أليس من المفترض أن النظام الجمهوري قد رسَّخ جذوره وقيمه في وعي الناس ووجدان الأرض، وواقع الحياة.. بحيث أصبح منطقاً بديهياً لا شك فيه ولا خوف عليه؟! أم أن هذه الجمهورية، وبعد أكثر من خمسين عاماً لا تزال مخلخلة البنيان، رخوة القواعد، سقوطها وارد وانهيارها محتمل بمجرد هبَّة ريح معاكسة؟! إن هذا الخوف على الجمهورية من السقوط والتلاشي التي تشهره الآن بعض القوى السياسية والكيانات القبلية وحلفائهم وتابعيهم من أفراد وجماعات وأحزاب، ليس إلا إعادة تموضع وتمترس في خنادق أحداث وصراعات تجاوزها التاريخ، إلى أحداث وصراعات لها أهدافها وشروطها ووسائلها المتغيِّرة، بحكم تغيُّر المؤثرات وتبدُّل الشروط واختلاف الوسائل. ولأن هذه الترويكا القديمة قد عجزت أن تجد لنفسها قضية عادلة تتبناها وتنافح عنها، وعجزت أيضاً أن تنسج لنفسها شعارات ورايات جديدة متقدمة؛ لتتمكن من أن تخوض معركتها مع الآخر الجديد تحت بريقها، استحضرت هواجس النصف الأول من عقد الستينيات القلقة والخائفة على الجمهورية من السقوط تحت حوافر المؤامرة على إسقاطها من الداخل والخارج. لقد استدعت الجمهورية كيافطة لا تعكس بالأصل حقيقة ما يدور من صراع، ولا صلة لها بما يجري بين أطراف هذا الصراع الذي هو بالأساس قائم بين تيار جديد تتصاعد طاقاته وتنمو قدراته وتكتسح المساحات التي تركتها هذه الأحزاب والقوى والكيانات فارغة نتيجة لعجزها السافر عن ملئها من خلال التعبير الصادق والخلاق عن آمال وآلام الناس ومواجعهم.. ليس لعدم رغبة هذه الأحزاب والقوى والكيانات عن فعل ما عليها فعله، ولكن لأنها قوى اكتهلت وأحزاب اكتسحتها عوامل الفيسيولوجية السياسية وإصابتها بالشيخوخة والهرم الفكري، وأصبحت مجرد أدوات تعبِّر عن الماضي السحيق، وتعيش حالة من الغيبوبة عن حقائق الحاضر وعمَّا يريده الشعب منها. إن نواحها اليوم بدافع الخوف على الجمهورية من السقوط وعودة الملكية لحكم البلاد يثير آلاف الأسئلة الساخرة، والنابعة من استقراء ورصد دقيق لماهية الجمهورية: - أي جمهورية هذه التي لم تستطع خلال أكثر من نصف قرن أن تجذِّر حضورها في الواقع ووجدان الناس؟! - من منا رأى الجمهورية يوماً أو لحظة خارج أسوار قصور الشيخ أو مقرات شركاته أو مواكب مرافقيه أو سلوكه المتغطرس المتعالي حدَّ إثارة الغيظ والغضب والتقزز؟! - من منا رأى هذه الجمهورية في شارع شعبي مقهور أو كوخ يأتدم الجوع أفئدة قاطنيه؟! أو من سمع للجمهورية صوتاً يصرخ انتصاراً لمظلوم أو دفاعاً عن حقيقة؟! - أليست هذه الجمهورية التي باسم حمايتها قتل من قام بها، واختطفتها قوى التسلط والفيد والفساد والتخلف التي بنت بجماجم الجمهوريين إمبراطوريتها المالية والتسلطية الأكثر والأشد قمعاً وتنكيلاً بالناس ونهباً لموارد البلاد من الإمامة ذاتها!؟ - أليست هذه الجمهورية التي منذ أُجهضت قيمها، وأُفرغ محتواها القيمي والتحرري، ما زالت مطوية في معطف الشيخ حتى تجسّد هو فيها وتجسدت هي فيه سلطة ونفوذاً وشركات ونهباً وفيداً وتنكيلاً بالآخر؟؟ أسئلة ربما حان الوقت لمناقشتها والإجابة عليها بصدق وتجرد وبمعايير الجمهورية، لا بمنطق الشيخ.