22 مايو من كل عام، يوم خاص في ذاكرة الوطن والإنسان اليمني.. نستطيع القول إنه يوم استثنائي، يستحضر تجديده وعطاءه بتجدد الحياة عبر مسارات الأيام التي يسبقها؛ متمثلاً بالعطاء الوفير بما تحقق ويتحقق على أرض اليمن من إنجازات تجسد مسيرة الخير التي يقودها ويرعاها ويقود مسيرتها فخامة رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح. 22مايو، يوم من أيام العرب، تلبس فيه اليمن أثواب التعمير والتغيير المتجدد نحو آفاق أفضل بما أنجز وينجز عبر بوابة البناء والتنمية. عشرون عاماً مضت.. كان لليمن حضورها العربي والدولي، حضور لا مثيل له حينما نستعرض النقلات النوعية التي تجسدت على أرض الواقع اليمني من تغيير حقيقي وفاعل ومؤثر شمل الإنسان أولاً والأرض ثانياً. فقبل هذا التاريخ أي قبل عشرين عاماً كانت بعض محافظات الجمهورية تعيش أجواء القرون الوسطى، لا مدارس، لا طرق، لا مستشفيات، لا خدمات. فمنذ عشرين عاماً أفاقت اليمن من غفوتها التي استمرت سنوات عديدة، ورغم إمكانياتها المتواضعة إلا أنها استطاعت وبكفاءة مدهشة، ليس فقط تجاوز البقاء خارج مدار التاريخ، ولكنها تمكنت من بلورة نماذج وصنع للتنمية الوطنية. إن الوحدة لم تهتم فقط بالتنمية الاقتصادية؛ وإنما شملت بناء الإنسان اليمني وتكوين شخصيته المتكاملة، حيث كان الإنسان في مقدمة أهداف الوحدة. ولكي ندخل مرحلة أخرى من مراحل البناء والعطاء المتجدد لابد من المشاركة الشعبية، فالدول لا تتقدم إلا عندما تؤمن شعوبها بأن مصيرها ومصير بلدها في الحياة الكريمة يتوقف على تحقيق درجة من التراكم الرأسمالي تكفل لها الانتقال من الحالة النامية أو المتخلفة إلى الحالة الناضجة على مستوى الاقتصاد والمجتمع الذي يستطيع أن يسد احتياجاته بحكم قدرته على توليد الثروة. مثل ذلك لا يحدث أبداً ما لم يسر المجتمع كله وبسرعة كافية، وبالقدر الكافي، في اتجاه تحقيق هذا التراكم بلا تردد، ولا مراوغة أو مناكفة، ولا بالسير خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف. والمفتاح دائماً هو بالاستثمار البشري، وفي التعليم، فلا يعقل أن نكون أصحاب حضارة عريقة ولا نستطيع أن نثبت أنفسنا في الحاضر مثلما كنا في الماضي البعيد. لقد جاءت الوحدة لتلغي ثقافة الكراهية، وتعزز ثقافة المحبة والسلم الاجتماعي، لكن مسلسل الأزمات الوطنية لم تكن الأحزاب السياسية بريئة من التسبب بها، بل إنها أسهمت من خلال وسائلها الإعلامية في نمو الفئوية والمناطقية، والفساد الذي استشرى في مفاصل المجتمع والدولة. وبمناسبة هذه الذكرى الغالية علينا ألا نجعل الوحدة ساحة لتصفية الحسابات الشخصية، كما أنه من غير اللائق بهذه الأحزاب أن تشتت ولاءاتها على حساب الولاء لليمن الوطن والدولة. بهذا اليوم العظيم وبعد عشرين عاماً علينا أن ننظر إلى الوحدة من منظار المستقبل؛ ولا ننظر إليها من منظور جامد ولا تاريخي، وكأن الوحدة كيان مصمت، علينا ألا نخلط بين الهوية الوطنية وبين المطالب الحقوقية. ولعل منظمات المجتمع المدني يقع على عاتقها العبء الأكبر في إعداد وتربية المواطنين من خلال إشاعة