أعلنت وزارة الداخلية اليمنية قبل ثلاث أيام عن انتحار عدد 144 مواطناً يمنياً خلال النصف الأول من العام 2014، ومضى ذلك الرقم بسهولة ويُسر ولم يلتقطه السيَّارة المشغولون- أساساً- بحوادث موت يومي طازج ومليء بالجثث وبمراسيم التشييع . 144 حالة انتحار خلال ستة أشهر فقط، هذا والانتحار في عقيدتنا الإسلامية حرام، كيف لو كان حلالاً؟ سرحت الجن. على أن ذلك الرقم مهول ومخيف وينذر بأن شهية الحياة باتت لدى اليمنيين صفر. لا مراكز للدراسات الاجتماعية في اليمن، وإن وجدت فإنها تتحرك ببطء والموت في هذه البلاد سريع وخاطف. وفي اعتقادي الشخصي لو أن الرقم (144) حدث في إسرائيل لقامت الدنيا كلها، ولشاهدنا رئيس الوزراء الإسرائيلي وهو "يتبلج" في محاولة للحصول على مخرج لائق من تلك الورطة . وفي بلادنا المسلمة والمصلية على النبي، يغادر اليمنيون الحياة بطرق شتى ومؤلمة. من لم يمت بحوادث سير، يموت بإطلاق نار.. أو يموت بحوادث انزلاق صخري، أو يموت بالتماس كهربائي أو يموت بسبب أخطاء طبية، أو يموت بحزام ناسف. له إحداها، يموت- وبسلاسة- في مهرجانات التصعيد الثوري المتكاثر في البلد خصوصاً من بعد 11فبراير 2011، ومن لم يحالفه حظ التصعيد الثوري سينتظر فرصة أخرى تأتي ولو عن طريق الانتحار. لكن الانتحار مخيف ويتحدث صراحة عن أن الحياة أصبحت بلا جدوى، وأن الخلاص رخيص. غير الانتحار والشهادة ووفيات السير والأخطاء الطبية وال قح بم، هناك موت آخر يعيشه إنسان هذه البلد، وهو موت غير مرصود ولا يخطر في حسبان أحد. وأتحدث طبعا عن موت شهية مواصلة الحياة لدى غالبية الناس، لدرجة أنك تسأل واحداً في الطريق: كيفك وأيش عامل؟ يقول لك الحمد لله، مراعي للموت!! في بلدان الله الناس يراعوا للعيد، يراعوا للإجازة، يراعوا للراتب، يراعوا للمطر، وإحنا نراعي للموت وننتظره كمن ينتظر وليمة للفرج!! الإحباط والفرغة وتكسير أحلام الناس وتضييق سبل العيش عليهم وتحبيط الكفاءات الحقيقية وشيوع جماعات الدين المنشغلة بعورات الناس وبعذاب القبر، كل ذلك جعل من هذه البلاد مقبرة كبيرة اسمها: اليمن.