بعد ثلاثة أيام من المواجهات والاشتباكات والحرب المفتوحة على أسوار وداخل مدينة أزال اليمنية، انفرجت الأزمة عن توقف مفاجئ لهذه المواجهات والالتقاء في اليوم التالي بالقصر الرئاسي للتوقيع على اتفاقية السلام والشراكة، حتى أن جمال بنعمر، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للأزمة اليمنية، وصف بأنه الحدث الذي لم ولن يتوقعه في حياته، وكثير من اليمنيون يضمون صوتهم إلى صوته، فهم لا زالوا في صدمة يشوبها الترقب والحذر من مستقبل ما سيجري . لقد هرب نصف سكان صنعاء إلى قراهم وبلداتهم النائية، بينما هرب ربع سكان العاصمة إلى الدول الأجنبية حاملين أكياس الذهب الأخضر مع أطفالهم ونسائهم، وبقي الربع الوحيد داخل العاصمة يمسكون المسابح في أيديهم ويدعون، حسبنا الله ونعم الوكيل، وحسبنا من هذا كله أن نعيد إلى الذاكرة ما كنا نتحدث عنه دائماً، وهو عجلة التنمية التي توقفت منذ أكثر من عشرة أعوام وحلت محلها عجلة المؤامرات والمكايدات السياسية والنهب المفتوح للموارد والإمكانات والأزمات الأمنية والسياسية والجرع السعرية . هذا الوطن الجريح والذي كلما بدأ يلتئم جرحه يواجهه بطعنات تدمي الجرح من جديد، وللأسف فإن المتصارعين على السلطة لا يزالوا يعيشون الوهم بأن هذا الوطن يتربع على كنوز من الذهب والفضة، وأن الحكام السابقين كانوا يعيشون الملك الحقيقي وأن عليهم أن يجلسوا على مائدة الذهب والأموال يتقاسموها على من سبقهم، والحقيقة التي نكررها أننا نعيش في وطن جميل وبلدةٍ طيبة ومناخ ناعم، إلا أننا لا نتملك سوى قشرة صغيرة من الموارد الطبيعية وشيءٍ من سدرٍ قليل . ولذلك فنحن نتمنى من هؤلاء الجاهلين بإمكانات اليمن المتواضعة جداً أن يوقفوا صراعهم ويستدعون شباب الوطن من المختصين والاقتصاديين والعمال والفلاحين ويسألوهم: أين نقف من هذه الموارد، وما هي الحدود الآمنة لاستغلالها أو الصراع عليها، وستتضح لهم الفجوة الكبيرة بين أوهامهم وبين الحقيقة المرة التي نواجهها، وعندئذ سيبدأون بالتفكير الجدي لتحسين الاقتصاد وإدارة عجلة التنمية، بعيداً عن الخيال والأوهام، وسينقذون أحفادهم من المصير الأسود الذي يراه المختصون والعارفون بخبايا الأمور الاقتصادية وإمكانياتنا الحقيقية والمتواضعة .