ثقافة مدنية ترسي قيم العمل التطوعي والعمل الجماعي وقبول الاختلاف بوسائل سلمية في ضوء قيم الاحترام والتسامح والتعاون والتنافس والصراع السلمي، فهذه القيم تشكل في مجملها جوهر الفكر الديمقراطي. نحن اليوم بعد عشرين عاماً أصبحنا نملك مشروع دولة، هناك مؤسسات دولة، هناك ديمقراطية، وهنالك تعددية يجب أن نحافظ عليها، وعلى القوى السياسية أن تقر بذلك وتعترف به وتقيمه التقييم الصحيح. نحن بعد عشرين عاماً علينا أن نتوقف أمام شرطين رئيسيين لتعزيز هذه الوحدة، هذان الشرطان هما: الديمقراطية والتنمية، ما يتعلق بالديمقراطية فهي مسئولية كل القوى في المجتمع من أجل بناء أسس هذه الدولة الحديثة العصرية، وعلى الأحزاب السياسية ان تجسد التعددية بشكلها الصحيح، بمعنى ألا تتوقف عند ما تعلن وإنما ما يطبق. وفي هذا الإطار يأتي احترام هذه الأحزاب للمعرفة والثقافة والعلم؛ بمعنى أنها ترفع يدها عن تحزيب التعليم وأدلجة الثقافة، وعليها أن تحول الديمقراطية إلى جزء من وعي أتباعها وتدخلها في نسيج حياتهم. أما ما يتعلق بالتنمية؛ فعلى الجميع أن يتعاونوا في خلق رأسمال وطني يتنوع بتنوع ثروات البلاد من النفط إلى السياحة إلى استثمار البشر؛ لابد من الاستناد إلى ما تملكه اليمن من إمكانات لتحديد أشكال متعددة للقطاعات الاقتصادية. وفي هذا اليوم الجليل أدعو الصحافة إلى أن تقوم بدورها المنوط بها؛ وهو رصد التغيير الذي جرى في حياة الناس بدلاً من تصوير الحياة وكأننا في ساحة وغى أو قتال وتحريض الناس ضد كل ما هو حكومي، مهمة الصحافة توجيه المؤسسات والهيئات والهياكل بما يحقق مصالح الوطن بعيداً عن ذلك الاستقطاب العصبي. لابد من الاعتراف بأن وضع الاستقطاب الحالي بين الصحف، أدى من دون شك إلى تآكل مصداقية الصحافة، بحيث لا تجعل المغالاة في النفاق عاملاً يزيف الواقع، وأصبحت اللغة الانفعالية في التزييف سمة أفقدت الصحافة احترامها. إن المشاريع التي تحققت بعد الوحدة في المناطق الجنوبية كانت ذات أبعاد سياسية، فضلاًً عن أن تلك المشاريع تعد وثيقة دالة على انحياز النظام إلى جانب المجتمع، ودليلاً قاطعاً على انحياز الرئيس إلى مفهوم العدل الاجتماعي وتوجيهه إليه واعتباره عنصراً من عناصر الأمن، وأن التشاغل عنه أو تجاهل حضوره يفضي إلى عدم الاستقرار. الرئيس لديه الرؤية التاريخية لمعنى الوطنية المرتكز على المراكمة، ولكن الأحزاب السياسية اندمجت في صراعها الذي صار أزلياً، وانحيازاتها التي توشك على العصف بوجدان وعقول الأجيال الشابة الجديدة والتي وجدت نفسها مدعوة إلى المشاركة في المتاجرة من دون أن تعرف خلفياتها، فرحلت غائبة في عوالمها البعيدة، وصار الشباب أميل إلى العدمية والسوداوية تحت ضغوط ظروف الفقر والحاجة ومنعهم من أن يتحولوا إلى طاقة إيجابية للمشاركة في لتغيير. هناك ثقافة برزت في الآونة الأخيرة انشبت أظافرها في عقول الناس، وهي تعني الفوضى وإطاحة قيم الموضوعية وشيوع ذلك السواد المخيف الذي علمته للناس الأحزاب السياسية والصحافة اللذان يمارسان التهييج والاحتجاج في المطلق، ويعلمان الناس البكاء على الأطلال!!.