع شعبي..كما أدرك بأن الدولة اليمنية والأحزاب السياسية ليست بالغيبوبة العميقة التي تجعلها محل ردة فعل متهورة تجاه خطوته الاستفزازية، والأهم هنا أن الجماهير اليمنية في غالبيتها رفضت _ رغم رفضها الأشد للجرعة _ بأن يكون الحوثي "مُخلِّصاً " وطنياً لمجرد تبنيه المفاجئ للدواعي الوطنية والحقوق الشعبية وفنون الخطاب المدعي للنزاهة السياسية، ولتبدو له العاصمة اليمنية التي خرجت من خريطة التوزيع المذهبي والطائفي العتيق، عاصمة مقدسة لكل اليمنيين على حد سواء..! لقد منحت الدولة وقيادات الأحزاب السياسية للحوثي كل ما يقدر "حسن النية" في خطوته السياسية الانتهازية وأثبتت من خلال اللجنة الرئاسية مدى التفاف الحوثي على المبادئ من خلال خطابة التجريدي المجرد من الواقع السياسي والاقتصادي، وليظهر مدى خلوه من أي رؤية لحل بديل لأزمة الجرعة "الاقتصادية"، بل وأثبتت عدم وجود أي رغبة حقيقية في بادئ الأمر لحل الأزمة.. وبأن الخطوة الحوثية في الأساس جاءت مقابل محاولة إحراق الجميع وتجسيد الحوثي بديلاً عن الجميع في خطوة ارتجالية ينقصها الكثير من الوعي والشمول والمعقولية! لقد أدرك الحوثي بعد ذلك وفي ظل تلمسه لحقيقة الردود الشعبية والسياسية مدى عجزه عن تهديداته خلال ال 72 ساعة الأخيرة وعمل سريعاً على تغيير خطابه بصيغة تحفظ ماء وجهه، وقد ساهمت الدولة وتحديداً حزب المؤتمر الشعبي العام من خلال أنشطته والرؤى التي طرحت في صعدة وغيرها بتمرير المشكلة الحوثية والجرعة بما يحفظ ماء وجه الجميع وبما يمد الحوثي برؤية تجعله يعود للخلف دون إراقة ماء وجهه الذي سكبه بلا مقامات أو حسابات. وقد بدا أثر ذلك التحول والتراجع واضحاً من خلال رسالة البخيتي للرئيس هادي والتي صاغها الحوثي بما يجعل الحل العقلاني للأزمة يبدو لاحقاً بأنه تماشى مع رؤية الحوثيين لمطالبهم التعجيزية الأولى، وقد انتهى التحول سريعاً ومؤخراً برسالة الحوثي ل "هادي" والتي أكدت إدراك الحوثي لعدم جدوى الابتزاز بالجرعة وكشفت عن مدى حرصه في الحصول على "السلطة" وبصورة واضحة جعلته يطالب بالمشاركة في مؤسسات الدولة كلياً وحالياً وليس عقب الانتخابات العامة، والتي عززها المؤتمر لاحقاً بمبادرة معقولة جعلت الحوثي يلزم نفسه على قبولها ومدحها!! وقد علمتُ شخصياً من أحد أبرز أعضاء اللجنة الرئاسية بأنه خلال لقائه في اليوم الأول مع اللجنة الرئاسية لصعدة طالب أحد أعضاء اللجنة عبدالملك الحوثي بتقديم حل بديل يجعل من مطالبه التهديدية وخطابه الشعبي أمراً معقولاً على أرضية الواقع السياسي والاقتصادي. فقال "الغوا الجرعة كاملة وأنا التزم بتوفير فارق الدعم من دول صديقة وشقيقة" ..!!!! وهي النقطة والفضيحة الصريحة التي تجاهلها جميع أعضاء اللجنة حينها حرصاً على نجاح المفاوضات.. فهل كان الحوثي يعي بأن العمالة مع "إيران" عار وطني.. أم كان الحوثي يقصد السعودية أو الكويت أو قطر؟! فهل يستطيع الحوثي أن ينفي هذا المعلومة أو يوضح أي دولة تلك وبأي صفة يستطيع؟!! على عبدالملك الحوثي أن يدرك بأن الشعب اليمني ليس إخواناً وبأن يدرك تماماً بأن البون الشاسع بين الإخوان والدولة المدنية لا يختلف إطلاقاً عن البون الشاسع بين الحوثية كمشروع خارجي وبين الدولة المدنية، وبأن صراعه مع الإخوان كان قراراً خاصاً به وليس وكالة عن الشعب اليمني، وبأن انتصاره على الإخوان لن يكون مبرراً ولا مقابلاً لغطرسته غير المقبولة على قيم وثوابت الدولة اليمنية كمنظومة سياسية وجيش وعاصمة مقدسة لليمنيين كافة. نرجو من الحوثي بأن لا يصنع من نفسه هوسا إخوانيا آخر، فللدولة طريق انتخابي واحد يمكن أن يجعله حاكماً مطلقاً أو محكوماً وهو الوسيلة المثلى والوحيدة للوصول للسلطة.. فمهما كان الحق مرغوباً فيه فإن روائح الباطل في تلبسه تجعله مقتاً مرفوضاً ومهما كانت الآلية الإعلامية مستوردة ولعبة تغطية أخطاء الدولة بالمليشيات رائجة وتسويقية، فإن حفظ المقامات واجب إلزامي بين حركة مرتبطة بالخارج لم ترقَ دستورياً بعد إلى مصاف الأحزاب وبين دولة ركيكه لها دستورها وجمهوريتها الأكبر بكثير من "نزوة" مرحلة!